إحداث مركز وطني مستقل لتدقيق الشواهد العليا: خطوة حاسمة لإصلاح منظومة التعليم العالي بالمغرب

ذ. محفوظ كيطوني – محام بهيئة وجدة

كشفت قضية “فضيحة ماستر قيلش“، التي شغلت الرأي العام مؤخرًا، عن جانب من الاختلالات العميقة التي تعاني منها منظومة التعليم العالي في المغرب. هذه الواقعة ليست مجرد حادثة عابرة، بل تعكس هشاشة الرقابة المؤسساتية على مساطر منح الشواهد الجامعية العليا، مما يهدد مصداقية الجامعة كمؤسسة وطنية لإنتاج النخب والكفاءات. في ظل هذا الوضع، بات إحداث مركز وطني مستقل لتدقيق الشواهد العليا والمصادقة عليها ضرورة ملحة لاستعادة الثقة في الجامعة المغربية، وتعزيز مبادئ النزاهة العلمية وتكافؤ الفرص.

تُظهر قضية “ماستر قيلش” بوضوح الفجوات في النظام الحالي لمنح الشواهد العليا، حيث تكشف عن تساهل في معايير الولوج، النجاح، والإشراف على الأطروحات. هذه الاختلالات، التي بدأت تتفاقم منذ سنة 2010، تُعرض هيبة الجامعة للتشكيك، وتُسيء إلى صورتها كمؤسسة أكاديمية رائدة. فبدلاً من أن تكون الجامعة فضاءً للتميز العلمي، أصبحت في بعض الحالات مرتعًا للامتيازات والمحسوبية، مما يقوض مبدأ العدالة الاجتماعية ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات التعليمية.

إن غياب آليات رقابة فعالة ومستقلة سمح بانتشار ممارسات غير سليمة، مثل منح شهادات دون التقيد بالمعايير الأكاديمية أو التخصصات المناسبة. هذا الوضع يستدعي تدخلاً عاجلاً ليس فقط لمعالجة الحالات الفردية، بل لإصلاح المنظومة برمتها، من خلال تحقيق شامل يطال جميع الشواهد العليا (ماستر ودكتوراه) الممنوحة منذ 2010، مع فحص دقيق لمسارات التكوين، شروط النجاح، وإجراءات مناقشة الأطروحات.

لذا وللخروج من هذا المأزق، نقترح إحداث مركز وطني مستقل لتدقيق الشواهد العليا والمصادقة عليها، يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري. يكون من مهام هذا المركز:

  • فحص الشواهد: التثبت من صحة الشواهد العليا الممنوحة ومدى مطابقتها للمعايير الأكاديمية.
  • تقييم المسارات الأكاديمية: مراجعة التخصصات والمسار الدراسي للطالب للتأكد من ملاءمته للشهادة.
  • رقابة إجراءات المناقشة: التدقيق في نزاهة عمليات الإشراف والمناقشة للأطروحات.
  • إصدار شهادات مصادق عليها: توفير ضمانة رسمية لمصداقية الشواهد العليا.

هذا المركز لن يكون أداة للتشكيك في حاملي الشواهد، بل آلية لتصفية المنظومة من الشوائب، وحماية الشهادة الجامعية من التلاعب. إن الهدف الأسمى هو استعادة الثقة في التعليم العالي، وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص الذي يشكل أحد المرتكزات الدستورية للمغرب الحديث، وفقًا للفصل الأول من الدستور الذي يربط بين المصداقية المؤسساتية والمشروعية القانونية.

إن إصلاح منظومة التعليم العالي لا يمكن أن يكون شعارا سياسيا، بل يتطلب آليات قانونية ومؤسساتية واضحة. فالجامعة المغربية، التي تُعد رافعة أساسية للتنمية، تواجه تحديات كبيرة تتمثل في:

  • تدني الثقة العامة: نتيجة شبهات الفساد والزبونية.
  • ضعف الكفاءات: انتشار شهادات غير مستحقة يُضعف جودة النخب التي تدخل سوق الشغل والإدارة.
  • غياب الشفافية: في معايير منح الشواهد وتتبع المسارات الأكاديمية.

إحداث مركز وطني مستقل سيُسهم في معالجة هذه التحديات من خلال تعزيز الشفافية، وضمان النزاهة العلمية، وإرساء ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة. كما يمكن أن يشكل هذا المركز نموذجًا إقليميًا لتدقيق الشواهد، مما يعزز مكانة المغرب كمركز للتميز الأكاديمي.

إن إصلاح التعليم العالي ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية لتحصين المغرب من نخب زائفة تُسهم في تقويض العدالة الاجتماعية وإضعاف كفاءة الإدارة. إحداث مركز وطني مستقل لتدقيق الشواهد العليا ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة استراتيجية لاستعادة هيبة الجامعة وتعزيز دورها كمحرك للتنمية المستدامة.

في الختام، يبقى هذا المقترح دعوة لتكاتف كل الفاعلين – الحكومة، الجامعات، والمجتمع المدني – لإنقاذ الجامعة المغربية من أزمة الثقة، وإعادة بناء منظومة تعليم عالٍ قائمة على الجدارة، النزاهة، والتميز العلمي.

إن المغرب اليوم بحاجة إلى إصلاح نوعي يجعل من الجامعة منارة للعلم والمعرفة، لا فضاءً للشبهات والاختلالات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!