قراءة في  تصريح د.عزيز غالي وما أحدثه من سجال وطني. 

من خلال تتبعي للنقاش الدائر حول ما صرح به الدكتور عزيز غالي حول  قضية الصحراء حين قال ان موقفه الشخصي  هو نفسه موقف الجمعية المغربية لحقوق الانسان القاضي بحق الشعب الصحراوي في  تقرير مصيره وفق مقتضيات المرجعية الاممية ولا مجال للحديث في الامم المتحدة  عن المبادرة المغربية لحل النزاع المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي كحل نهائي . وما استتبع هذا التصريح من هجوم عبر السوشيال ميديا وجميع وسائل التواصل الاجتماعي  بلغت حد التخوين والحث على اعتقاله من طرف البعض.الا ان هذا النقاش أخذ كذلك بعدا جداليا ومعرفيا من طرف البعض الآخر مع احترام الحق في إبداء الرأي والاختلاف .
علما  اني لم اكن بعيدا عن هذا السجال اذ ذكرني بمرحلة تاريخية تعود الى 10 دجنبر سنة 2010 .عندما تم منع انعقاد المؤتمر العام الأول لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بمدينة شفشاون بذريعة  الاتهام بالانفصال. وذلك علاقة بالشعار الذي وضعه المنتدى للمؤتمر المتمثل  في  الحق في تقرير مصير الجهات التاريخية بالمغرب /جهة الريف الكبير (الشمال )نموذجا  .وهو ما اثار حينها  حفيظة السلطات المركزية والجهوية  .ودفعها الى منع المؤتمر بالقوة، مع إغلاق الفندق الذي كان من المقرر أن  يحتضن أشغال المؤتمر، اضافة إلى  الإنزال المكثف للقوات العمومية  في شوارع المدينة مع العمل على تحريض الساكنة عبر الأعيان على المؤتمرين والمؤتمرات الذين كانوا يتقاطرون على المدينة. 
لكن مع اسرارنا في عقد المؤتمر بنفس المدينة ونفس الشعار للمرة الثانية في فبراير من سنة 2011  .استدعت السلطات المحلية  أعضاء من التنسيقية العامة لحضور اجتماع  بالعمالة لمناقشة الشعار السالف الذكر بحضور عامل الإقليم    وممثلين عن جميع الأجهزة الأمنية وبنقل مباشر الى الخلية المتابعة للنقاش في العاصمة الرباط.
حينها قدمنا عرضا لمفهوم حق تقرير المصير وفق مقتضيات المادة الاولى للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبما  ينسجم وأدبيات المنتدى المطالبة بحق الجهات التاريخية في حق تقرير مصيرها  في إطار دولة  الاوطونوميات  الجهوية  المتضامنة كآلية ديمقراطية للحكم ،تضمن حق الجهات في تدبير شؤونها بنفسها ،و المشاركة في صناعة  وصياغة السياسات العمومية الجهوية و الوطنية.   وفي نفس الآن كالية  ضامنة  للحق في التوزيع العادل  للثروة  والسلطة بين المركز وجهاته .  
الآن وقد انتقل بنا النقاش الى جهة الصحراء وما اثارته تصريحات الدكتور عزيز غالي حول الموضوع من سجالات  بعضها صحي تحترم الحق في الاختلاف.   وبعضها  الآخر تعتمد لغة البزار و المزايدة بالوطنية. فان اكثر ما اثار انتباهي هو ان هذه الردود سواء تلك التي تستند الى لغة المعرفة الحقوقية والقانونية او تلك الردود  العنيفة التي وضعت نفسها في موقع القائمين على توزيع شواهد حسن السلوك والوطنية .أن عدم وضع  الموضوع ،او بالاحرى هذا الملف ، منذ البداية  ضمن دائرة النقاشات العمومية التي كان من المفروض أن تساهم فيه  كل النخب السياسية والفكرية والثقافية  المغربية وان ابقائه في دائرة الشأن الخاص بالدولة ولن اقول الحكومة مع كل الأخطاء التي رافقت مسيرة معالجته و تسليط تهمة الخيانة على كل من ابدى رأيا مخالفا لما هو رسمي حتى وان كان هذا الرأي لا يمس الوحدة الوطنية في شيء .وأعني بذلك باقي المواقف والآراء التي تخترق المشهد الوطني والتي   تتراوح بين من يرى في مقترح الحكم الذاتي حلا مناسبا للقضية وبين من يرى فيه  تنازلا مجانيا من طرف المغرب لصالح جبهة البوليساريو. وبين من يربط المقترح بضرورة   الانتقال إلى دولة الاوطونوميات  الجهوية المتضامنة كمدخل لتحقيق الانتقال الديمقراطي بالمغرب  وضمانة لوحدة الوطن ،دون أن تكون هناك استثناءات تمييزية حتى وان كانت على شكل حكم ذاتي خاص  بالصحراء     .كل هذا  اضفى على  تصريح غالي وقع الصدمة لمن ظنوا ان مصادرة حق المغاربة  في التعبير عن هذه القضية  يجعلهم بالضرورة  مجمعون  على رأي واحد في شأنها  .
في هذا الصدد دائما اعتبر ان حق تقرير مصير الشعوب المستعمرة كما نادى به رئيس امريكا ولسون في مؤتمر فرساي بعد الحرب الكونية الاولى والذي لم يكن حينها بخلفية حرصه على هذه الشعوب وإنما لإضعاف  الدول الأوروبية التي احتكرت لوحدها استعمار دول الجنوب والاستفادة من مواردها .   او كما اطره ميثاق الأمم المتحدة لاحقا  من خلال  المادة 73  والمادة 74 التي تحث الدول  على تمتيع الشعوب الخاضعة له التي تم وصفها بالأقاليم !  بنظام الحكم الذاتي في أفق استقلالها الكلي وهي نفس المواد التي خصصت  للأقليات العرقية والدينية المضطهدة هو شأن سياسي، واجابة  على اشكاليات سياسية مرتبطة بالاستعمار. 
كما ان استعراضنا لهذه المواثيق الدولية ،وبالنظر الى كرونولوجيا هذه العهود والقوانين، نجد ان ميثاق الامم المتحدة الذي تمت المصادقة عليه في يونيو 1945 في سان فرانسيسكو  جاء نتيجة حتمية للحرب الكونية الثانية  ولما عرفته البشرية من فظاعات تطلبت إطارا قانونيا لضبط وفرض  الأمن والسلم والدوليين.كما أن هذه المرحلة وعلاقة بما كانت تشهده من استعمار مباشر وواسع للشعوب المنتفضة من أجل استقلالها  ،كان من اللازم إيجاد إطار قانوني يوصي  الدول الاستعمارية بتمتيع هذه الشعوب او الاقاليم كما وصفها الميثاق  بنظام الحكم الذاتي كمقدمة لتمكينها الحق في تقرير مصيرها بشكل نهائي .وهو ما تضمنه الفصل الحادي عشر من الميثاق وذبك من خلال  كل من المادة 73  والمادة 74.ان حق تقرير المصير المتضمن في قوانين الميثاق  الأممي يأتي إذن  في إطار عملية  تصفية الاستعمار وذلك  بشكل متدرج ، أو استجابة لحق الأقليات العرقية والدينية المضطهدة  . وهو ما تعتمده كمرجعية كل الحركات السياسية المطالبة بالاستقلال والانفصال .كما أنه وفي نفس المرحلة أي سنة 1948 يأتي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تطرق إلى كل  الحقوق الإنسانية الفردية  دون ان يتضمن اي اشارة لمبدأ حق تقرير مصير الشعوب. 
علما  أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966 الذي يستند عليه بعض  الحقوقيون في تفسير مادته  الأولى التي تنص في أولى فقراتها “على حق تقرير مصير الشعوب وفي حقها في  اختيار مركزها السياسي و في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ” في  كونها تفيد ما تم تضمينه في المواد 73 و 74 من ميثاق الأمم المتحدة القضيتين بتمتيع الشعوب المستعمرة الحق في الحكم الذاتي  كمقدمة لتقرير المصير بما يفيد الحق في الاستقلال .فان هذا التفسير يمكن كذلك ان يكون مجانبا لمقاصد هذه المادة التي تعني الشعوب المستقلة.  لأن الفقرة الثالثة  من نفس المادة أعلاه تتطرق بشكل حصري “للأقاليم” او بصيغة أخرى للمستعمرات التي لا تتمتع بالحكم الذاتي والأقاليم” المشمولة بالوصاية و التي يجب على الدول الأطراف في العهد إخضاعها لأحكام ميثاق الأمم المتحدة  المتضمنة في الفصلين  الحادي عشرة والثاني عشرة .كما أن قراءة هذه المادة في العهد  يجب قرائتها علاقة بالسياقات التاريخية والسياسية لصدوره  و الذي جاء في مرحلة كانت جل الشعوب قد تمتعت بحقها في الاستقلال .لكنه كان  مقيدا بشروط الدول الاستعمارية حول طبيعة انظمة  الحكم وشكل أنماطها الاقتصادية التي أبقتها تابعة لها .بالتالي فإن المادة الأولى من  العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وانطلاقا مما تضمنه باقي المواد المتعلقة  بالحقوق والحريات المدنية والسياسية هي بمثابة توجيه لطريقة تدبير الحكم الديموقراطي  داخل الدول المستقلة ابتداء من حق الشعوب في اختيار توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما ينسجم ومصلحة هذه الشعوب  في  التنمية والرقي وانتهاء بالحق في التنظيم والتعبير والتظاهر وعدم التمييز.
بالتالي فأن قراءة المادة الأولى من هذا العهد  يتطلب  وضعها في السياق السياسي والتاريخي لصدوره اضافة الى قرائتها بالعلاقة مع باقي  المواد  والفقرات المتضمنة فيه.
اذن وبالرجوغ اذن الى موقف الدكتور عزيز غالي من الصحراء ومن الحكم الذاتي الذي أحترمه، رغم اختلافي معه ، فهو موقف سياسي بامتياز علاقة  بإشكالية  سياسية تستند في حلها  الى ميثاق الأمم المتحدة خاصة  الفصل الحادي عشرة الذي يتكيف بمقتضاه   التواجد المغربي في الصحراء الى استعمار ،مع استبعاد صيغة  الاضطهاد الديني أو العرقي للصحراويين بصفتهم أقلية. ولا أظنه بالمناسبة   موقفا حقوقيا . بالتالي فهو تفسير  يستند الى قراءة   شخصية  للمادة الأولى من  العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .كما ان تكييف تواجد المغرب في الصحراء على كونه استعمار فهذا لا ينسجم وحقائق التاريخ. لأن  الصحراء تاريخيا كانت خاضعة لسيطرة الدولة  المغربية الى حدود المرحلة التي ضعفت فيها السلطة المركزية.  علما أن ما يعاب في كل هذا هو  طريقة استقلال المغرب الذي   كان مناطقيا وعبر مراحل زمنية متتالية   وحسب الدول المستعمرة له. / المنطقة الوسطى الفرنسية 6 نونبر سنة 1955 /المنطقة الاسبانية بالريف أبريل من   سنة1956  /منطقة  سيدي إفني سنة  1969 /ومنطقة الصحراء سنة  1975.  علما اننا اذا ارتكنا الى هذه المعطيات المعيبة في عملية استقلال المغرب .فإننا   سنعتبر أن ما ينطبق على الصحراء  ينطبق على باقي المناطق المسترجعة بعد استقلال المنطقة الفرنسية أواخر  سنة  1955.وبالتالي لن يبقى للمغاربة وطن يأوون إليه .
خلاصة القول ان من ايجابيات هذا السجال هو طرح موضوعة الصحراء التي طالما شكلت شأنا خاصا بالدولة،للنقاشات العمومية والتي ابانت في نفس الآن عن تعدد الآراء في شأنها .
بين من يرى في مقترح الحكم الذاتي حلا يمكن ان يرضي جميع الأطراف. وبين من يرى في هذا المقترح تنازلا مجانيا لجبهة البوليساريو. وإن على المغرب حل هذا النزاع بالقوة . وبين من يرى  في حق تقرير مصير” الشعب الصحراوي” اعمالا لأحكام ميثاق الأمم المتحد موقفا لا تنازل عنه .وبين من يرى في حل مقترح الحكم الذاتي للصحراء حلا تمييزيا. وان الحل السليم هو   أعمال  الجهوية السياسية في إطار دولة الاوطونوميات الجهوية المتضامنة  من أجل الإجابة على  الإشكالات الترابية ،والمسألة الديموقراطية في المغرب .  
د.تدمري عبد الوهاب 
طنجة في 19 دجنبر 2024                 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى