الانفصال الأمريكي-الإسرائيلي: تحول استراتيجي في ظل ضغوط إقليمية ودولية

تشهد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي طالما وُصفت بأنها تحالف استراتيجي غير قابل للنقاش، توترات غير مسبوقة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا التوتر، الذي يعكس تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، ينبع من عدة عوامل تشمل الضغوط الإقليمية، وخاصة من دول الخليج، والخلافات مع سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فضلاً عن إعادة تقييم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

يستعرض هذا المقال هذا التحول، مع التركيز على الضغوط الأمريكية على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، والمفاوضات المباشرة مع حماس، والانفصال المتزايد بين واشنطن وحكومة نتنياهو.

أسس العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية: جذور تاريخية وتحديات معاصرة

تستند العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أسس تاريخية وثقافية عميقة، حيث ترى واشنطن في إسرائيل حليفاً استراتيجياً يعكس قيماً مشتركة ترتبط بـ”أسطورة التأسيس” الأمريكية، التي تستلهم الرواية التوراتية عن خروج بني إسرائيل إلى الأرض الموعودة.

هذا الارتباط عزّزته حركة “الصهيونية المسيحية“، التي تماهي بين إسرائيل التوراتية والدولة الحديثة، والتي شكلت قاعدة انتخابية قوية لترامب.

ومع ذلك، فإن هذا التحالف التاريخي بدأ يواجه تحديات معاصرة، خاصة مع ظهور ما يُسمى بـ”الصهيونية التحريفية“، التي يعرّفها الكثيرون كتيار سياسي متشدد في إسرائيل يعيق جهود السلام الإقليمي.

تُشير وسائل الاعلام لهذا اليوم (20ماي 2025) إلى أن إدارة ترامب، رغم دعمها التاريخي لإسرائيل، بدأت تميّز بين الدولة ككيان وبين حكومة نتنياهو الحالية. هذا التمييز ينبع من إدراك ترامب أن سياسات نتنياهو، التي تُوصف بالمتطرفة، تشكل عقبة أمام المصالح الأمريكية الإقليمية، بما في ذلك استقرار المنطقة، العلاقات مع دول الخليج، وتجنب التصعيد مع إيران.

الضغوط الأمريكية: خيار إنهاء الحرب أو التخلي عن إسرائيل

أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو الضغط الأمريكي “غير المسبوق” على إسرائيل لإبرام صفقة في غزة. وفقاً للمصادر، خيّرت إدارة ترامب إسرائيل بين إنهاء الحرب أو مواجهة التخلي عنها، وهو تهديد وُصف بأنه “مرتفع السقف“.

هذا التهديد لا يقتصر على تقليص الدعم العسكري، كما يتضح من توقف إرسال الذخائر إلى إسرائيل خلال الشهرين الأخيرين، بل يمتد إلى التخلي السياسي، مثل عدم استخدام حق الفيتو في الأمم المتحدة لحماية إسرائيل.

هذا الضغط جاء مدعوماً بضغوط خليجية “كبيرة وغير مسبوقة“، حيث ترى دول الخليج أن استمرار الحرب في غزة يهدد استقرار المنطقة ويعرقل استثماراتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، خاصة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. خلال زيارة ترامب للرياض، وعد بالعمل على إنهاء الحرب ومعاناة الفلسطينيين، مما يعكس تأثير الضغط الخليجي على السياسة الأمريكية.

مفاوضات مباشرة مع حماس: كسر للتابو الأمريكي

في خطوة مفاجئة، سمح ترامب لمفاوضه، آدم بوهلر، بالتواصل المباشر مع حماس، على الرغم من تصنيفها كـ”منظمة إرهابية” رسمياً.

هذه المفاوضات، التي تُجرى بالتوازي مع مفاوضات الدوحة ودون التنسيق مع إسرائيل، أثارت “استفزازاً إسرائيلياً” كبيراً. وفقاً للمصادر، أظهرت حماس “مرونة عالية” في هذه المفاوضات، حيث سلّمت رهينة أمريكياً-إسرائيلياً كبادرة حسن نية، بهدف تحييد الموقف الأمريكي وتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق.

هذه الخطوة تُعد جزءاً من تحول أوسع في السياسة الأمريكية، حيث بدأت واشنطن تتخذ قرارات استراتيجية دون استشارة إسرائيل، وهو أمر لم يحدث منذ عقود.

ويُفسر هذا التحول برغبة ترامب في تحقيق أهدافه الإقليمية، بما في ذلك إنهاء الصراعات في غزة وأوكرانيا، وربما السعي لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير قد يؤهله لجائزة نوبل للسلام.

الاتفاق مع أنصار الله: صدمة لإسرائيل

في سياق مماثل، أبرمت إدارة ترامب اتفاقاً منفصلاً مع حركة أنصار الله في اليمن دون إخطار إسرائيل، وهو ما شكل صدمة إضافية لحكومة نتنياهو. هذا الاتفاق، الذي جاء في وقت كانت فيه الحركة اليمنية تستهدف مطار بن غوريون، يُنظر إليه كخطوة لكسر الانحياز الأمريكي التقليدي لإسرائيل، وربما كمقدمة لتقارب مع إيران. ردت إسرائيل على هذا التحول بتصعيد هجماتها على اليمن، حيث نفذت 131 هجوماً، مما يعكس حالة القلق والتوتر في تل أبيب.

الوضع الإنساني في غزة: أزمة تُحرج التحالف الأمريكي-الإسرائيلي

يُعد الوضع الإنساني في غزة أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الضغط الأمريكي على إسرائيل. تصف المصادر الوضع في القطاع بأنه “مأساوي“، مع حصار خانق، مجاعة وشيكة، و”مذابح” تُرتكب بحق المدنيين. على الرغم من موافقة نتنياهو على إدخال بعض المساعدات، إلا أنها وُصفت بأنها “طفيفة” وغير كافية لتلبية احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من الجوع.

الولايات المتحدة، بدعم من ضغوط خليجية وأوروبية، تخطط لإدخال المساعدات بنفسها، مما يعكس إدراكها أن استمرار الأزمة الإنسانية يضر بصورتها الدولية ومصالحها الإقليمية.

نتنياهو بين مطرقة ترامب وسندان السياسة الداخلية

يواجه نتنياهو موقفاً صعباً، حيث يجد نفسه عاجزاً عن رفض مطالب ترامب كما كان يفعل مع إدارة بايدن. إنهاء الحرب في غزة يُنظر إليه كخطر مباشر على بقائه السياسي، إذ يُعتقد أن توقف الحرب سيؤدي إلى انهيار حكومته وخسارته في انتخابات مبكرة.

في الوقت نفسه، يواجه ضغوطاً داخلية من شركائه في الائتلاف اليميني المتشدد، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذين يعارضون أي تنازلات، بما في ذلك إدخال المساعدات الإنسانية.

الصهيونية التحريفية: عقبة أمام السلام

تُسلط المصادر الضوء على دور “الصهيونية التحريفية”، التي تُوصف كتيار سياسي متشدد يهيمن على الحكومة الإسرائيلية الحالية. هذا التيار، الذي يُمثله شخصيات مثل رون ديرمر، يُعتبر معادياً للسلام ومسؤولاً عن سياسات مثل ضم غزة و”مذبحة المدنيين“.

هذه السياسات، التي تُوصف بأنها “انتقامية” ومدفوعة بـ”كراهية شديدة” ضد الفلسطينيين، تُعد العقبة الرئيسية أمام جهود ترامب لتحقيق الاستقرار الإقليمي.

خاتمة: إعادة تشكيل الأولويات الأمريكية

يعكس التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وإسرائيل تحولاً استراتيجياً في السياسة الأمريكية، مدفوعاً بضغوط خليجية غير مسبوقة، وإدراك متزايد بأن استمرار الحرب في غزة يضر بالمصالح الأمريكية أكثر من إسرائيل نفسها.

من خلال المفاوضات المباشرة مع حماس، والاتفاق المنفصل مع أنصار الله، وتقليص الدعم العسكري والسياسي لنتنياهو، تسعى إدارة ترامب إلى إعادة تعريف العلاقة مع إسرائيل، مع التركيز على المصالح الإقليمية الأوسع والابتعاد عن الانحياز التقليدي لحكومة نتنياهو.

هذا التحول يضع إسرائيل، وبالأخص نتنياهو، أمام خيارات صعبة: إما الامتثال للضغوط الأمريكية والإقليمية، أو مواجهة مخاطر التخلي عن الدعم الأمريكي، مما قد يُعيد تشكيل ديناميكيات المنطقة بأكملها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!