الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: ثلاث أجيال من نوبير الأموي إلى عبد القادر الزاير وخالد العلمي

بوزنيقة، 30 نونبر 2025
بقلم المصطفى العياش – جريدة “جيل 24”
انعقد المؤتمر الوطني السابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) أيام 28 — 30 نونبر 2025 في حدث تاريخي يعكس مسار نقابي غني بالنضال والتجربة، حيث تم انتخاب خالد العلمي الهوير كأمين عام جديد، خلفًا لـ عبد القادر الزاير، في خطوة تؤكد استمرارية القيادة وتجديد التوجهات النقابية.
المؤتمر لم يقتصر على اختيار قيادة جديدة، بل كان منصة لتقييم التجارب السابقة ووضع استراتيجية للمرحلة المقبلة، مع التركيز على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الطبقة العاملة في المغرب.

المؤتمر الوطني السابع: منصة للتجديد والتحليل
شهدت القاعة الكبرى حضور ممثلين عن مختلف القطاعات: عمال الفوسفاط، أساتذة التعليم، موظفو الإدارات العمومية، وعمال الصناعة والخدمات، ما أكسب المؤتمر طابعًا وطنياً جامعاً.
ركز النقاش على ثلاثة محاور رئيسية:
1 ــ تقييم مسار القيادات الثلاث السابقة، من المؤسس نوبير الأموي إلى عبد القادر الزاير، وصولًا إلى خالد العلمي الهوير.
2 ــ وضع استراتيجيات للدفاع عن حقوق العمال والمفاوضة الجماعية.
3 ــ تطوير التنظيم الداخلي للنقابة وإشراك الشباب والكوادر الحديثة في صنع القرار.
انتخاب خالد العلمي جاء بعد مناقشات موسعة، حيث حظي بـ إجماع شبه كامل من جميع ممثلي القطاعات، ما يعكس ثقة كبيرة بقدراته القيادية وخبرته النقابية.

خالد العلمي الهوير: الأمين العام الثالث
ولد خالد العلمي الهوير في بيئة نقابية، وبدأ مساره في قطاع الفوسفاط، مكتسبًا خبرة عملية في الدفاع عن حقوق العمال. قبل انتخابه، كان يشغل منصب نائب أول للكاتب العام وعضو المكتب التنفيذي مكلف بالعلاقات الدولية.
محطات مسيرته:
خبرة ميدانية واسعة في التفاوض والدفاع عن مطالب الشغيلة.
القدرة على موازنة النضال مع الحوار الاجتماعي.
اهتمام خاص بتمثيل الشباب والكوادر الحديثة ضمن هياكل النقابة.
إدراك لأهمية التنظيم المؤسسي لضمان استمرارية CDT واستقلالية قراراتها.
في خطاب توليه، أكد الهوير على الحفاظ على إرث النقابة التاريخي مع روح التجديد والتنظيم العصري، مشددًا على أن نجاح CDT مرتبط بـ”الالتزام بالقيم، حماية حقوق الشغيلة، ومواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية”.
التسلسل التاريخي للقيادات: من النضال إلى الاستقرار

نوبير الأموي — المؤسس والأمين العام الأول (1978)
أسس نوبير الأموي رحمه الله CDT عام 1978، وكان رمزًا للنضال العمالي، وعضوًا سابقًا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (USFP) قبل تأسيس النقابة.
من أبرز محطات حياته نضاله في مواجهة الغلاء وإضراب 1981، الذي أدى إلى اعتقاله وسجنه، مما جعله رمزًا للمقاومة العمالية في المغرب.
الأموي يمثل مرحلة “القيادة النضالية الثورية” التي أرست قواعد النقابة وقوتها المؤسسية.
عبد القادر الزاير — الأمين العام الثاني (2018–2025)
عبد القادر الزاير خلف الأموي، وكان نائب أول للكاتب العام قبل انتخابه.
نشط سياسيًا ونقابيًا، ويُذكر أنه كان ناشطًا اتحاديًا في فرع شارع 10 مارس بعمالة مولاي رشيد – سيدي عثمان، الدار البيضاء، لكنه لم يحتفظ بعضويته الحزبية بعد تقلده قيادة CDT.
ركّز على الحوار الاجتماعي، التمثيل القطاعي، واستقرار التنظيم الداخلي، مع الحفاظ على استقلالية القرارات النقابية.
خالد العلمي الهوير — الأمين العام الثالث (2025)
خالد العلمي يمثل جيلًا جديدًا يجمع بين الإرث التاريخي للنقابة وروح التجديد التنظيمي.
سيعمل على تعزيز الدفاع عن حقوق العمال، تطوير التمثيل النقابي، وتوسيع مشاركة الشباب والمرأة ضمن CDT.

استقلالية CDT بعد انفصالها عن الاتحاد الاشتراكي
كانت CDT مرتبطة تاريخيًا بـUSFP، لكن منذ المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي أصبحت النقابة مستقلة سياسيًا، و تتخذ قراراتها بناءً على مصالح الشغيلة واحتياجاتها، بعيدًا عن أي توجيه حزبي أو سياسي.
هذا الانفصال منح CDT حرية الحركة والتنظيم، وجعل استقلالية القرار النقابي جزءًا من هويتها الراسخة.
هل هناك إمكانية الرجوع إلى الاتحاد الاشتراكي في عهد خالد العلمي
مع انتخاب الهوير، يثار سؤال جدلي: هل هناك احتمال لعودة رابط سياسي مع الاتحاد الاشتراكي؟
على الرغم من الجذور التاريخية المشتركة، فإن غياب أي انتماء حزبي للقادة الحاليين والسابقين يجعل أي رجوع إلى USFP أمرًا بعيد الاحتمال.
استقلالية CDT أصبحت ركيزة أساسية، وأي محاولة للارتباط بالحزب قد تواجه مقاومة داخلية من الفروع والقطاعات النقابية، فضلاً عن أن العمال اليوم يطالبون بنقابة مستقلة عن الأحزاب.
يبقى النقاش في هذا الشأن نظريًا وتحليليًا، ولم تظهر مؤشرات فعلية على أي اتجاه نحو الرجوع للحزب.
من نوبير الأموي رحمه الله، رمز النضال العمالي والاعتقال، إلى عبد القادر الزاير، زمن التنظيم والحوار، وصولًا إلى خالد العلمي الهوير، عهد التجديد والتنمية النقابية، يواصل المسار التاريخي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل رحلته الطويلة.
بين إرث الماضي واستشراف المستقبل، تظل CDT نقابة مستقلة، ملتزمة بخدمة الشغيلة المغربية، بعيدًا عن الانتماءات الحزبية، مع استمرار السؤال عن دورها المحتمل في أي علاقة مستقبلية مع الاتحاد الاشتراكي في حال تغير الظروف التنظيمية والسياسية.









