النقابة الوطنية للصحافة المغربية: حكاية انقلاب أبيض.. من نقابة للمديرين إلى نقابة للصحافيين

جمال المحافظ

على الرغم من أن الصحافيين تمكنوا ومنذ الجمع العام الأول للنقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1984، أن يصبحوا أعضاء ويمثلوا في قيادة هذه المنطمة، فإن “المؤسسين من أرباب العمل لم يتنازلوا، عن النقابة بحكم أن تعديل القانون منحهم غرفة داخل بيت النقابة، “ربما للمراقبة .. مما جعل المغرب “ربما البلد الوحيد في العالم الذي لم يتمكن فيه الصحافيون من تشكيل نقابتهم أو اتحادهم إلا بعد موافقة المديرين” كما ذكر محمد باهي في كتاب أراء ومواقف “مذكرات صحفية “.

بيد أن المرحلة التي عاشتها النقابة الوطنية للصحافة المغربية ما بين سنوات 2000 إلى 2011 تميزت بالانتقال من نقابة بنظام مختلط للمديرين والصحفيين ابتداء من الجمع العام سنة 1993 ومرورا بجمعها العام الثالث في سنة 1996 الى نقابة للصحفيين في مؤتمرها الرابع سنة 2000.

إن أهم ما ميز المؤتمر الرابع للنقابة، هو أنه كان المحطة التنظيمية التي كرست بشكل نهائي التحول الى نقابة للصحافيين، في الوقت الذي كانت قد تأسست سنة 1963 كتنظيم يقتصر على مديري الصحف الوطنية، ليتطور فيما بعد الى إطار يجمع في صفوفه كلا من الصحفيين والمديرين، الذين شكلوا بعد المؤتمر الرابع إطارا جديدا، سيحمل اسم “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف”.

فيدرالية لناشري الصحف على يمين النقابة

فهذا التغيير عملت فيه النقابة، على أن تتحول الى فاعل أساسي في تنظيم المهنة، وأن يصبح الصحفيون، قاطرة لأي صناعة إعلامية، لأن الجسم الصحافي المنظم والقادر على المساهمة في تسيير المؤسسات بطريقة تضمن الديمقراطية الداخلية، والنزاهة والشفافية في المعاملات، و المؤهل ليخوض غمار التحديات السياسية والمهنية والتكنولوجية للتطور الحاصل في أدوات التواصل.

وهكذا عكس المؤتمر الرابع للنقابة، في مقرره التنظيمي إرادة هذه المنظمة في أن تتطور الآليات الداخلية لكل قطاع إعلامي حتى يتمكن من فرض تواجد نقابي يومي لمعالجة مختلف القضايا المطروحة في إطار وحدوي بين الصحافيين، ومختلف الفئات الأخرى من العاملين في حقل الصحافة والاعلام.

فاعل أساسي في تنظيم المهنة

وأقرت في هذا الصدد نقابة الصحافة، بأنه لا يمكن أن تكون مجرد تنظيم تعبوي لتحقيق مطالب مادية أو مهنية، بل هي إطار للدفاع عن حرية التعبير، واحترام الضمير المهني وإنتاج دراسات وأبحاث، تعمق الوعي النقابي والسياسي للصحافيين، وتطرح مختلف الإشكاليات التي يثيرها الإعلام والاتصال، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وهو ماجعل مؤتمرها يشكل ” قفزة نوعية ” في تاريخ هذا التنظيم، في ظل مشهد وطني كان يتميز بأولوية الصراع من أجل إعلام عصري ومتطور ومحيط دولي تلعب فيه وسائل الاتصال الدور الفاعل والمحرك لكل المجالات الأخرى.

وإذا كانت النقابة في السابق تجمعا لناشري الصحف، فإنها تحولت مع المؤتمر الرابع إلى المؤطر الرئيسي للصحافيين والمعبر عن مطالبهم وانشغالاتهم وذلك بفضل الكفاحات التي خاضتها والتجارب التنظيمية التي سلكتها. وانعكس التحول التنظيمي على تغير ملحوظ في طبيعة خطاب النقابة الذي أضحى خطابا مباشرا ويتسم بنوع من الحدة في التعبير عن مطالب الصحفيين خاصة المتعلقة بأوضاعهم المادية والمهنية.

الاعلام صناعة ثقافية

فطالما حملت المسؤولية بصفة عامة، للطبقة السياسية وممولي المؤسسات الإعلامية الذين يتعاملون مع الصحافة كأداة فقط لخدمة أغراضهم الدعائية المباشرة، دون أن يرقى نهجهم إلى اعتبار الإعلام أولا وقبل كل شيء استثمارا من أرقى ما توصل إليه العصر، كأداة تواصل وتنمية وصناعة ثقافية وفنية وترفيهية.

كما انتقدت النقابة “حكومة التناوب” التي كانت قد تأسست سنة 1998، لعدم تنفيذ التزاماتها التي أعلنت عنها بخصزص إصلاح قطاع الإعلام العمومي والاهتمام بمشاكل العاملين فيه وإيجاد حلول لها، في وقت أصبحت وسائل الإعلام العمومية بدورها تدخل أكثر فأكثر في مجالات ” السيادة”.

الخصاص الديمقراطي

وعلى صعيد البيت الداخلي، عادت اسئلة تحولات النقابة، ودمقرطة آليات اشتغالها ومدى حضورها في المشهد الاعلامي للدفع بدينامكيته، وحدود استقلاليتها عن الجهاز التنفيذي والهيئات السياسية، الى الواجهة بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع، خاصة بعد الانتقادات الموجهة لها، بأنها ” ظلت مسخرة من قبل في أحزاب سياسية بعينها”.

ويعتبر أصحاب هذه الانتقادات، أن هذا الأمر يجعل نقابة الصحافة، ” بعيدة عن خلق شروط التناوب على هرم المسؤولية، إذ أن جميع الاسماء التي تعاقبت مثلا على الكتابة العامة للنقابة منذ تأسيسها، كانت تنتمى الى حزبين فقط “.

بيد أنه إذا كانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تأسست بمبادرة من الصحف التابعة للأحزاب السياسية والنقابية والاجتماعية، وكان أول مكتب لها مقتصرا على مديري هذه الصحف، وانصب اهتمامها على حرية الصحافة، وغابت الهواجس المهنية والاجتماعية المرتبطة بالصحفيين وتنظيم المهنة، قبل جمعها العام الثاني المنعقد سنة 1993، إلا أنها عملت منذ التسعينات على الاهتمام بهذه القضايا ولو بصيغة ” لم تلق اجماعا ” من لدن الجسم الصحفي .

تمثيلية مثار جدل عميق

ومع تأسيس إطار خاص بمديري النشر، تحت اسم “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف”، لم تعد النقابة الوطنية للصحافة لمغربية “الممثل الوحيد” للجسم الصحفي، وأصبحت تمثيلية النقابة، مسالة مثار نقاش واسع، وموضع جدل عميق.

وعلى الرغم من كون النقابة الوطنية للصحافة المغربية، حافظت منذ تأسيسها على وحدتها، الا انه في مراحل متفرقة من مسارها، برزت اصوات اعلامية، منذ ميلادها سنة 1963 تدعو الى احداث”هيئة تتكلم باسم الصحافيين لدى الجهات المختصة، وتعمل على الحفاظ على شرف المهنة في مختلف المناسبات، فضلا عن الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمنضوين تحت لوائها”.

لكن مشكلة التمثيلية، طرحت بحدة أكبر، سنة 2000، إبان محاولات تأسيس إطار نقابي جديد، بدعوى أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية ” تشكو من نقص في فعالية، ومحدودية التمثيلية، واختلال في التدبير الديمقراطي “، حسب صحافيين الداعين الى هذه المبادرة .

فعلى الرغم التحولات التي عرفها العمل النقابي في الوسط الصحفي وظهور فاعلين اجتماعيين جدد ، فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ظلت محافظة على وحدتها، رغم تعرضها لمحاولات انشقاق. بيد أن هذا الوضع يثير عدة تساؤلات يتعين طرحها، من قبيل عن أية أدوار يتعين على نقابة ممثلة لجميع مكونات الصحافيين الاضطلاع بها، وسط جسم اعلامي يزداد تنوعا وتشبيبا وتأنيثا وتوسعا أفقيا وعموديا، مما كان يتطلب من النقابة إقرار مخططات لجمع هذا الجسم في اطارها، بدل جعل تمثيليتها تقتصر على بعض المنابر خاصة الناطقة بلسان الأحزاب السياسية المؤسسة للنقابة .

ملاحظة: المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى