البرلمان المغربي في مرمى النقد: غيابات كارثية.. ومعارضة مشتتة.. وأحزاب عبارة عن “نواد عائلية”

قراءة في تدخل الأستاذة كريمة غراض، باحثة بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية

سلا – 04 يونيو 2025

الأستاذة كريمة غراض، كريمة غراض باحثة بمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، تشخّص أزمات المشهد السياسي المغربي بعمق، مُلقيةً الضوء على اختلالات خطيرة في العمل البرلماني والحزبي، وتدهور صورة السياسي، ودعت لإصلاحات عاجلة.

جاء هذا التحليل في ندوة فكرية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني، مساء الأربعاء 4 يونيو الجاري، بمقرها في مدينة سلا، تحت عنوان: « السياسة اليوم: أزمة فعل أم أزمة صورة؟ »، بمشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي، الذين ناقشوا التحولات التي تعرفها السياسة بالمغرب، بين تراجع الأدوار وتغير صورة الفاعل السياسي في أعين المجتمع.

حيث قدمت الأستاذة كريمة غراض رؤية نقدية شاملة للوضع السياسي المغربي. التدخل غني بالتفاصيل ويغطي جوانب متعددة من الأزمة السياسية الحالية.

أول ما يلفت الانتباه هو الطبيعة الشاملة للنقد الذي تقدمه الأستاذة غراض. فهي لا تركز على جانب واحد بل تلامس جميع أركان العملية السياسية: من أداء البرلمان إلى أزمة الأحزاب والمعارضة، مرورًا بتدهور صورة السياسي في الوعي الجماعي. هذا التحليل المتكامل يشير إلى عمق الأزمة الهيكلية.

بالنسبة للنقطة المركزية حول أزمة البرلمان، كانت ملاحظاتها دقيقة ومقلقة حقًا. فانتقادها لسيطرة الحكومة على العمل التشريعي يمس جوهر مبدأ الفصل بين السلطات. والأكثر إثارة للقلق هو وصفها للغياب الكارثي للنواب خلال التصويت على قوانين مصيرية – هذه ليست مجرد إهمال مهني بل خيانة للثقة العامة.

ما يستحق التأمل هو تحليلها لـ”أزمة المعارضة”. وصفها لملتمس الرقابة الفاشل بأنه “مهزلة” قاسٍ لكنه واقعي. وفكرة أن بعض أحزاب “المعارضة” تحمل ميولاً للأغلبية تشرح الكثير عن ضعف المحاسبة السياسية في المغرب. تساؤلها عن تشرذم اليسار يفتح الباب أمام نقاش أعمق عن التحولات الأيديولوجية في المنطقة.

فيما يخص تدهور صورة السياسي تربط هنا الأستاذة غراض ذلك بتناسل القضايا الجنائية للمنتخبين وعلاقتها بالفساد.. هذه النقطة نفسية-اجتماعية عميقة، حيث أصبحت السياسة مرادفة للفساد في المخيال الشعبي. تحذيرها من تقليص دور المجتمع المدني في الرقابة يبدو في محله خاصة مع تزايد التضييق على منظمات المجتمع المدني عالميًا.

أخيرًا، ما يثير إعجابي في هذا التحليل هو أنه لا يكتفي بالنقد بل يقدم رؤية إصلاحية متكاملة – من إحياء مدارس التكوين الحزبي إلى تشبيب القيادات ومراجعة نظام الكوتا. هذه المقترحات وإن كانت طموحة، تبدو ضرورية لإخراج النظام الحزبي من أزمته الهيكلية الحالية.

فيما يلي أبرز النقاط التي طرحتها الأستاذة كريمة غراض حول أزمة المشهد السياسي المغربي:

غياب البرلمانيين: “تقليل من شأن المؤسسة التشريعية”

افتتحت غراض هجومها على أداء البرلمان، واصفة الحصيلة التشريعية بـ”الهزيلة“، في ظل هيمنة الحكومة على 80% من النصوص القانونية. لكن الأكثر إثارةً – وفق تحليلها – هو “الغياب الكارثي” للنواب أثناء التصويت على قوانين مصيرية مثل قانون الإضراب وقوانين المالية، بل وغياب رئيس الحكومة نفسه عن جلسات مساءلته الشهرية. “هذا استخفاف بالمسؤولية وتحقير للعمل السياسي”، علّقت المتحدثة.

آليات رقابية “مُقبرة” ومعارضة في “شتات”

كشفت غراض عن تعطيل آلية رقابية محورية: لجان تقصي الحقائق التي “تُفشَّل أو تُقبر” رغم قوتها الدستورية. وأشارت إلى مفارقة غياب العقوبات رغم تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تحيل ملفات للنيابة العامة.

وفي نقد لاذع للمعارضة، وصفتها بـ”شتات” يفتقد لخيط ناظم، مستشهدة بـ”المهزلة الكبرى” لفشل ملتمس رقابة بسبب خلافات حول “من سيتلو البيان“. وتساءلت: “كيف لبعض أحزاب المعارضة أن تصوت مع الأغلبية؟

ولماذا يتشرذم اليسار ولا يجمع شتاته؟” تساءلت الباحثة عن الانسقاقات التي يعرفها اليسار المغربي، “بعدما كان المشهد الحزبي طيلة عقود يعاني من الانسقاقات المدبرة، بعد نهاية عقد التسعينات رفعت الدولة يدها عن ذلك.. وأصبحت الانشقاقات داخلية،. تسائل النخبة عن الديموقراطية الداخلية“..

صورة السياسي: من “الوعود” إلى “رهاب السرقة”

ربطت غراض بين تدهور صورة السياسي وارتباطها بالفساد في الوعي الجماعي. “أصبح المواطن يربط السياسي باختلاس المال العام، وتعززت هذه الصورة عبر فضائح تُنشر على وسائل التواصل“، مؤكدةً أن هذه “العدوى” ولّدت “رهاب السرقة والاختلاس” وأضعفت الثقة في العمل السياسي برمته.

أحزاب “نواد عائلية” وكوتا تفرز “نخبة ريعية”

كشفت الأستاذة غراض تحول الأحزاب إلى “نوادٍ سياسية عائلية“، حيث تُهيمن 3 أحزاب على المشهد، وتراجعت أدوارها في التنشئة السياسية. وأوضحت أن نظام الكوتا أفرز “نخبة ريعية” تدخل البرلمان عبر لوائح تضم “زوجات وبنات“.

مقترحات الإصلاح: من “التنافي” إلى حكومة الائتلاف الوطني

قدمت غراض رزمة حلول:

  • إصلاح البرلمان: عبر نخب تدرجت في العمل الحزبي، وتفعيل الرقابة.
  • ثورة داخل الأحزاب: تشبيب القيادات، إحياء مدارس التكوين، ومراجعة قانون الأحزاب.
  • مقترح استثنائي: حكومة ائتلاف وطني تجمع كل الأحزاب في ظل غياب معارضة فاعلة.
  • إعادة النظر في قانون الأحزاب ونمط يوم الاقتراع: دور المجتمع المدني ساهم في تغيير بعض السلوكيات في الديموقراطية التشاركية،
  • دور المجتمع المدني في الديموقراطية التشاركية، استدلت الباحثة بدور مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية في ملاحظة الانتخابات وضمن اقترح اته تغيير يوم الاقتراب الذي كان يوم الجمعة وأصبح يوما آخر أثناء تشريعيات 2021

الندوة كشفت أن أزمة السياسة المغربية ليست في “الصورة” فقط، بل في “الفعل” ذاته: مؤسسات تختنق تحت وطأة الهيمنة والغياب، ومعارضة تائهة، ومشروعية سياسية تنهار أمام عين المواطن.

والسؤال: هل تتحول هذه التشخيصات الجريئة إلى خارطة طريق للإصلاح؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!