المكسيك تدخل التاريخ: أول انتخابات قضائية شعبية في العالم

مكسيكو، 01 يونيو 2025
في حدث غير مسبوق عالميًا، فتحت مراكز الاقتراع في المكسيك أبوابها صباح اليوم الأحد لاستقبال نحو 100 مليون ناخب في أول انتخابات قضائية شعبية على الإطلاق. هذه الخطوة التاريخية، التي تُعد سابقة لم يشهدها العالم من قبل، تهدف إلى اختيار 881 قاضيًا وقاضي صلح، بما في ذلك وزير في المحكمة العليا للأمة، من بين 3422 مرشحًا يمثلون السلك القضائي على المستويين الفيدرالي والمحلي.
بدأت عملية التصويت عند الساعة الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي (الثانية ظهرًا بتوقيت غرينتش)، حيث انتشرت مراكز الاقتراع عبر 32 ولاية مكسيكية، وسط أجواء من الحماس والترقب. وتأتي هذه الانتخابات كجزء من إصلاح دستوري مثير للجدل أقرّه الكونغرس في سبتمبر 2024، بمبادرة من الرئيس السابق أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. الإصلاح، الذي أثار نقاشات واسعة، لم يكتفِ بإدخال الاقتراع الشعبي لاختيار القضاة، بل شمل أيضًا تقليص عدد أعضاء المحكمة العليا من 11 إلى 9، ووضع الأسس لإنشاء محكمة الانضباط القضائي.
دعوة رئاسية لصناعة التاريخ
في كلمة وجهتها للشعب المكسيكي أمس السبت، حثّت الرئيسة كلاوديا شينبوم المواطنين على المشاركة الواسعة في هذا الحدث، واصفة إياه بـ”تجربة فريدة من نوعها في العالم“. وأكدت أن هذه الانتخابات تمثل خطوة جريئة نحو تعزيز الديمقراطية وإشراك الشعب في صياغة مستقبل العدالة في البلاد.
نتائج مرتقبة وسط ترقب عالمي
ومن المقرر أن تُغلق مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي (منتصف الليل بتوقيت غرينتش)، حيث ستُعلن السلطة الانتخابية نسبة المشاركة والنتائج الأولية في وقت لاحق من اليوم. العالم يترقب هذه التجربة غير المسبوقة، التي قد تُشكل نموذجًا يُحتذى به أو تثير نقاشات جديدة حول دور الشعب في اختيار القضاة.
نظم انتخاب القضاة عالميًا: تنوع الأساليب
على الصعيد العالمي، تختلف نظم اختيار القضاة بشكل كبير بناءً على النظم القانونية والتقاليد السياسية لكل دولة. في معظم الدول، لا يتم انتخاب القضاة بالاقتراع الشعبي، بل يتم تعيينهم عبر آليات تضمن الكفاءة والاستقلالية. على سبيل المثال:
- المحكمة الجنائية الدولية (ICC): يتم انتخاب القضاة من قبل الجمعية العامة للدول الأعضاء في المحكمة، حيث يُطلب من المرشحين استيفاء شروط صارمة للكفاءة القانونية والخبرة. تُجرى عمليات الاقتراع وفق قواعد دقيقة، حيث يتم استبعاد الأصوات غير المستوفية للحد الأدنى من المرشحين المطلوبين، ويُمكن إيقاف الحدود الدنيا بعد جولات اقتراع متعددة إذا لزم الأمر.
- محكمة العدل الدولية (ICJ): يتم انتخاب القضاة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في عملية مشتركة، كما حدث في أول انتخابات لها عام 1946. يتم اختيار القضاة بناءً على مؤهلاتهم القانونية وخبراتهم الدولية.
- الولايات المتحدة: في بعض الولايات الأمريكية، يتم انتخاب القضاة المحليين عبر الاقتراع الشعبي، خاصة في المحاكم الدنيا، لكن قضاة المحكمة العليا الفيدرالية يُعينون من قبل الرئيس ويوافق عليهم مجلس الشيوخ. هذا النظام يثير جدلًا حول تأثير السياسة على استقلال القضاء، كما حصل في نقاشات حول الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
- المغرب: يتم انتخاب ممثلي القضاة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفق القانون التنظيمي رقم 100.13، لكن التعيينات القضائية الرئيسية تخضع لقرارات ملكية أو مؤسساتية، وليس للاقتراع الشعبي.
مزايا وعيوب الاقتراع الشعبي
يُنظر إلى الاقتراع الشعبي للقضاة، كما في تجربة المكسيك، على أنه وسيلة لتعزيز الشفافية وإشراك المواطنين في النظام القضائي. لكنه يثير مخاوف من تقليص استقلال القضاء، حيث قد يصبح القضاة عرضة لتأثيرات سياسية أو شعبوية من الناخبين أو الأحزاب التي دعمتهم. كما أن الناخبين قد يفتقرون إلى المعرفة الكافية لتقييم كفاءة المرشحين القضائيين.
إلى أين تتجه التجربة المكسيكية؟
تُعد تجربة المكسيك فريدة، إذ لم تُسبق أي دولة بتطبيق الاقتراع الشعبي لاختيار جميع قضاة البلاد، بما في ذلك المحكمة العليا. الحكومة المكسيكية، بقيادة حزب مورينا، تروج لهذا الإصلاح كخطوة ديمقراطية للقضاء على الفساد القضائي، بينما يرى المعارضون أنها قد تعرض سيادة القانون للخطر. العالم يترقب نتائج هذه التجربة التاريخية، التي قد تُلهم دولًا أخرى أو تُثير نقاشات حول حدود الديمقراطية المباشرة في النظام القضائي.
هل ستُشكل المكسيك نموذجًا جديدًا لاختيار القضاة، أم ستكون درسًا تحذيريًا؟ الإجابة ستتضح مع استمرار هذه التجربة الجريئة.