التعليم الأولي في المغرب: نقاش بين اعنان وبرادة يكشف التحديات

الرباط – 28 أبريل 2025
شهدت جلسة برلمانية حديثة نقاشًا حيويًا حول واقع التعليم الأولي في المغرب، حيث طرح النائب البرلماني عمر أعنان، عضو الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، تساؤلات حول استراتيجية الحكومة في هذا القطاع الحيوي. فيما دافع محمد سعد برادة الوزير المسؤول عن التعليم عن إنجازات الوزارة، مؤكدًا نجاح نموذج الشراكة مع الجمعيات، أبرز النائب تحديات العدالة المجالية وجودة التعليم.
خلال الجلسة، انتقد النائب أعنان الاعتماد الكبير على شراكات مع جمعيات وصفها بـ”الهشة”، متسائلاً عن أسباب تخلي الحكومة عن دورها المركزي في توفير تعليم أولي عمومي ومجاني.
وأشار إلى أن القانون الإطار ينص بوضوح على ضرورة إدماج التعليم الأولي ضمن التعليم الإلزامي بمسؤولية الدولة، محذرًا من أن الاعتماد شبه الكلي على المبادرات المدنية يحد من فعالية النظام التربوي ويؤدي إلى استمرار الفوارق الاجتماعية والمجالية. وأبرز أن نسبة الالتحاق في جهة الشرق لا تتجاوز 65%، وتنخفض إلى 50% في المناطق القروية، بسبب ضعف البنية التحتية ونقص الموارد البشرية.
في المقابل، دافع الوزير عن نموذج الشراكة مع الجمعيات، مؤكدًا أنه ساهم في تحقيق نسبة تعميم تتراوح بين 80 و88%، حيث يستفيد حوالي 900,000 طفل من التعليم الأولي من خلال ثلاث جمعيات وطنية و240 جهوية. وأوضح أن الوزارة بدأت تتبع مسار الأطفال من التعليم الأولي إلى الابتدائي لتقييم جودة التعليم، مع إطلاق دراسة مع جامعة محمد السادس لقياس تأثير هذا التعليم.
كما أشار إلى أن هذا النموذج يُعتبر مرجعًا إقليميًا ودوليًا، حيث تستعد الوزارة لاستقبال وفود من مصر والعراق بدعم من البنك الدولي للاطلاع على التجربة المغربية.
وأقر الوزير بوجود تحديات، مثل ضرورة تحسين أجور أكثر من 50,000 مربية، وتعزيز عقود الشراكة مع الجمعيات لضمان الاستدامة. وأعلن عن خطط لتخطيط دقيق على مستوى الأحياء والجماعات لتغطية الـ17% المتبقية من الأطفال بحلول 2028، مع التركيز على تحسين جودة التعليم.
من جانبه، أصر النائب أعنان على أن التعليم الأولي يظل “الحلقة الأضعف” في النظام التربوي، مشددًا على أن تعزيز التدخل العمومي أمر ضروري لضمان تكافؤ الفرص.
فيما أكد الوزير اقتناعه بنجاح التعليم الأولي، مشيرًا إلى تحسنه مقارنة بعام 2010، حيث بات 83% من الأطفال يدرسون في أقسام مجهزة.
يُبرز هذا النقاش البرلماني التوازن الدقيق بين الإنجازات والتحديات في قطاع التعليم الأولي. فبينما يُعد نموذج الشراكة مع الجمعيات خطوة متقدمة نحو التعميم، تظل قضايا العدالة المجالية، جودة التعليم، والاستدامة على رأس الأولويات.
ومع التزام الحكومة بتحقيق التعميم الكامل بحلول 2028، يبقى السؤال: هل ستتمكن الدولة من تعزيز دورها المركزي لضمان تعليم أولي عادل وذي جودة للجميع؟
من وجهة نظرنا في الجريدة:
نموذج الشراكة مع الجمعيات كان ضروريًا في المرحلة الأولى لتسريع تعميم التعليم الأولي، لكنه لا يمكن أن يكون الحل الوحيد على المدى الطويل. يجب على الدولة أن تعزز دورها المركزي من خلال زيادة الاستثمارات العمومية، خاصة في المناطق القروية والمهمشة، لضمان بنية تحتية ملائمة وموارد بشرية مؤهلة.
تحسين أجور المربيات وتثبيت أوضاعهن المهنية يجب أن يكون أولوية، لأن جودة التعليم تعتمد بشكل مباشر على كفاءة واستقرار المربين.
في الوقت نفسه، ينبغي الحفاظ على دور الجمعيات كشريك مكمل، وليس بديلاً عن الدولة. يمكن تحقيق ذلك من خلال عقود شراكة أكثر وضوحًا واستدامة، مع ضمان تمويل مستقر وآليات رقابة صارمة لضمان جودة التعليم.
الهدف الطموح بالوصول إلى تعميم كامل بحلول 2028 واقعي، ولكنه يتطلب تعبئة مالية وسياسية أكبر، خاصة من خلال التنسيق مع وزارة المالية لتوفير الموارد اللازمة.
اقتراحات لتحسين الوضع
- تعزيز الاستثمار العمومي: تخصيص ميزانيات أكبر لتطوير البنية التحتية في المناطق القروية والمهمشة، مع إنشاء أقسام تعليم أولي في المدارس العمومية.
- تثبيت أوضاع المربيات: تحسين أجور المربيات وتوفير عقود عمل دائمة لضمان استقرارهن المهني وتحسين جودة التدريس.
- تقليص الفوارق المجالية: وضع خطط محددة للمناطق ذات نسب الالتحاق المنخفضة، مثل جهات الشرق، مع توفير حوافز للمربين للعمل في المناطق النائية.
- تعزيز الرقابة والتقييم: تطوير آليات تقييم مستقلة لقياس جودة التعليم الأولي في الجمعيات، مع نشر النتائج بشفافية لتعزيز المساءلة.
- إدماج التعليم الأولي في النظام الإلزامي: تسريع تنفيذ القانون الإطار من خلال جعل التعليم الأولي جزءًا من التعليم الإلزامي، مع مسؤولية مباشرة للدولة.
ختاما، التعليم الأولي في المغرب يشهد تقدمًا ملحوظًا، لكنه يواجه تحديات هيكلية تتعلق بالاستدامة، العدالة المجالية، وجودة التعليم. النقاش البرلماني يعكس إرادة مشتركة لتحسين هذا القطاع، ولكن النجاح يتطلب توازنًا بين الاستفادة من الشراكات مع الجمعيات وتعزيز دور الدولة كضامن لتكافؤ الفرص.
مع التزام سياسي قوي وتخطيط دقيق، يمكن للمغرب تحقيق هدفه في تعميم تعليم أولي عادل وذي جودة بحلول 2028، مما سيرسخ أسس نظام تربوي أكثر شمولية وإنصافًا.