فواصل.. رأي في مسألة الدعم المخصص للصحافة
إذا نظرنا إلى مفهوم الدعم بمعناه اللفظي والوظيفي، فإن تقديمه يجب أن يركز على المساندة وتقوية الفئات الأضعف لتتمكن من تحقيق أهدافها وتقديم دورها المنوط بها في المجتمع.
في هذا السياق، تقديم الدولة الدعم المادي لمؤسسات إعلامية كبيرة تتمتع بالفعل، بمداخيل ضخمة وحصة معتبرة من الإعلانات، قد يبدو غير منطقي وغير متسق مع فلسفة الدعم الحقيقية. فالمؤسسات الكبرى، بحكم امتلاكها للموارد والقدرة على الوصول إلى السوق، ليست بحاجة ملحّة إلى هذا النوع من التدخل الحكومي، مقارنة بالمؤسسات الصغيرة والصغيرة جدا التي تعاني من تحديات كبيرة، سواء من حيث التمويل أو الوصول إلى الجمهور.
لذلك، فإن التوجه الصحيح الذي ينحو منحى العدالة في التوزيع، يحتم بالضرورة أن الدعم يجب أن يوجه للفئات الأكثر هشاشة، مثل المؤسسات الإعلامية الصغيرة، المحترمة للقانون والمهنية الأخلاقية، التي تواجه صعوبات في البقاء على قيد الحياة بسبب نقص الإعلانات أو ضعف مواردها. هنا يمكن أن أتساءل: “كيف لمثل مؤسسات صغيرة، بثلاثة أو أربعة صحافيين يتحمل مسؤوليتهم مدير نشر، كيف لمثل هذه المقاولة أن تحقق مبلغ 2 مليون درهم؟!”
ثم بعد ذلك، وفي إطار تعزيز التعددية الإعلامية، فإن المؤسسات الإعلامية الصغرى تلعب دورا مهما في ضمان تنوع الآراء والمعلومات، وهو ما يعزز الديمقراطية وحرية التعبير. وبالتالي فإن دعمها يعكس الرغبة في تحقيق إعلام أكثر شمولية.
أما الحديث عن التأثير الاقتصادي والاجتماعي، فإن دعم المؤسسات الصغيرة يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل محلية، “الإعلام الجهوي”، وتعزيز التنمية في المناطق المهمشة، من شأنه تحقيق هدف مزدوج للدعم.
فهل من حلول ممكنة أمام هذه الوضع غير اللائق حتى لا أصفه بصفة أخرى؟
الأمر يتطلب بكل شفافية وديمقراطية، إعادة توجيه الدعم ووضع معايير واضحة لتحديد الأولويات في توزيعه، مع التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ولتحقيق شفافية التوزيع، من المطلوب نشر معايير وأهداف الدعم الذي يكون مناسبا لواقع المقاولات الإعلامية الصغيرة، بشكل علني لضمان تحقيقه الغايات الحقيقية.
فكيف إذا أردنا الحديث عن التنمية المنشودة، وعن التنمية الجهوية وتشجيع المبادرات المحلية؟! هل بهذه الطريقة التي تم اعتمادها لعملية الدعم، سنشجع المقاولات الإعلامية الصغيرة المتواجدة في مختلف جهات المغرب الإثني عشر؟ هل بهذه الطريقة سندعم مشاريع الإعلام والمبادرات الصغيرة التي تركز على القضايا المحلية؟! هل هذه هي التعددية المنشودة!؟
من هذا المنطلق، فإن دعم المؤسسات الكبرى في مثل هذه الظروف وبهذه الطريقة الفجة، بل والإقصائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هدر للموارد وتمييز غير عادل، بينما الأولوية، يجب أن تكون لتقوية البنية التحتية الإعلامية الهشة للعديد من المقاولات الصحفية الصغيرة، وضمان تنوع مصادر الأخبار والمعلومات في المجتمع، دون إعطاء الأولوية لمن يسبّح بحمد سلطة السياسة والمال.
حسن اليوسفي المغاري
صحافي شرفي (حسب قانون الصحافي المهني) المغربي طبعا.