إغلاق محتمل لإذاعة أوروبا الحرة: ما الذي سيخسره الجمهور الروسي؟

reutersinstitute.politics.ox.ac.uk – براغ/واشنطن – 30 ابريل 2025

يواجه الجمهور الروسي خطر فقدان مصدر إعلامي حيوي مع تهديد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإغلاق إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي (RFE/RL)، وهي مؤسسة إعلامية ممولة من الولايات المتحدة تقدم محتوى باللغة الروسية و27 لغة أخرى في 23 دولة.

هذا التهديد، الذي يشمل أيضًا إغلاق صوت أمريكا وإذاعة آسيا الحرة، أثار قلق الصحفيين والمراقبين بشأن تأثيره على حرية الصحافة في مناطق تسيطر عليها أنظمة استبدادية.

صدمة للجمهور الروسي

في أوائل أبريل 2025، فوجئ مشاهدو التلفزيون عبر الأقمار الصناعية، الذين يعتمدون على أخبار خارج فضاء المعلومات الخاضع لسيطرة الكرملين، بشاشة حمراء تحمل رسالة مقلقة بدلاً من بث قناة “الوقت الحالي” (Current Time)، وهي قناة إخبارية تابعة لـ RFE/RL.

كان ذلك نتيجة قرار إدارة ترامب بقطع إشارة القمر الصناعي الذي ينقل برامج الإذاعة إلى روسيا، كجزء من خطتها لإغلاق المؤسسة. هذا القرار ترك آلاف الصحفيين في حالة من عدم اليقين، وخلّف فراغًا إعلاميًا تسعى الأنظمة الاستبدادية لملئه بالدعاية والمعلومات المغلوطة.

وفقًا لنيكولا كاريم، رئيسة تحرير RFE/RL، فإن الإذاعة تؤدي دورًا حيويًا في تقديم “صحافة النجاة” للجمهور في الدول التي تفتقر إلى صحافة حرة أو عادلة.

وتشير إحصائيات الإذاعة إلى أن برامجها تصل أسبوعيًا إلى حوالي 10 ملايين شخص في روسيا (9% من السكان البالغين)، و10% من الإيرانيين، و25.8% من الأوكرانيين، وما يقرب من 50 مليون شخص عبر 23 دولة، من شرق أوروبا إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

عمل الصحفيين من المنفى

بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، اضطرت RFE/RL إلى تعليق عملياتها في روسيا ونقل صحفيي خدمتها الروسية وقناة “الوقت الحالي” إلى ريغا، عاصمة لاتفيا، حيث افتتحت مركزًا إعلاميًا جديدًا في 2024. ويوضح أندريه شاريه، مدير الخدمة الروسية في الإذاعة، أن ريغا أصبحت مركزًا للصحفيين الروس المنفيين، مما جعلها موقعًا استراتيجيًا لمواصلة العمل قريبًا من الجمهور المستهدف.

يتميز عمل RFE/RL بتغطيته الفريدة من الخطوط الأمامية، مثل تقاريرها الحائزة على جوائز عن الساعات الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا. ويقول شاريه: “تغطيتنا الميدانية لا مثيل لها في السوق الناطق بالروسية، ولا أحد يقدمها بهذا الحجم”. كما تُنتج الإذاعة محتوى باللغة الروسية يستهدف كلاً من الروس والأوكرانيين، وهو توازن تقني دقيق يتطلب مهارة عالية.

برامج محلية وتنوع الجمهور

تُقدم RFE/RL برامج مخصصة باللغات المحلية، مثل “سيبيريا ريالي” (حقائق سيبيريا) و”كافكاز ريالي” (حقائق القوقاز) التي تبث باللغتين الروسية والشيشانية، وهي لغة يتحدثها أقل من مليوني شخص. هذه البرامج تركز على القضايا المحلية، مما يجعلها مصدرًا لا غنى عنه للجمهور في مناطق محددة.

ويوضح شاريه أن الإذاعة تستهدف بشكل خاص الشريحة التي تشكل حوالي 50% من الروس المنفتحين على استهلاك إعلام غير خاضع للكرملين، إلى جانب معارضي بوتين الذين يشكلون الجمهور الأساسي.

تحديات وتهديدات

تصنيف روسيا لـ RFE/RL كـ”منظمة غير مرغوب فيها” في 2024، بعد وصفها بـ”الوكيل الأجنبي” في 2017، فرض قيودًا صارمة على عمل الصحفيين. ومع تهديد إغلاق الإذاعة، تحذر جولنوزا سعيد، منسقة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في لجنة حماية الصحفيين، من أن الإعلام المحلي لن يتمكن من سد الفراغ الناتج، بينما ستعزز الدعاية الحكومية قبضتها في ظل غياب المساءلة.

خسارة إعلامية وإنسانية

إغلاق RFE/RL سيشكل ضربة قوية لحرية الصحافة في روسيا ودول أخرى تعتمد على برامجها. فالإذاعة ليست مجرد منصة إخبارية، بل مصدر حيوي للمعلومات الموثوقة في بيئات تفتقر إلى الإعلام الحر. ومع ذلك، يُثير قرار إدارة ترامب تساؤلات حول الأولويات السياسية، حيث قد يُنظر إليه كمحاولة لتقليص النفوذ الأمريكي الناعم في مواجهة الدعاية الروسية. بدلاً من الإغلاق، ينبغي تعزيز دعم مثل هذه المؤسسات لمواجهة التحديات الإعلامية في العصر الرقمي، مع ضمان حماية الصحفيين العاملين في ظروف معادية.

تهديد إغلاق إذاعة أوروبا الحرة يكشف عن هشاشة حرية الصحافة في مواجهة القرارات السياسية والضغوط الاستبدادية. بالنسبة لملايين الروس وغيرهم من الناطقين باللغات التي تغطيها الإذاعة، فإن فقدان هذا المصدر قد يعني عزلة إعلامية وتضخمًا للدعاية الحكومية. في عالم يزداد تعقيدًا، تبقى RFE/RL رمزًا للصحافة المستقلة، وإغلاقها سيكون خسارة ليس فقط للجمهور، بل لقيم الحرية والشفافية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى