انسحاب المعارضة وغياب البث المباشر… كيف مُرّر قانون المجلس الوطني للصحافة داخل مجلس المستشارين؟

متابعة : المصطفى العياش
في لحظة تشريعية وُصفت بالحساسة، صادق مجلس المستشارين على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وسط أجواء مشحونة، طبعها انسحاب جماعي لمكونات المعارضة البرلمانية وجدَل واسع حول غياب البث التلفزيوني المباشر لجلسة يفترض أنها تمس صميم حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للمهنة.
في خضم هذا السياق داخل قاعة مجلس المستشارين، شهدت الجلسة لحظة فارقة تمثلت في انسحاب جماعي لعدد من مكونات المعارضة قبل التصويت، شمل الفريق الحركي، والفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، وفريق الاتحاد المغربي للشغل، ومجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إضافة إلى مستشاري الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.
ولم يقتصر النزاع على مجرد الانسحاب، بل أصبح مشروع القانون نقطة صراع مفتوح بين الحكومة من جهة، وبين فرق المعارضة البرلمانية من جهة ثانية، إلى جانب هيئات مهنية للصحافة ونقابات متابعة للنقاشات التي عبّرت عن رفضها لبعض بنود القانون. هذا الصراع يعكس خلافًا جوهريًا حول استقلالية المجلس الوطني للصحافة وحدود تدخل السلطة التشريعية والتنفيذية في قطاع الإعلام، ويبرز الاختلاف العميق في الرؤى حول من يملك شرعية تنظيم المهنة وتحديد قواعدها.
جلسة غير عادية في توقيت حساس
انعقدت الجلسة العامة لمجلس المستشارين المخصصة للتصويت على مشروع القانون في سياق سياسي وإعلامي دقيق، يتسم بتنامي النقاش العمومي حول وضعية الصحافة، واستقلالية هيئاتها، وحدود تدخل السلطة التنفيذية في تنظيم المهنة.
ورغم أهمية الموضوع، سارت الجلسة في اتجاه تصعيد غير مسبوق داخل الغرفة الثانية.
تصويت بأغلبية الحاضرين
بعد مغادرة فرق المعارضة، استؤنفت الجلسة ليتم تمرير مشروع القانون بإجماع الأعضاء المتبقين داخل قاعة مجلس المستشارين، وهو ما فتح باب الانتقاد حول مدى تمثيلية هذا التصويت سياسيًا، في ظل غياب مكونات أساسية داخل المؤسسة التشريعية.
سؤال الشفافية وغياب البث التلفزيوني
ما زاد من تعقيد المشهد هو عدم نقل الجلسة مباشرة عبر التلفزة العمومية، خلافًا لما جرت به العادة في محطات تشريعية مماثلة.
هذا الغياب للبث المباشر أثار تساؤلات واسعة في الأوساط الإعلامية والسياسية حول مستوى الشفافية، خاصة أن الجلسة تتعلق بقانون ينظم قطاع الإعلام نفسه.
واعتبرت أطراف معارضة ومهنية أن عدم البث، سواء كان لأسباب تقنية، ساهم في حرمان الرأي العام من متابعة نقاش برلماني مفصلي داخل مجلس المستشارين، وزاد من منسوب الشك في طريقة تدبير الملف.
أمثلة مقارنة: مجالس مهنية أخرى
لفهم أوسع للصراع الدائر حول مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، يمكن مقارنة الوضع بـ مجالس المحامين والهيئات الوطنية للأطباء:
في هذه الهيئات، يُنتخب أعضاء المجلس مباشرة من طرف المنتسبين للمهنة، ويُدار شؤون المهنة بشكل مستقل عن الحكومة، ما يضمن التنظيم الذاتي الحقيقي واستقلالية القرار المهني.
على النقيض، مشروع قانون الصحافة الممرر بأغلبية عددية، يحدد قدرة الصحفيين على انتخاب ممثليهم بحرية، ما يضعف التنظيم الذاتي ويزيد الاحتكاك بين الحكومة والمهنيين.
ما بعد الانسحاب: احتمال تصعيد المعارضة البرلمانية
انسحاب الفرق المعارضة داخل مجلس المستشارين لم يكن مجرد تعبير رمزي عن الرفض، بل يمكن أن يكون خطوة أولى نحو تصعيد أكبر.
بعض المتابعين يرون أن استمرار تجاهل مطالب المعارضة قد يدفعهم إلى خيارات أكثر حدة، بما في ذلك استقالة جماعية من المجلس، وهو ما سيكون رسالة قوية للحكومة وللرأي العام على حد سواء بشأن عدم الرضا عن مسار تمرير القانون.
مثل هذا التصعيد سيشكل ضغطًا سياسيًا ومؤسساتيًا كبيرًا، ويمكن أن يفتح الباب أمام ردود فعل الهيئات المهنية للصحافة والنقابات، التي قد تتخذ بدورها مواقف جماعية لتأكيد استقلالية المجلس الوطني للصحافة وحماية حرية الصحافة.
هذا السيناريو المحتمل يوضح أن الداء ليس مجرد القانون نفسه، بل الطريقة التي تم تمريره بها، ويؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في الآليات التشريعية وضمان الحوار مع كل الأطراف المعنية قبل الوصول إلى أزمة أعمق.
الدروس المستخلصة: كيف يجب التعامل مع القانون
يوضح نموذج المحامين والأطباء أن الاستقلالية والانتخاب الحر للهيئات المهنية أساس لضمان حرية المهنة واستقلالية القرار. لذلك، التعامل مع مشروع قانون الصحافة يجب أن يشمل:
— اعتماد آليات انتخابية ذاتية للمهنيين داخل المجلس.
— تعزيز الشفافية في سير الجلسات البرلمانية، بما فيها البث المباشر.
— الحفاظ على استقلالية المجلس عن أي تدخل حكومي مباشر، مع احترام التوازن بين الضوابط القانونية وحماية حرية الصحافة.
الانسحاب الجماعي للمعارضة والجدل حول غياب البث المباشر ليس مجرد حادث عابر، بل رسالة واضحة لكل الأطراف: أن الصحفييين والمهنيين والمواطنين على سواء، يراقبون كل خطوة تمس حرية التعبير والتنظيم الذاتي، وأن أي تجاوز للمبادئ الديمقراطية سيواجه رد فعل قوي ومؤثر على الصعيد السياسي والمجتمعي.









