زيارة الرئيس الصيني للمغرب في هذه الظرفية  ، أي دلالات سياسية؟.

من جملة الأحداث السياسية المهمة التي شهدها المملكة  في الأيام الأخيرة ، الزيارة القصيرة التي أجراها الرئيس الصيني للمغرب بعد عودته من البرازيل التي حضر فيها أشغال قمة العشرين. وهي الزيارة الأولى كذلك للمغرب  من طرف  الرئيس الصيني ،استقبل خلالها من طرف ولي العهد اضافة الى اعضاء الحكومة و مسؤولين رفيعين في الدولة.
لكن ما أثار الانتباه في هذه الزيارة هو عدم اعطاء اهمية كبيرة  لهذا الحدث من طرف وسائل الإعلام المغربية ،رغم أنها زيارة من رئيس دولة  عظمى . علما أن أي  زيارة رئاسية حتى وإن كانت قصيرة يحدد جدول مواضيعها وبروتوكولاتها  و تسبقها ترتيبات من طرف الدولةالمستضيفة.بالتالي فأن الرئيس الصيني كان مدركا من البداية  أن الملك بصفته رئيسا للدولة لن يكون قي استقباله لظروف قاهرة ومقنعة للفريق الصيني . وهو ما يذكي  الفضول لدى اي متتبع موضوعي  لمعرفة دلالات هذه الزيارة القصيرة  التي تنم عن  مدى الأهمية التي توليها الصين للمغرب، خاصة و أن رحلة الرئيس الصيني كان من الممكن ان تتم عبر اسبانيا او عبر الجزائر او اي بلد اخر في إفريقيا بكل ما يمكن ان يحظى به من استقبال على اعلى المستويات. 
ومن الملاحظ كذلك ان  بعض وسائل الإعلام المغربية التي غطت الحدث اكتفت بالحديث  عن  الجانب الاقتصادي للزيارة مركزة  على اهتمام الصين بتطوير سلاسل  توريد  وانتاج رقائق  البطاريات الكهربائية  لاوربا وامريكا اللتين تربطهما اتفاقيات للتجارة الحرة مع المغرب .خاصة  ان الصين تملك خبرة كبيرة في صناعة وإنتاج المعادن الثمينة كالليتيوم والكوبالت الخ… وتتوفر على احدى اكبر الشركات في العالم التي تشتغل في هذا المجال. وهي شركة تيانكي ليثيوم بقيمة سوقية تزيد عن 22 مليار دولار. والمغرب كذلك  من البلدان التي تحتوي على كميات كبيرة من هذه المعادن خاصة في جبل تروبيك . هذا بالاضافة الى   دعمها لمبادرة الطريق والحرير. 
لكن هل يمكن اعتبار هذه الأسباب كافية  لإجراء زيارة قصيرة لرئيس دولة تتبوأ ريادة العالم ،ويحظى باستقبال أدنى وفق الأعراف الدبلوماسية، دون اعتبار هذا انتقاص لشخص ولي العهد  ولا للرئيس الصيني . هذا في الوقت الذي كانت  توجد فيه خيارات  اخرى لاختيار محطة  توقفه خلال رحلته الطويلة من البرازيل .وفي الوقت كذلك  الذي كان من الممكن تناول هذه القضايا الاقتصادية عبر وفد وزاري مخصص لذلك ،وليس بتمثيلية رئاسية تضم بالخصوص أعضاء ومسؤولين بارزين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني؟.
اطرح هذه الاسئلة المستفزة للجسم  الإعلامي المستهلك لظاهر الأحداث دون الخوض في تفاصيلها للكشف عن المقاصد المخفية في كواليس السياسة الدولية. وللتأكيد مرة أخرى على كون الزيارة سياسية بامتياز رغم  أن بعدها الاقتصادي حاضر بشكل ضمني .
ان الزيارة القصيرة للرئيس الصيني للمغرب تبرز  الاهتمام الكبير الذي توليه الصين للمغرب :
 أولا كدولة تحتل موقعا جيو استراتيجيا مهما في القارة الأفريقية، يمكنها من الإشراف  على  إحدى أهم الممرات المائية في العالم .
ثانيا: بحكم موقعها القريب من القارة الأوروبية التي لا تتجاوز المسافة بينهما 14 كلم .وهي القارة التي تجمعها بالصين علاقات تجارية مهمة وصل حجمها الى ما يقارب 738 مليار دولار خلال سنة 2023.
ثالثا؛ كون المغرب يشكل البوابة الشمالية لولوج العمق الأفريقي الذي ترى فيه الصين سوقا تجارية واقتصادية واعدة. ومجالا مهما   للتنافس الاستراتيجي مع القوى العالمية على المدى القريب والمتوسط . 
كما ان زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالشكل الذي تمت به بإرادة الطرفين  و بدلالاتها السياسية، تحمل أكثر من اشارة  لباقي الأطراف الدولية والإقليمية. وهو ما عبرت عنه واختصرته جريدة هيسبريس المقربة من أوساط صنع القرار بالمغرب في تغطيتها للزيارة، حين  عنونت مقالها ب  ” يؤكد الرئيس الصيني على دعمه لاستقرار وأمن والرباط”. بالتالي فان هذا الكلام يحمل كذلك أكثر من رسالة سواء في اتجاه الدولة الجزائرية التي تربطها بها علاقات اقتصادية وتجارية .ووهي بذلك تدعوها ضمنيا  الى عدم اتخاذ اي خطوة  تصعيدية قد تهدد أمن وسلامة المنطقة. علما ان رسائل سابقة قد أرسلت للدولة الجزائرية في هذا الشأن من كل من الصين وروسيا. سواء في جنوب أفريقيا إبان قمة البريكس السابقة   ،حين  تم رفض طلب الجزائر الانضمام للمنظمة نظرا لنهج  التصعيد الذي تنهجه مع المغرب الشريك لكلا الدولتين .   وكذا  رفض حضور ممثلين عن جبهة البوليساريو لنفس القمة، وفي القمة الأخيرة للمنتدى الروسي الأفريقي  التي انعقدت في روسيا على مستوى وزراء الخارجية. 
كما ان هذه الزيارة  بالشكل الذي تمت به وبإرادة مغربية صينية تعد كذلك رسالة لفرنسا والولايات المتحدة الافريقية، على ان الصين ومن خلفها روسيا تعدان شريكان للمغرب وضامنين لاستقراره وأمنه . 
ان هذا الخيار الذي تبناه المغرب في الآونة الاخيرة هو بمثابة عودة الى النهج الذي كان قد بدأه الملك محمد السادس في العشرية الأولى و بداية العشرية الثانية من الالفية الثالثة  .حين اعتمد نهج الانفتاح على القوى العالمية الشرقية  الصاعدة بقوة ، وكان صائبا في ذلك  من الناحية الاستراتيجية . وقبل الانقلاب عن هذا التوجه ،بإيعاز من بعض اللوبيات النافذة في الدولة الذيلية  لأمريكا والغرب ، لصالح تحالفات مع قوى غربية تشهد افولا وتراجعا على الساحة الدولية اقتصاديا وسياسيا.   

د.تدمري عبد الوهاب 
طنجة في 27 نونبر 2024    

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى