المنظومة الرقمية المغربية تحت المجهر: هشاشة مكشوفة وطموحات تحتاج إعادة تقييم

عبدالعالي الجابري – وجدة، 10 يونيو 2025
في تدوينة حديثة، أثار الدكتور سعيد الملحاوي نقاشاً حاداً حول هشاشة المنظومة الرقمية المغربية، مستعرضاً الفجوات التي كشفتها الهجمات السيبرانية المتتالية على أنظمة المؤسسات العمومية وشبه العمومية. التدوينة، التي حملت عنوان “القرصنة تفضح الهشاشة الرقمية!”، لم تكتفِ بانتقاد الواقع الرقمي المغربي، بل وجهت سهام النقد إلى ادعاءات “الريادة الرقمية” التي تروجها بعض الجهات الرسمية.
في هذا المقال، انطلاقا من احتكاكي بالرقمنة منذ سنة 1992، ومن خلال ملاحظات عاينتها مرارا وتكرارا، ستعرض بعض نقاط الضعف التي تعتري المنظومة الرقمية المغربية.
بداية يشير الملحاوي إلى أن تساقط المنظومات المعلوماتية للإدارات والمؤسسات أمام الهجمات السيبرانية يكشف عن ضعف البنية التحتية الرقمية. وبالفعل فهذه الهشاشة تتجلى في نقص الأنظمة الأمنية المتقدمة، مثل جدران الحماية (Firewalls) وأنظمة كشف التسلل، إلى جانب تحديثات غير منتظمة للبرمجيات. على سبيل المثال، شهدت مؤسسات حكومية وشبه حكومية في السنوات الأخيرة اختراقات أدت إلى تسريب بيانات حساسة، مما يعكس غياب استراتيجية وطنية متكاملة للأمن السيبراني.
الى ذلك انتقد د.الملحاوي بشدة ضعف التكوين الرقمي والمعلوماتي لدى المسؤولين، إلى جانب “هزالة الثقافة الرقمية”. هذا الواقع برأيي يظهر في سوء إدارة المشاريع الرقمية وعدم القدرة على التعامل مع التهديدات السيبرانية. وهنا اعتقد أن الكوادر المشرفة على التحول الرقمي غالباً ما تفتقر إلى التخصص العميق في مجالات مثل الأمن السيبراني أو تحليل البيانات، مما يؤدي إلى اعتماد حلول تقنية غير فعالة أو عتيقة.
كما أن من أبرز الانتقادات التي وجهها الملحاوي هو “الترامي” لغير ذوي الاختصاص على المجال الرقمي. وهنا لست بحاجة للاشارة الى ظاهرة تتجلى في تكليف أشخاص غير مؤهلين بإدارة مشاريع رقمية حساسة، مما يؤدي إلى “فوضى رقمية”.
وهنا امر في الحقيقة مثير للسخرية اشار اليه الدكتور وهو “الهجرة الجماعية” نحو الذكاء الصناعي دون معرفة أو تخصص، حيث تُروج ادعاءات الريادة في هذا المجال رغم غياب أي منتج حقيقي. والسخرية هنا تتجلى في التعامل السطحي والترفي (من الترف) مع التحول الرقمي، مما جعلنا امام شعارات أكثر من الإنجازات الملموسة.
الى ذلك اضاف الملحاوي التأكيد على تواضع المنتوج الرقمي المغربي في القطاعين العام والخاص. فعلى الرغم من الخطاب الرسمي الذي يروج لـ”الريادة الرقمية”، إلا أن المغرب لم ينجح بعد في تطوير منتجات رقمية ذات جودة عالية أو حلول تقنية مبتكرة. على سبيل المثال، حتى الجامعات والمعاهد المتخصصة في هذا النوع من العلوم تعتمد على برمجيات أجنبية، مما يزيد من التعرض للاختراقات ويعيق بناء صناعة رقمية وطنية مستقلة.
ليختم د.الملحاوي تدوينته منتقدا بشدة المسؤولين الذين يروجون لإنجازات رقمية “وهمية أو بسيطة”، مثل تطبيقات إدارية محدودة الفعالية أو منصات رقمية تعاني من أعطال متكررة (ابسط مثال منصات نتائج الامتحانات الخاصة بالكليات الجامعية على مختلف انواعها). هذا النهج يعكس غياب استراتيجية طويلة الأمد للتحول الرقمي، ويُضعف الثقة العامة في قدرة الدولة على تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال.
اشكر الدكتور على بعثه لي تلك التدوينة الى اعتبر انها تكشف عن أزمة بنيوية في المنظومة الرقمية المغربية، زاذا ما كان لي اضيف اليها شيئا بعدما اخبرت صاحبها أنني سأقوم بكتابة مقال بناء عليها، اشير الى ان الوضيعة الكارثية للرقمنة في المغرب تعود إلى عدة عوامل.
أولاً، غياب رؤية استراتيجية شاملة للتحول الرقمي. فعلى الرغم من إطلاق مبادرات مثل استراتيجية “المغرب الرقمي”، إلا أن التنفيذ يعاني من التشتت والاعتماد على حلول مؤقتة. ثانياً، ضعف الاستثمار في التكوين والبحث العلمي في مجالات التقنية، مما يحد من إنتاج كوادر وطنية مؤهلة. ثالثاً، الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع، حيث تُروج الحكومة لإنجازات طموحة في حين تعاني المؤسسات من اختراقات متكررة وأنظمة متخلفة.
كما أن الاعتماد المفرط على البرمجيات الأجنبية يزيد من التحديات، حيث تفتقر هذه الحلول أحياناً إلى التكيف مع السياق المغربي، إلى جانب ارتفاع تكلفتها.
اما فيما يخص الذكاء الصناعي، يبرز غياب البنية التحتية اللازمة، مثل مراكز البيانات المتقدمة أو قواعد البيانات الوطنية، مما يجعل الحديث عن “الريادة” في هذا المجال مجرد شعارات لا تستند إلى أرضية واقعية.
تدوينة الدكتور سعيد الملحاوي تمثل جرس إنذار للمنظومة الرقمية المغربية، التي كشفت الهجمات السيبرانية عن هشاشتها البنيوية. من ضعف البنية التحتية إلى غياب التكوين والتخصص، تعاني المنظومة من تحديات عميقة تهدد طموحات المغرب في تحقيق “الريادة الرقمية”.
وحتى لا نبدو متشائمين نقول أن هذه الأزمة يمكن أن تتحول الى فرصة لإعادة تقييم الاستراتيجيات ووضع أسس متينة لتحول رقمي حقيقي. من خلال تعزيز الأمن السيبراني، تطوير الكفاءات، ودعم الابتكار المحلي، يمكن للمغرب أن يتجاوز هذا “الامتحان” ويبني منظومة رقمية تليق بطموحاته التنموية.
فهل ستكون هذه اللحظة بداية لإصلاح حقيقي، أم ستظل الشعارات تسيطر على المشهد؟