ترامب ومأزق حرب اسرائيل على ايران… تحليل جيوسياسي للأحداث الراهنة في الشرق الأوسط

في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع مصالح القوى العالمية مع الصراعات الإقليمية، تبرز تساؤلات حول دور الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، في هذا المشهد المعقد. يُتهم ترامب، الذي روّج لنفسه كـ”رئيس السلام”، بأنه قد يكون على وشك “خيانة” قاعدته الانتخابية التي تدعم شعار “أمريكا أولاً”، من خلال الانجرار نحو حرب مع إيران، في تناقض صارخ مع وعوده الانتخابية.

هذا المقال يغوص في تحليل الأحداث الراهنة في الشرق الأوسط، مع التركيز على ديناميكيات الصراع بين إسرائيل وإيران وغزة، مستعرضًا تأثير القوى السياسية والاقتصادية والنفوذ الخارجي، ومستكشفًا ما إذا كانت الأحداث الحالية تنبع من قرارات ترامب الفردية أم من شبكة مصالح أعمق تتجاوز سلطته.

السياق الجيوسياسي: تصاعد التوترات في الشرق الأوسط

الشرق الأوسط، بتعقيداته التاريخية والاستراتيجية، يشهد حاليًا تصعيدًا غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، مع تداعيات تمتد إلى غزة والمنطقة بأسرها. الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، مثل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، أثارت ردودًا إيرانية قوية، حيث أصابت صواريخ فرط صوتية أهدافًا عسكرية واقتصادية في إسرائيل، بما في ذلك مخزونات الوقود ومنشآت نووية عسكرية. هذه الهجمات، التي وصفت بـ”الفعالة للغاية”، كشفت عن محدودية الدفاعات الجوية الإسرائيلية، التي استنفدت قدرتها في غضون أيام، مما أثار قلقًا دوليًا حتى في وسائل إعلام موالية لإسرائيل مثل صحيفة التلغراف البريطانية.

في غزة، يستمر الصراع المدمر، حيث تواجه إسرائيل مقاومة شرسة من فصائل فلسطينية، بينما تُتهم بفرض رقابة عسكرية صارمة لمنع تسريب معلومات عن الخسائر. هذا الوضع يعكس استراتيجية إسرائيلية تعتمد على “الضربة الأولى” والاغتيالات، مدفوعة بغياب العمق الاستراتيجي، لكنها تواجه تحديات متزايدة أمام قدرات إيران العسكرية المتقدمة.

ترامب والدولة العميقة: من رئيس السلام إلى أداة الحرب؟

خلال حملته الانتخابية، قدم ترامب نفسه كـ”رئيس السلام”، مدعيًا أنه منع حروبًا، مثل تلك التي كان يُخشى وقوعها مع إيران في 2016 لو فازت هيلاري كلينتون. ومع ذلك، يواجه ترامب الآن اتهامات بـ”خيانة” ناخبيه، حيث يُنظر إليه على أنه “البليد المفيد” (idiot utile) في يد القوى التي تدفع نحو تصعيد عسكري ضد إيران. هذا التحول يثير تساؤلات حول مدى سيطرته على القرارات الجيوسياسية.

الدولة العميقة والنخب الحاكمة: تشير المصادر إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية ليست نتاج قرارات الرئيس وحده، بل هي “حزبية ثنائية” تخضع لإجماع بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتُنفذها “الدولة العميقة”. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علق بأن شخصية الرئيس الأمريكي “لا تهم كثيرًا”، وأن النخب الحاكمة هي من تحدد السياسات. يُصور ترامب على أنه “قطعة في الآلة”، حيث تُنفذ خطط طويلة الأمد، مثل وثيقة “الطريق إلى بلاد فارس” لعام 2009 الصادرة عن معهد بروكينغز، التي تدعو إلى تغيير النظام في إيران.

ضغوط النفوذ الإسرائيلي: يُشير تحليل إلى أن تمويل حملة ترامب يأتي بشكل كبير من “أوليغارشيين يهود” داعمين لنتنياهو، مما يضعه تحت ضغط لدعم السياسات الإسرائيلية. التنسيق الوثيق بين ترامب ونتنياهو في العمليات ضد إيران يعزز هذا الانطباع. ومع ذلك، تواجه هذه السياسات معارضة من قاعدة ترامب الانتخابية (MAGA)، التي تحولت بنسبة 90-95% لدعم إيران ضد إسرائيل، مما يضع ترامب في مأزق بين الوفاء لمموليه وناخبيه.

طبيعته الغريزية: يُوصف ترامب بأنه “شخصية غريزية” تفتقر إلى العمق الاستراتيجي، مما يجعله عرضة للضغوط. منشوراته على منصة تروث سوشيال، التي تستخدم حروفًا كبيرة للتأكيد على أن “إيران لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية”، تُفسر على أنها تعكس شعورًا بالعجز أو الخضوع للدولة العميقة. هذا التناقض بين وعوده بعدم التدخل ودعمه للضربات الإسرائيلية ضد إيران يعزز الشكوك حول قدرته على مقاومة النخب.

إيران وإسرائيل: صراع جيوسياسي أم ديني؟

الدوافع السياسية والاستراتيجية: المصادر تؤكد أن الهدف الأساسي لإسرائيل والولايات المتحدة هو تغيير النظام في إيران، وليس منع برنامج نووي غير موجود. تقارير الاستخبارات الأمريكية تنفي وجود برنامج نووي عسكري إيراني منذ 2003، وفتوى دينية من آية الله الخميني تحظر أسلحة الدمار الشامل. إيران، كدولة محورية تربط الشرق الأوسط بآسيا، تُعتبر تهديدًا للهيمنة الغربية بسبب استقلالها السياسي والاقتصادي. وثيقة “الطريق إلى بلاد فارس” تكشف عن خطط طويلة الأمد لتقويض النظام الإيراني، مما يؤكد الطبيعة السياسية والاستراتيجية للصراع.

غياب البعد الديني: لا تشير المصادر إلى عداء إسرائيلي مباشر للإسلام كعقيدة. بدلاً من ذلك، تركز على الصراعات الجيوسياسية والتاريخية، مثل دعم بريطانيا لإنشاء إسرائيل عبر إعلان بلفور (1917) لتعزيز نفوذها، والإطاحة بمصدق عام 1953 بمساعدة أمريكية وبريطانية. تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، التي أُسيء تفسيرها على أنها دعوة لـ”تدمير إسرائيل”، كانت في الواقع تعبيرًا عن توقع بتغيير نظام سياسي، مشابه لانهيار الاتحاد السوفيتي، وليس عداء ديني.

الذاكرة التاريخية الإيرانية: إيران تحمل ذكريات مؤلمة من تدخلات غربية، مثل المجاعة التي تسبب بها البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أودت بحياة 6-8 ملايين إيراني، والانقلاب على مصدق، ودعم إسرائيل لجهاز السافاك القمعي. هذه الأحداث تجعل إيران ترى بريطانيا، الولايات المتحدة، ثم إسرائيل كأعداء تاريخيين، مما يغذي تصميمها على تطوير قدراتها العسكرية كمصدر للفخر الوطني.

غزة: مرآة الصراع الإقليمي

في غزة، يستمر الصراع كجزء من ديناميكيات الشرق الأوسط الأوسع. إسرائيل، التي تعتمد على استراتيجية “الضربة الأولى”، تواجه مقاومة متزايدة، بينما تُتهم باستخدام الرقابة لإخفاء خسائرها. المصادر تشير إلى أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي له جذور تاريخية تعود إلى التدخلات البريطانية، مثل دعم الصهاينة والإخوان المسلمين لتأجيج الصراع. هذا السياق يجعل غزة ساحة ليس فقط للصراع المحلي، بل للتنافس الجيوسياسي الأوسع، حيث تدعم إيران الفصائل الفلسطينية كجزء من مواجهتها لإسرائيل.

احتمالات انتصار إسرائيل: شكوك متزايدة

خبراء مثل ماكجريجور يرون أن إسرائيل “لا تملك فرصة للانتصار” في الحرب الحالية، حتى بدعم أمريكي، بسبب محدودية دفاعاتها الجوية وفعالية الهجمات الإيرانية. إسرائيل تعتمد على التدخل الأمريكي المباشر، لكن تردد الولايات المتحدة، مدفوعًا بمعارضة قاعدة ترامب الانتخابية للحرب، يضعف هذا الاحتمال. المصادر تؤكد أن إسرائيل تواجه تحديات استراتيجية هائلة، خاصة مع نفاد قدراتها الدفاعية في غضون 10-20 يومًا من الاعتراضات الصاروخية.

تأثير “القيادة المنحرفة” على الاستقرار العالمي

المصادر تصف القيادات الغربية، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، بأنها “منحرفة”، تعتمد على الكذب، التلاعب، وقلب الحقائق لتبرير أفعالها. هذا السلوك يؤدي إلى:

  • تأجيج الصراعات: القادة المنحرفون يصنعون “أعداء” مثل إيران أو روسيا لتوحيد شعوبهم وصرف الانتباه عن الفشل الداخلي.
  • تآكل الديمقراطية: فساد المؤسسات والرقابة الإعلامية يقوضان الضوابط الديمقراطية، مما يجعل الأنظمة تميل نحو الشمولية.
  • تدهور التحالفات: مطالب ترامب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5% من الناتج المحلي قد تدفع الدول الأوروبية إلى أزمة، وقد يؤدي انسحاب أمريكي محتمل من قيادة الناتو إلى إضعاف الحلف.

المسؤولية: لوبي صهيوني أم مصالح اقتصادية أم عجرفة؟

اللوبي الصهيوني: نفوذ الممولين الموالين لإسرائيل في الولايات المتحدة، والتنسيق بين ترامب ونتنياهو، يشيران إلى تأثير قوي للنخب الموالية لإسرائيل. عمليات “علم زائف” محتملة، مثل الهجمات على قواعد أمريكية، تعزز هذا التصور.

المصالح الاقتصادية والجيوسياسية: إيران، كدولة محورية، تُهدد الهيمنة الغربية بسبب مواردها وعلاقاتها مع الصين وروسيا. تغيير النظام في إيران يخدم مصالح اقتصادية واستراتيجية طويلة الأمد، كما تُظهر وثيقة “الطريق إلى بلاد فارس”.

عجرفة القيادة: القيادة الإسرائيلية تُظهر نهجًا يعتمد على العدوان الوقائي والرقابة الصارمة، بينما القيادات الغربية تُوصف بأنها “منحرفة”، تسعى للتدمير بدلاً من البناء، مما يغذي الصراعات.

خلاصة: شبكة معقدة من المصالح

الأحداث الراهنة في الشرق الأوسط ليست نتاج قرارات ترامب وحده، بل هي محصلة شبكة معقدة من المصالح السياسية والاقتصادية والنفوذ الخارجي. الدولة العميقة، النخب الموالية لإسرائيل، والخطط الاستراتيجية طويلة الأمد تلعب دورًا أكبر من سلطة الرئيس الأمريكي. إيران، كقوة إقليمية صاعدة، تُستهدف لمنع استقلالها، بينما غزة تظل ساحة للصراع الأوسع.

ترامب، بين وعوده بالسلام وضغوط النخب، يواجه مأزقًا قد يدفعه لخيانة قاعدته، لكنه يبقى “قطعة في الآلة”، لا صانعًا للأحداث. في هذا السياق، يظل الشرق الأوسط مسرحًا لصراعات تتجاوز الأفراد، وتتطلب وعيًا شعبيًا وقوى مضادة لإعادة التوازن إلى النظام العالمي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!