المادة السابعة.. تراجع خطير يهدد مكافحة الفساد في المغرب

الرباط – 24 ماي 2025
في ظل نقاش برلماني محموم حول مشروع قانون يهدف ظاهريًا إلى تعزيز مكافحة الفساد في المغرب، تبرز المادة السابعة المقترحة كحجر عثرة يهدد بتقويض الجهود الوطنية لمحاربة هذه الآفة. هذه المادة، التي تثير جدلاً واسعًا، تُقيد صلاحيات النيابة العامة والمجتمع المدني، وتفتح الباب أمام الإفلات من العقاب، في تناقض صارخ مع التوجيهات الملكية والمبادئ الدستورية التي تؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة. فهل نحن أمام محاولة لتطهير المنظومة أم خطوة إلى الوراء تعزز الفساد وتحمي الفاسدين؟

الفساد: آفة تستنزف الوطن

لا يختلف اثنان على أن الفساد يُعدّ من أخطر التحديات التي تواجه المغرب، حيث يكلف الاقتصاد الوطني مليارات الدراهم سنويًا – تُقدر بـ50 مليار درهم وفق تقارير – ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات. التقارير الدولية، مثل مؤشر إدراك الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تضع المغرب في مراتب متأخرة، مما يعكس حجم التحدي. وقد أثبتت المتابعات القضائية ضد برلمانيين ورؤساء جماعات، وصدور أحكام بالسجن في حق بعضهم، أن الفساد ليس مجرد شائعات، بل حقيقة موثقة تتطلب إرادة سياسية جادة لمواجهتها.

المادة السابعة: قيد على النيابة العامة والمجتمع المدني

تُثير المادة السابعة المقترحة في مشروع القانون جدلاً حادًا، إذ تُقيد صلاحيات النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في قضايا الفساد المالي، مُخضعة إياها لموافقة رئيس النيابة العامة بناءً على تقارير محددة. كما تفرض شروطًا تعجيزية على الجمعيات، مثل اشتراط صفة المنفعة العامة والحصول على إذن قضائي للانتصاب كطرف مدني. هذه القيود، التي وصفتها هيئات دستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للنزاهة بـ”التراجع الخطير”، تُضعف دور المجتمع المدني الذي يكفله الدستور، وتُعيق النيابة العامة عن أداء مهمتها في حماية المال العام.

تتعارض هذه المادة مع التوجيهات الملكية التي دعت إلى تعبئة جماعية لمكافحة الفساد، وتتناقض مع الفصل الأول من الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. كما أنها تُخالف الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي وقّع عليها المغرب. فكيف يمكن لدولة تسعى إلى تعزيز الشفافية أن تُقيد أدواتها الرقابية بهذا الشكل؟

حماية المنتخبين أم الإفلات من العقاب؟

يدافع مؤيدو المادة السابعة عنها بحجة حماية المنتخبين النزيهين من الشكايات الكيدية والابتزاز. ففي مدن مثل فاس (72 شكاية) والدار البيضاء (32 شكاية)، يواجه رؤساء الجماعات السابقين متابعات قضائية تُسبب لهم عناءً طويلًا، حتى لو انتهت بحفظ الشكايات أو البراءة. يُحذر هؤلاء من أن بعض الجمعيات قد تستغل دورها الرقابي لتصفية حسابات سياسية أو انتخابية، مما يُضر بالعملية الديمقراطية ويُثني الأشخاص النزيهين عن المشاركة السياسية.

لكن هذا الدفاع لا يُبرر تقييد صلاحيات النيابة العامة والمجتمع المدني. فالنيابة العامة تملك آليات لفرز الشكايات بناءً على الأدلة، حيث تُحفظ نسبة كبيرة منها (31 من أصل 106 شكاية بين 2020 و2023). أما الجمعيات الجادة، التي ساهمت في فضح قضايا فساد كبرى، فلا ينبغي معاقبتها بقيود تعسفية بحجة وجود ممارسات غير نزيهة من البعض. فبدلاً من تقييد الجميع، يمكن تعزيز الرقابة على الجمعيات غير المؤهلة أو ذات الأجندات السياسية.

إرادة سياسية غائبة؟

يُثير تجاهل آراء الهيئات الدستورية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والهيئة الوطنية للنزاهة، تساؤلات حول جدية الإرادة السياسية في مكافحة الفساد. فهذه الهيئات، التي عارضت المادة السابعة، دعت إلى تمكين المجتمع المدني والنيابة العامة بدلاً من تقييدهما. كما أن سحب الحكومة لقوانين سابقة تتعلق بتضارب المصالح يُعزز الانطباع بأن هناك تراجعًا في الالتزام بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. بل إن جمعية بارزة انسحبت من لجنة تتبع هذه الاستراتيجية، مشيرة إلى ارتفاع منسوب الفساد تحت الحكومة الحالية.

إن الإبقاء على المادة السابعة بصيغتها الحالية يُرسل إشارة مقلقة: بدلاً من تعزيز الشفافية، يُفتح “طريق سيار” للإفلات من العقاب، مما قد يُشجع الفساد بدلاً من محاربته. فهل يمكن أن نتحدث عن دولة الحق والقانون بينما تُقيد أدوات المحاسبة الأساسية؟

خطوة نحو الإصلاح أم تعطيل للعدالة؟

إن محاربة الفساد تتطلب توازنًا دقيقًا بين تمكين المجتمع المدني والنيابة العامة من أداء دورهما الرقابي، وحماية المنتخبين النزيهين من الشكايات الكيدية. لكن المادة السابعة، بقيودها غير المبررة، تميل إلى كفة الحماية على حساب العدالة، مما يُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات ويُعيق التقدم نحو دولة النزاهة. إن الإصلاح الحقيقي يتطلب إلغاء هذه القيود، وتعزيز دور الجمعيات الجادة، ودعم النيابة العامة بآليات فعالة لفرز الشكايات، مع وضع ضوابط صارمة لمنع استغلال الشكايات لأغراض سياسية.

إذا استمر المغرب على هذا النهج، فإن مخاطر الإفلات من العقاب وتآكل الثقة في المؤسسات ستتفاقم. فهل ستختار الدولة تعزيز الشفافية والمحاسبة، أم ستظل رهينة قوانين تُكبل جهود مكافحة الفساد؟ الإجابة ستحدد مستقبل النزاهة في المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!