الأغنياء الجدد والفقراء الجدد

عبد الجليل أبوالمجد (كاتب)

جاء هذا العنوان بسبب ما رأيت وشاهدت كما شاهد غيري في الأزقة والشوارع من مظاهر الثراء الزائف للأغنياء الجدد والفقر المخادع للفقراء الجدد.

بادئ ذي بدء يتعين التأكيد أن الفقير لم يولد فقيرا، والغني لم يولد غنيا ولكن الأرزاق قسمها مالك هذا الكون. فهذا يوسع عليـه، والآخر يضيـق عليـه، ولكن أيضا هناك من يتعدى عن حقوق الناس وينهب ويسرق أرزاق الآخرين بقوله (الله هو الرزاق)، فتتحول عبارة، الله هو الرزاق، إلى كلمة حق أريد بها باطل، هذه بالضبط، هي الحالة التي نعيشها اليوم مع الأغنياء الجدد والفقراء الجدد. فمن هم؟

الأغنياء الجدد أو محدثي النعمة مصطلح يصف فئة تنتمي لطبقة اجتماعية متوسطة أو فقيرة، سمح له عالم المال الجديد بصعود سلم الحراك الاجتماعي ووفرت له وسائل الاستهلاك شراء السلع والخدمات التي تميز الطبقة الثرية. هذا الصنف من محدثي النعمة لا يعنيهم الحلال من الحرام من نهب وسرقة مال الغير بمختلف الطرق. شعارهم الغاية تبرر الوسيلة، والهدف دخول نادي الأغنياء ولو من الباب الخلفي.

ثمة فرق كبير بين الأغنياء الجدد والأغنياء القدامى، فالقدامى حريصون على عدم تبديد ثرواتهم، فهم يدخرون ويستثمرون أموالهم حتى يتركونها للأجيال القادمة تتوارثها جيلا بعد جيل، أما الأغنياء الجدد ينفقون على أنفسهم بإسراف في السفر الدائم، اللباس الفاخر، سيارات فارهة لجذب الأنظار على العكس من الأغنياء القدامى الذي يعتبرون السيارات وسيلة للتنقل لا أكثر.

الأغنياء القدامى من صفاتهم التبرع الخيري لبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد، أما الأغنياء الجدد من صفاتهم الأنانية، لا يهمهم استنزاف جيوب المغاربة، لأن أول ما يفكرون فيه هو تكديس الأموال في أبناك الداخل أو الخارج. وهم لا يشبعون مهما امتلأت جيوبهم وبطونهم، ولا يتوقفون عن الحديث عن المال، ويتجنبون الحديث عن الثقافة والمثقفين، في حين أن الأغنياء القدامى من النادر أن تجدهم يتحدثون عن المال.

الأغنياء الجدد من أخطر أنواع الفيروسات التي تهدد المجتمع، إذ بمجرد ما يفقد الامتيازات من تسهيلات وإعفاءات، أومن حظوة لدى الإدارات والسلطات أو يسقط في انتخابات معينة ينقلب إلى تبخيس كل شيء وتوجيه النقد السلبي لمختلف الجهات.

وما دام هناك أغنياء جدد كذلك هناك فقراء جدد من نوع خاص بسبب الفساد الذي عمق الفجوة بين الناس. في هذا الشأن يقول عالم السياسة الأميركي صموئيل هنتغتون في كتابه )النظام السياسي في مجتمعات متغيرة( “يوجد فساد الفقراء وفساد الأغنياء. الفقراء يتاجرون بالسلطة السياسية من أجل المال، والأغنياء يتاجرون بالمال من أجل السلطة السياسية” وهذه العبارة تصيب واقعنا في الصميم.

وكما هناك فرق كبير بين الأغنياء القدامى والاغنياء الجدد، هناك أيضا فرق كبير بين الفقراء القدامى والفقراء الجدد. فالفقراء القدامى كانت لديهم غالبا عزة نفس وكرامة تمنعهم من أن يحتالوا في الطلب أو التسول، وهم قلة اليوم نذكر منهم نساء بائعات للخبز أو الطعام، ورجال تحت الشمس لساعات بحثا عن عمل. كل هؤلاء فقراء لكنهم لم يتحولوا إلى نصابين ومتسولين محترفين.

أما الفقراء الجدد فيحترفون الاحتيال والخداع، وغالبا ما يلجأون إلى وسائل غير أخلاقية بحثا عن المال، كبيع وشراء الذمم، النصب والاحتيال والخداع، تشكيل أحيانا عصابات ومجموعات عدوانية، كل ذلك طمعا للخروج من بؤسهم وأزماتهم التي لا تنتهي.

 وباختصار، الأغنياء الجدد والفقراء الجدد وجهان لعملة واحدة، فهما یعیشان السوء ذاته. شقاء الجشع، الذل، الخوف، الحرمان من الراحة. وهكذا تنتهي بهم الأيام بالشعور باليأس والاحباط.

ونختم بمقولة الكاتب الروسي دوستويفسكي في روايته (الفقراء) التي جاء فيها: “الفقر ليس عيبا، وإنما العيب الأكبر أن تكون غنيا ولا تعطي”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى