“الحقيقة هي الضحية”: كيف كشف مدققو الحقائق في الهند الادعاءات الكاذبة خلال الأزمة الهندية-الباكستانية

نيودلهي – 29 ماي 2025
في خضم التصعيد العسكري بين الهند وباكستان بين 7 و10 ماي 2025، تحولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة للمعلومات المغلوطة، حيث انتشرت ادعاءات كاذبة بسرعة مذهلة. قال عزير رضوي، مدقق حقائق في دلهي: «كمية المعلومات المغلوطة التي تنتشر عادة على مدار شهر، اجتاحت وسائل التواصل في ساعات قليلة». لكن جهود مدققي الحقائق في الهند، مثل Alt News وBOOM، كشفت هذه الادعاءات وساهمت في كبح جماح الروايات المضللة.

تصعيد إعلامي خطير

خلال الأزمة، التي اندلعت بعد مقتل 26 سائحًا في كشمير الهندية في 22 أبريل 2025، بثت قنوات تلفزيونية هندية، مثل Times Now Navbharat، تقارير زائفة تدعي أن القوات الهندية «اقتحمت» باكستان، وصلت إلى كراتشي، وحتى قصفت لاهور وإسلام آباد. عرضت هذه القنوات مشاهد دراماتيكية مع رسومات وصور مضللة، مثل جنود ودبابات، مع تعليقات حماسية من مقدمي البرامج. لكن الحقيقة كانت أن أي قوات لم تعبر الحدود، وكانت المواجهات تقتصر على تبادل القصف الجوي.

انتشار المعلومات المغلوطة

لم تقتصر المشكلة على التلفزيون؛ فقد لعبت منصات التواصل الاجتماعي، خاصة X، دورًا كبيرًا في نشر الأكاذيب. انتشرت مقاطع فيديو مزيفة، بما في ذلك صور مُنتجة بالذكاء الاصطناعي لسياسيين مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الباكستاني شهباز شريف، يعترفون زورًا بالهزيمة. قال براتيك سينها، مؤسس Alt News: «العديد من الحسابات الهندية دافعت بلا خجل عن نشر الأخبار الكاذبة، معتبرة أن الهدف هو إرباك العدو». بل إن بعض الحسابات استحسنت هذه «الحرب المعلوماتية»، مستشهدة بتكتيكات دعائية قديمة.

تحديات مدققي الحقائق

واجه مدققو الحقائق تحديات جمة. أولًا، سرعة انتشار المعلومات المغلوطة تفوقت على قدرتهم على التحقق في البداية. ثانيًا، الحجب الحكومي لمصادر موثوقة، مثل قنوات يوتيوب باكستانية و8,000 حساب على X، بما في ذلك حسابات صحفيين كشميريين مثل هيلال مير، زاد من الفوضى. ثالثًا، أدى استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تعقيد التحقق، حيث أعطت أدوات مثل Grok ردودًا غير دقيقة، مما عزز المعلومات المغلوطة. لكن فرق التحقق، مثل BOOM، طورت إجراءات سريعة للتحقق، مستخدمة أدوات مثل Deepfake-o-meter للكشف عن التلاعب في الصوتيات.

دروس من الماضي

تكرر هذا النمط في أزمات سابقة، مثل تفجير بولواما عام 2019، حيث ادعى الإعلام الهندي قتل 300 إرهابي في باكستان، لكن صور الأقمار الصناعية أثبتت عدم وجود أضرار. هذه المرة، قدمت السلطات الهندية صورًا للضربات الجوية، مما قلل من الحاجة إلى تلفيق الأخبار في البداية، لكن الإعلام سرعان ما عاد إلى تضخيم الروايات المغلوطة لإثارة الجمهور.

دور الإعلام في الأزمات

تكشف هذه الأزمة عن دور الإعلام في تغذية العواطف بدلًا من تقديم الحقائق. قال سينها: «الحقيقة هي الضحية الأولى في مثل هذه الصراعات». الإعلام، بدلًا من مساءلة الحكومات، يسعى لإرضاء الجماهير عبر قصص تحفز الأدرينالين. هذا النهج يفاقم التوترات، خاصة في ظل امتلاك البلدين لأسلحة نووية، مما يجعل نشر الأكاذيب خطرًا على الاستقرار الإقليمي.

التوصيات

للحد من هذه الظاهرة، يجب تعزيز التدريب على التحقق من الحقائق، وتشجيع الإعلام على تبني معايير أخلاقية صارمة. كما ينبغي للحكومات تجنب حجب المصادر الموثوقة، والعمل على تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجمهور. التعاون بين مدققي الحقائق والإعلام التقليدي ضروري لضمان تدفق معلومات دقيقة في أوقات الأزمات.

تؤكد الأزمة الهندية-الباكستانية الأخيرة أن المعلومات المغلوطة يمكن أن تكون سلاحًا خطيرًا. لكن جهود مدققي الحقائق، رغم التحديات، تظل حصنًا أساسيًا للدفاع عن الحقيقة. في عالم يزداد تعقيدًا، يجب أن يكون الإعلام مسؤولًا عن تقديم الحقائق، لا تعزيز الانقسامات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!