الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل الصحافة: دروس من تجربة “نيكي” اليابانية

في خطوة رائدة، أطلقت شركة “نيكي” الإعلامية اليابانية، إحدى أبرز المؤسسات الإخبارية في العالم، روبوتها الدردشة الذكي الخاص “Ask! NIKKEI”، ليصبح نموذجًا مبتكرًا يعكس كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد تشكيل مستقبل الصحافة.

هذا الروبوت، الذي طُور بنموذج مخصص لمعالجة اللغة اليابانية، يُدمج ضمن المقالات الإخبارية، ويوفر تجربة تفاعلية تمكّن المستخدمين من استيضاح المواضيع المالية المعقدة، مع اقتراح أسئلة جاهزة تسهل التفاعل. فما الذي تعلمته “نيكي” من هذه التجربة، وكيف يمكن أن تُلهم هذه الخطوة الصناعة الإعلامية؟

لماذا اختارت “نيكي” بناء نموذجها الخاص؟

قبل عام ونصف، ومع تصاعد موجة الذكاء الاصطناعي، قررت “نيكي”، بالتعاون مع استشاريين خارجيين، تطوير روبوت دردشة يعتمد حصريًا على محتواها الإخباري. يوضح يوسوكي سوزوكي، مدير الهندسة في “نيكي”، أن الشركة ركزت على استخدام مقالاتها الخاصة، التي تُغطي الفترة من 2020 وما بعد، لضمان جودة عالية في الإجابات المقدمة.

هذا الاختيار لم يكن اعتباطيًا، بل جاء لمعالجة تحديات تقنية ولغوية فريدة، حيث تبين أن النماذج اللغوية الكبرى المتوفرة عالميًا لم تكن مهيأة لمعالجة الأحرف اليابانية بكفاءة. ونتيجة لذلك، طورت “نيكي” نموذجًا مخصصًا لاسترجاع المقالات من قاعدة بياناتها، مع الاستعانة بنموذج لغوي خارجي لإنتاج الملخصات.

التحدي اللغوي: بناء نموذج ياباني من الصفر

كان تطوير نموذج ذكاء اصطناعي قادر على معالجة اللغة اليابانية تحديًا كبيرًا. على عكس اللغة الإنجليزية التي تتوفر لها نماذج متقدمة، تفتقر اللغة اليابانية إلى نماذج لغوية ذات جودة عالية. يشرح سوزوكي أن الفريق الهندسي اضطر إلى إعادة بناء النموذج ثلاث إلى أربع مرات قبل إطلاق الخدمة، في عملية شاقة استهدفت ضمان دقة استرجاع المعلومات من قاعدة بيانات “نيكي”.

هذا الجهد أثمر عن نظام متكامل يعتمد على محتوى الشركة الحصري، مما يضمن تقديم إجابات دقيقة وموثوقة.

حماية حقوق الملكية الفكرية: نهج حذر

في ظل النقاشات المستمرة حول استخدام شركات الذكاء الاصطناعي لمحتوى إخباري دون إذن، اتخذت “نيكي” موقفًا صلبًا في حماية حقوقها. طورت الشركة نموذجًا خاصًا للتحقق من ملكية المحتوى، مستبعدة المقالات التي لا تملك حقوقها الكاملة، مثل المقابلات الصحفية التي تُعتبر ملكية مشتركة بين “نيكي” والشخصية المُقابلة.

هذا النهج يعكس التزامًا بحماية الملكية الفكرية، ويضمن أن الروبوت يعتمد فقط على محتوى مملوك بالكامل للشركة، مما يعزز الثقة في النظام.

التعامل مع “الهلوسة” الذكية

تُعرف روبوتات الدردشة التوليدية بميلها إلى “الهلوسة”، أي اختلاق معلومات عندما لا تجد إجابات. لكن “نيكي” تجاوزت هذه المشكلة بحصر إجابات الروبوت على المقالات الموجودة في قاعدة بياناتها. إذا لم يتمكن النظام من استرجاع مقال ذي صلة، فإنه يمتنع عن تقديم إجابة، مما يضمن دقة المعلومات ويقلل من مخاطر المعلومات المغلوطة.

تجربة المستخدم: التفاعل والجذب

يُقدم “Ask! NIKKEI”، المتاح حصريًا لمشتركي “نيكي”، تجربة مستخدم تشبه “ChatGPT” أو “Google Gemini”، مع ميزة إضافية: اقتراح أسئلة جاهزة تسهل على القراء التفاعل مع المحتوى. هذه الميزة، التي طُورت بناءً على مقابلات مع المستخدمين، تُعالج صعوبة صياغة الأسئلة، خاصة في المواضيع المالية المعقدة.

يوضح سوزوكي أن هذه الأسئلة المُقترحة تُساعد المشتركين الجدد، وحتى المخضرمين مثل سوزوكي نفسه الذي يعمل في الشركة منذ 24 عامًا، على فهم المصطلحات المالية بسهولة من خلال ملخصات دقيقة وعالية الجودة.

تأثير الروبوت على الاشتراكات والمستقبل

رغم أن الروبوت متاح حاليًا على منصة الويب فقط، تخطط “نيكي” لإطلاقه على تطبيقها المحمول خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر، مما سيوسع نطاق استخدامه بين القراء. يُعتبر الروبوت أداة حيوية لجذب مشتركين جدد والحفاظ عليهم، حيث يُسهل فهم المواضيع المالية ويعزز التفاعل مع المحتوى.

وفي المستقبل، تخطط “نيكي” للاستفادة من تقنية “RAG” (استرجاع المعلومات المعزز) المستخدمة في الروبوت لتطوير منتجات جديدة، مما يعزز مكانتها في السوق.

نقاط القوة: تغطية شاملة وسرعة

تتميز “نيكي” بتغطيتها الواسعة والسريعة للأخبار التجارية، مما يميز منتجاتها عن منصات التكنولوجيا الأخرى. هذه القيمة الفريدة، إلى جانب الروبوت الذكي، تتيح للشركة بناء علاقة تفاعلية مع القراء، مما يعزز مكانتها كرائدة في الصحافة المالية.

خاتمة: مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي

تجربة “نيكي” مع “Ask! NIKKEI” تُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعزز الصحافة من خلال تقديم محتوى دقيق وتفاعلي يلبي احتياجات القراء. من خلال تطوير نموذج مخصص يحترم اللغة اليابانية وحقوق الملكية، ومعالجة تحديات مثل “الهلوسة”، تُقدم “نيكي” نموذجًا يُحتذى به للمؤسسات الإعلامية.

هذه الخطوة ليست مجرد إضافة تقنية، بل ثورة في كيفية تقديم الأخبار وتفاعل الجمهور معها، ممهدة الطريق لمستقبل صحفي أكثر ذكاءً وتخصيصًا.

المصدر:

https://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk/news/what-nikkei-learnt-building-its-own-japanese-ai-chatbot?Institute_for_the_Study_of_Journalism=&utm_term=0_-49e266ec89-467821800

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!