النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي بالمغرب تتصدى للفساد وتطالب بإصلاحات جذرية

أصدر المكتب الوطني للنقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية بالمغرب بيانًا قويًا يعكس واقع التعليم العالي في البلاد، مشيرًا إلى تحديات جسيمة تهدد جودة القطاع وحقوق العاملين فيه.
البيان، الذي صدر عقب اجتماعين متتاليين في الأول والثاني من يونيو 2025، يسلط الضوء على قضايا الفساد المتزايد، نقص الأطر الإدارية والتقنية، تعثر مشروع النظام الأساسي، ومشروع قانون التعليم العالي المثير للجدل. وفي خطوة تصعيدية، أعلنت النقابة عن برنامج نضالي يشمل إضرابات ووقفات احتجاجية للدفاع عن حقوق الموظفين وإصلاح القطاع.
أشار البيان إلى أن الفساد في الجامعات المغربية بات ظاهرة مقلقة، حيث بدأت تتوسع في عدد من المؤسسات الجامعية. وعلى الرغم من أن هذه الحالات تبقى محدودة مقارنة بالعدد الكبير من الأطر الإدارية والتقنية والأساتذة النزهاء، إلا أن الصدى الإعلامي الواسع والمتابعة العامة يعكسان خطورة الوضع. النقابة أكدت أن الفساد يعزى إلى عوامل متعددة، من بينها ضعف آليات الرقابة وغياب المحاسبة الفعالة. وطالبت بـ”الضرب بيد من حديد” على الفاسدين، مع إقرار آليات رقابة صارمة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد سمعة التعليم العالي وسلامته.
يعاني قطاع التعليم العالي من نقص حاد في الأطر الإدارية والتقنية، وهو ما وصفته النقابة بـ”الخصاص المهول”. هذا النقص أدى إلى تحميل الموظفين الحاليين أعباء إضافية، على الرغم من تفانيهم ومسؤوليتهم في أداء مهامهم. النقابة انتقدت تجميد الملف المطلبي للموظفين منذ ثلاث سنوات، وطالبت بزيادة التوظيفات والرفع من نسبة التأطير الإداري لضمان سير العمل بكفاءة وتخفيف الضغط عن العاملين.
اعتبر المكتب الوطني أن مشروع القانون المنظم للتعليم العالي جاء مخيبًا للآمال، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحكامة. النقابة عبرت عن استيائها من “الكيل بمكيالين” في التعامل مع مكونات الجامعة، من طلبة وأساتذة وموظفين، وأبدت امتعاضًا كبيرًا من المادة 74 التي رفضتها بشكل قاطع. وفي ظل اعتماد الوزارة على “السرية والإنكار” في صياغة المشروع، طالبت النقابة بإشراكها في كل ما يتعلق بتشريعات القطاع، مؤكدة على ضرورة الحوار الشفاف والشامل.
كان مشروع النظام الأساسي لموظفي التعليم العالي يحمل آمالاً كبيرة لتحسين أوضاع العاملين، لكنه واجه تعثرًا كبيرًا. بدأ العمل على المشروع منذ يناير 2022، حيث عملت الوزارة منفردة حتى يونيو 2023، ثم بشكل مشترك مع النقابات حتى يناير 2025. لكن النص تم تجميده منذ ذلك الحين، مما دفع النقابة لإعلان برنامج نضالي في مارس 2025، تم تعليقه لاحقًا بعد وعود من الوزير بتسريع المسار. ومع ذلك، جاءت “مفاجأة غير سارة” في أبريل 2025، حيث أعلن رئيس الحكومة ووزير الميزانية عدم علمهما بالمشروع، فيما رفضت وزارة المالية المشروع جملة وتفصيلاً وسط تعتيم رسمي. هذا الوضع دفع النقابة إلى إعادة تنشيط برنامجها النضالي.
أعلنت النقابة عن برنامج نضالي طموح يشمل إضرابًا لمدة 48 ساعة يومي 17 و18 يونيو 2025، مع وقفة احتجاجية حاشدة أمام الوزارة في اليوم الثاني. كما يتضمن البرنامج مقاطعة الحراسة في الامتحانات، إضرابات أسبوعية مع وقفات احتجاجية طيلة يونيو ويوليو، ومقاطعة الدخول الجامعي مع إضرابات إضافية. النقابة دعت جميع موظفي القطاع للانخراط الواعي في هذه “المعركة النضالية”، وحثت المكاتب المحلية والجهوية على تعبئة واسعة لضمان نجاح البرنامج.
يواجه التعليم العالي في المغرب تحديات هيكلية تتطلب إصلاحات جذرية وشفافية في الحكامة. النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية، من خلال بيانها وببرنامجها النضالي، تؤكد عزمها على مواجهة الفساد، تحسين ظروف العمل، وإشراك النقابات في صياغة السياسات. هذه الخطوة تمثل دعوة للجميع – من موظفين ومسؤولين ومجتمع مدني – للعمل سويًا من أجل تعليم عالٍ يعكس طموحات المغرب ويحافظ على نزاهته وجودته.
تدعو النقابة كافة الأطر الجامعية إلى الانضمام إلى هذا النضال، مؤكدة أن الحلول لن تأتي إلا من خلال وحدة الصف والمطالبة بحقوق مشروعة. إن التصدي للفساد، تحسين الأطر الإدارية، وإصلاح التشريعات لن يكون ممكنًا دون ضغط جماعي وحوار بناء مع الجهات المسؤولة.