النقابة الوطنية للصحافة المغربية تمين الخطاب الملكي بشأن الإعلام والمسؤولية المشتركة

الرباط – 12 أكتوبر 2025
في سياق يتسم بالتوتر السياسي والاجتماعي الذي يشهده المغرب، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات في مناطق مثل تاونات، أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بلاغًا يثمن مضامين الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية الحادية عشرة، يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025.
يأتي هذا البلاغ كدعوة لتعزيز دور الإعلام كجسر للثقة بين الدولة والمواطن، في وقت يُعد فيه التواصل الفعال ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الاجتماعية.في خطابه أمام البرلمان، أكد الملك محمد السادس على أهمية “تأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية ومختلف القوانين والقرارات، ولا سيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين بصفة مباشرة”.
وأضاف جلالته أن “هذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أنتم، السادة البرلمانيين، لأنكم تمثلون المواطنين. كما أنها أيضًا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين بمختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة”.
هذه التوجيهات السامية، التي جاءت في سياق دعوة لتعزيز العدالة الاجتماعية والتنمية الترابية، تُعتبر برأي النقابة تأكيدًا واضحًا على أن “الإعلام ليس ترفًا مؤسساتيًا، بل هو شرط أساسي لأي تحول ديمقراطي وتنموي حقيقي”، وجزء لا يتجزأ من بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
تابعت النقابة، في بلاغها الذي أصدرته يوم السبت 11 أكتوبر، بأن الخطاب الملكي يدعو إلى تحصين الاختيار الديمقراطي وتقوية جسور التواصل، لا سيما في القطاعات الحيوية التي تمس حقوق المواطنين مباشرة. وانطلاقًا من هذا التوجيه، شددت النقابة على ضرورة أن يتحلى الإعلام الوطني بمختلف قطاعاته بـ”أقصى درجات المهنية والحياد”، من خلال نقل نبض المجتمع بموضوعية، وتسليط الضوء على التحديات في مجالات مثل التعليم، الصحة، الشغل، والسكن، عبر مختلف آليات نقل الخبر والتعاطي معه بمهنية والتزام.
وفي سياق يتزامن مع احتجاجات “جيل زد” في المناطق المهمشة، اعتبرت النقابة أن التوجيه الملكي يشكل “دعوة صريحة لتعزيز الثقة في الجسم الصحافي الوطني”، مطالبة بجعل الإعلام فضاءً لـ”النقاش العمومي الرصين حول رهانات الدولة الاجتماعية، وآليات تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية”. ودعت إلى فتح منابر الإعلام العمومي والخاص على “مختلف التعبيرات المجتمعية، وإبراز الجهود المبذولة ومكامن الخلل بقدر عالٍ من التوازن”.
لم يقف البلاغ عند التثمين، بل امتد إلى مطالب عملية لإصلاح المشهد الإعلامي. فدعت النقابة إلى فتح “نقاش وطني واسع حول تأهيل الإعلام الوطني العمومي والخاص”، بما يضمن له “الاستقلالية والنجاعة والتطور والتحديث والشفافية”، مع توفير شروط عمل آمنة للصحفيين، وتكريس حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية عبر اتفاقيات جماعية تصون المكتسبات وتعزز الحقوق، وبرامج تكوين مستمر. وأكدت أن “الإصلاح الحقيقي للمشهد الإعلامي يجب أن يتم بالتشاور الواسع مع المهنيين”، سواء على صعيد المنظومة القانونية أو أخلاقيات المهنة، مع حماية الصحفيين اجتماعيًا ومهنيًا لضمان أدائهم في هذه “المرحلة الدقيقة”.
من بين المطالب الملحة، طالب البلاغ الحكومة بـ”تصحيح المسار التشريعي لمشروع قانون 25/26 بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وإنهاء فراغ انتهاء ولاية اللجنة المؤقتة”، مع إطلاق مفاوضات حول “قانون الصحافة والنشر، والقانون الأساسي للصحافي المهني، واتفاقيات جماعية جديدة بمختلف القطاعات”. كما شدد على “إطلاق خطوات مدعمة للنهوض بالإعلام العمومي الوطني، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والصحافة الجهوية والمحلية، وحماية التعددية الثقافية وترصيد مناخ الحقوق والحريات”.
وفي دعوة لتعزيز الشفافية، هدب النقابة السلطات العمومية والمنتخبين إلى “تمكين الصحفيين والصحفيات من الحق في الحصول على المعلومة”، واعتماد التواصل والإخبار كآلية لمواكبة السياسات العمومية إعلاميًا. كما هدبت بالزميلات والزملاء إلى “احترام أخلاقيات المهنة”، وجددت الدعوة إلى “إلغاء متابعة الصحفيين قضائيًا بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر، واعتماد حق الرد المكفول كشرط قبل أي متابعة قضائية”.
في الاخير عبرت النقابة عن “استعدادها للانخراط الفعّال في أي مسار إصلاحي وطني يهدف إلى إعادة الاعتبار لإعلام مهني وملتزم”، في انسجام تام مع الرؤية الملكية الداعية إلى بناء الثقة وتعزيز التواصل الصادق بين الدولة والمجتمع. يُعد هذا البلاغ خطوة نحو حوار بناء، يعكس التزام النقابة بقيم الحرية والكرامة والمسؤولية، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى إعلام قوي يساهم في حل التحديات الراهنة.