التنظيم الذاتي للصحافيين… بين واقع التأطير وإرادة التغيير: رؤية من جريدة “جيل”

المصطفى العياش – عن هيئة تحرير جريدة “جيل”
عاد النقاش حول التنظيم الذاتي للصحافيين إلى الواجهة من بوابة البرلمان، مع تقديم مشروع قانون جديد لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. المناسبة كشفت مجدداً عن مفارقة قائمة بين الخطاب الرسمي الذي يدعو إلى استقلالية الجسم الصحفي، وبين واقع يظل في كثير من الأحيان محكوماً بإرادة سياسية وإدارية تتحكم في تفاصيل المشهد الإعلامي.
أسئلة المرحلة الإعلامية الجديدة:
لا يختلف اثنان حول أن التنظيم الذاتي يمثل أساس أي ممارسة صحفية حرة ومسؤولة، إذ يعكس نضج المهنة وقدرتها على تصحيح مسارها من داخلها.
غير أن التجربة الإعلامية المغربية ما زالت تواجه صعوبة في تحويل هذا المبدأ إلى ممارسة مؤسساتية فعّالة؛ فشعار الاستقلالية يُرفع كثيراً، لكن القرار المهني ما يزال رهيناً بآليات تقليدية وإجراءات لا تنبثق من الإرادة المهنية الخالصة.
مشروع القانون الجديد أعاد طرح تساؤلات عميقة حول مدى واقعية فكرة “التنظيم الذاتي”:
هل يمكن الحديث عن استقلال حقيقي للصحافيين إذا لم يُفتح النقاش على مصراعيه أمام جميع الفاعلين؟
وهل يكفي تعديل النص القانوني دون تعديل في ثقافة التدبير والتمثيل داخل الجسم المهني نفسه؟
موقف جريدة “جيل”:
من موقعها كمنبر إعلامي يؤمن بحرية الصحافة ومسؤوليتها، تعتبر جريدة “جيل” أن التنظيم الذاتي لا يجب أن يُختزل في هياكل أو قوانين، بل في روح مهنية مشتركة تقوم على الحوار، والتنسيق، والشفافية داخل المهنة.
وترى الجريدة أن المرحلة الحالية تقتضي:
1 ــ فتح مشاورات موسعة تضم المؤسسات الإعلامية المهنية، والصحافيين العاملين فعلاً في الميدان، والنقابات، وكليات الإعلام.
2 ــ إعادة تعريف وظيفة المجلس الوطني للصحافة ليصبح إطاراً للحكامة المهنية، لا مجرد هيئة إدارية تمنح التراخيص أو تصدر العقوبات.
3 ــ إطلاق ميثاق مهني وطني جديد يكرّس قيم الاستقلال، والمصداقية، والتربية الإعلامية، ويضع آليات للوساطة المهنية بدل العقوبات الزجرية.
هذه المقاربة، في نظر “جيل”، هي الكفيلة بإعادة الثقة إلى الفضاء الإعلامي، وجعل الصحافة المغربية سلطة رابعة حقيقية، لا مهنة خاضعة للتقنين من الخارج.
جيل جديد من الصحافيين… جيل التغيير:
لقد آن الأوان لجيل جديد من الصحافيين أن يتقدم إلى الواجهة بثقة ووعي. جيل وُلد في زمن الرقمنة، لكنه لم يفقد إيمانه بأخلاقيات المهنة.
جيل يرى في الصحافة التزامًا قبل أن تكون وظيفة، ومسؤولية جماعية قبل أن تكون منبرًا شخصيًا.
جيل لا ينتظر التغيير من المؤسسات، بل يصنعه من داخل الممارسة اليومية، بالكلمة الصادقة، بالتحقق من المعلومة، وبالجرأة الأخلاقية قبل الجرأة السياسية.
إنه جيل يعيد تعريف معنى الاستقلالية: لا كعزلة عن الدولة أو عن المجتمع، بل كقدرة على قول الحقيقة كاملة، مهما كانت الكلفة.
وهذا هو الرهان الحقيقي لأي مشروع للتنظيم الذاتي: أن نبني استقلالنا المهني بأنفسنا، لا أن نطالب به فقط.
استقلال الصحافة… الرهان الأكبر:
إن مستقبل التنظيم الذاتي للصحافيين لن يُبنى بخطابات النوايا الحسنة، بل بإرادة مهنية جماعية تضع مصلحة الصحافة فوق الحسابات المؤسساتية.
فإذا كان القانون هو الإطار، فإن الضمير المهني هو الجوهر.
ولهذا تراهن جريدة “جيل” على هذا الجيل الجديد من الصحافيين، الذي يؤمن بأن الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، وأن الصحافة لا تُمارس لإرضاء السلطة، بل لخدمة المجتمع والحقيقة.