أجور الموظفين بالمغرب .. الحقيقة المغيبة

علي بادي

تطالعنا بين الفينة و الأخرى وسائل الإعلام المحلية والوطنية ببعض التصريحات غير الموفقة لبعض الوزراء والمسؤولين بشأن بعض القضايا والهموم التي تثير اهتمام وقلق الشرائح الواسعة من الشعب المغربي. وتشكل انتظارات كبرى لهم في اتجاه وضع حلول حقيقية لها من مثل دعم القدرة الشرائية للمواطنين ، والتشغيل ومحاربة البطالة والفقر ، وخدمات الصحة والتعليم، وغيرها كثير.

فعندما يتعلق الأمر بأجور الموظفين بالقطاع العام ومستخدمي القطاع الخاص غالبا ما يخرج المسؤولون ليقولوا بأن الأجور جيدة وتكفي لضمان عيش كريم لمختلف الأجراء وأسرهم ، بل إن من هؤلاء المسؤولين من يدعي بأن كتلة أجور ورواتب الموظفين تلتهم أقساطا ضخمة من ميزانية الدولة. ويدللون على ذلك بأرقام وإحصاءات فلكية، ونسب مئوية تكاد تغطي مجموع ميزانية الدولة بمختلف قطاعاتها.

مثل هذه التصريحات المستفزة تستدعي الوقوف عندها لتفكيكها مبنى ومعنى، وتوضيح مدى التغليط والتجنى الذي يتقاطر منها، وذلك من خلال الملاحظات التالية :

_ مصدر أجور موظفي الدولة في مختلف القطاعات العمومية وشبه العمومية هو مالية الدولة والتي يتم استخلاصها من جيوب الشعب المغربي على شكل ضرائب مباشرة وغير مباشرة ، إلى جانب مداخيل بعض المؤسسات الوطنية المكلفة بتدبير قطاعات حيوية كإنتاج ثروات معينة ( الفوسفاط ومناجم المعادن والصيد البحري….) أو الأنشطة الحيوية كالسكن ( شركة العمران ) والطرق السيارة والطاقة وغيرها. ولذلك فلا منة لأحد على الموظفين لأنهم بكل بساطة لا يتقاضون أجرا من ممتلكات أحد من هؤلاء المسؤولين. بل المطالب بتبرير وتوضيح مصادر دخله هو الكثير من المسؤولين الحكوميبن الذين أصبحت مناصبهم طرق سيارة نحو الاغتناء الفاحش والسريع.

_ أن الكتلة الأجرية للموظفين ورغم ضخامتها، كما يدعي المسؤولون، فإنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتساوى أو تقارب ما يتم إنفاقه على أنشطة أخرى ( كالجامعات الرياضية المختلفة مثلا ) غير ذات الأهمية التي تحظى بها القطاعات التي تشغل أعدادا كبيرة من الموظفين كالصحة والتعليم والعدل . بل إن رواتب هؤلاء الموظفين يعود قسط مهم منها الى خزينة الدولة كضرائب على الدخل والتي تصل إلى عشرات الملايير من السنتيم سنويا في قطاع واحد كقطاع التعليم مثلا. والجزء المتبقي من الأجرة يتم ضخه في دورة الاقتصاد الوطني على شكل استهلاك مباشر أو دعم اجتماعي لأسر وذوي الموظفين أو إذخار في المؤسسات الوطنية. وهذا عكس الكثير من المسؤولين الذين تتحمل الدولة مصاريف حياتهم المعيشية ( سكن نقل اتصالات تغذية …) بينما تذهب مذخراتهم إلى الخارج على شكل عطل سنوية فاخرة ومشتريات باهظة أو مشاريع استثمارية سرية.

إن الذي تجب محاسبته على العبء والكلفة التي يشكلها وجوده ومنصبه وتحركاته على خزينة الدولة وأموال الشعب هم المسؤولون المكلفون بتدبير القطاعات العمومية المختلفة ، وذلك ليس لحجم رواتبهم ومكافأتهم الخيالية فقط ، وإنما لعدم تحقيقهم لأي تقدم أو نتائج إيجابية ملموسة في القطاعات والمؤسسات التي يديرونها. هذا مع فرض استقامتهم ونزاهتم في تدبير وصرف الميزانيات القطاعية المخصصة لإداراتهم.

فمثلا عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا مستهل سنة 2021، ولأن المغرب يستورد غالبية حاجياته من القمح من البلدين طرفي هذه الحرب والقمح غذاء المغاربة الأساسي إما خبزا أوكسكسا أومعجنات. ماذا فعل المسؤولون من موقع مسؤولياتهم الحكومية والقطاعية ؟ وما الإجراءات المتخذة من لدنهم حتى لا يتأثر المواطن والاقتصاد المغربيين من تبعات هذه الحرب.

ألم يكن الوزير الأول الحالي وزيرا للفلاحة ٱنذاك ؟ وهل المغرب تعوزه الأراضي الصالحة للزراعة ، وتنقصه الخبرة الفنية في المجال الزراعي؟ أم أن المغرب لا يتوفر على الأطر الفلاحية الكافية من مهندسين وتقنيين فلاحين ويد عاملة كفأة، وهم المشهود لهم بالخبرة والأداء العالي في العالم. واسألوا إن شئتم الشركات العالمية في المجال.

إن أجور الموظفين يا سادة، يامن مازالت تحكمهم نظرة الأسياد والعبيد، ليست مقابل لكلفة أو أعمال سخرة يقدمها عبيد للأسياد، كما كان في تاريخ الأنظمة الإقطاعية القروسطية بأوربا الفيودالية، بل إنها رواتب مواطنين كاملي المواطنة في بلدانهم، نساء ورجالا يقدمون خدمات جليلة لبلدانهم ويساهمون في بنائها وتنميتها، مضحين في ذلك بما كل ما يملكون من إمكانيات وقدرات جسمية وعقلية و نفسية، متحملين عناء وسهر الليالي والأيام، غير ممتنين على أفراد شعبهم ولا بلدانهم بفضل أو منة، أو باخلين دونه بجهد أو مال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى