بنيونس المرزوقي : ماذا أصدرت محكمة العدل الأوروبية؟.. حكم قضائي أم قرار سياسي؟
منذ بدايات الحديث عن أشغال محكمة العدل الأوروبية بخصوص الاتفاقيات التجارية الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.. وأنا أنتظر نتيجةً كنتُ متيقنا منها: عدم قبول الدعوى.. وكان لموقفي هذت مبررات عديدة..
لكن اتضح لي الآن أنني كنتُ أفكر قانونيا.. وكانت المحكمة تشتغل سياسيا!!
والآن.. يُمكن بسهولة إثبات أن المحكمة قد أصدرت نصا أقرب إلى القرار السياسي منه إلى الحكم القضائي..
نص غير ذي موضوع.. فهو أبعد ما يكون عن الموضوعية والواقع.. باعتباره نصا منحازا بشكل فاضح.. شكلا ومضمونا..
أعالج ذلك من خلال خمس ملاحظات حول خمس تساؤلات: هل القاضي رجل سياسي (أولا)، طبيعة المملكة كدولة (ثانيا)، أيُمكن إلغاء اتفاقيات انتهى سريانها؟ (ثالثا)، هل الصحراء أرض خلاء؟ (رابعا)، ثم هل كان المقصود هو “الجَبْهَة أم ” الجَّبْهَه “؟ (خامسا) قبل الخروج بخلاصة عامة.
أولا: القاضي رجل قانون وليس رجل سياسية
لن أغوص في تفاصيل النظام القضائي للاتحاد الأوروبي، فذاك شأنهم، لكن سأعالجه من زاوية كونه وسيلة هامة لتطبيق القانون في العلاقات بين الدول الأعضاء.. أليست مهمتها الأساسية هي “رعاية الحقوق عند إصدار المعاهدات وتنفيذها”؟ لكن حقوق من؟ حقوق مصالح الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه، كتنظيمات سياسية موجودة على أرض الواقع أم حقوق تنظيمات موجودة على الأوراق.. وفي أذهان وتطلعات من لا يملكون حتى شرعية الحلم بذلك؟
..لذا.. فإن بعضا من “اجتهادات” هذه المحكمة تتطلب قراءة متأنية..
تصدر الأحكام بصفة عامة بعد استنفاذ دراسة ومناقشة الجوانب الشكلية في أي موضوع يطرح أمام أية محكمة..
إن توفر شروط رفع الدعوى مسألة جوهرية.. لا يمكن القفز عليها..
ولعل الشروط الواجب توافرها في الأطراف “المعنية” تدخل ضمن هذه الشروط الشكلية الجوهرية..
أن يتم رفع الدعوى من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبي “فذاك شُغْلُها”.. فالعديد من الهيئات النشيطة سياسيا.. عادة ما تبحث عن تبريرات “قانونية” لمواقفها وتصرفاتها..
إنه البحث عن نوع من التغطية.. ولا يهم إن كان عن حسن أو سوء نية..
استعملت تغيير “لا يهم” لأنني، على غرار كل المتتبعين، أثق في القضاء.. والسلطة القضائية.. وقدرة القاضي على تجاوز “ألاعيب” السياسي..
لكن ما صدر عن محكمة العدل الأوروبية بخصوص الاتفاقيات التجارية بيم المغرب والاتحاد الأوروبي.. جعلني أعيد النظر في موقفي هذا..
لقد تجاوز القاضي دوره “القانوني” للانتقال للعب دور السياسي.. ودون موجب حق.
ثانيا: المملكة المغربية دولة ذات سيادة كاملة
لقد تجاوزت المحكمةُ الشكلَ.. فصدر حكمها بناء على باطل..
والحال أن القاعدة هي أن “كل ما بُني على باطل.. فهو باطل..
لم تعالج المحكمة، وهي تقفز على الشكل، لتعالج المضمون، قضايا عديدة..
أهمها أن أي حديث داخل حكم قضائي ينبغي أن يحلل وضعية “من يتحدث عنهم”..
وفي حالتنا هذه الأمر جوهري..
المملكة المغربية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على ترابها الوطني..
وهي حريصة على وحدتها الترابية والوطنية..
وأي تعامل معها ينبغي أن يكون على هذا الأساس..
أما غير ذلك فمجانب للصواب.
ثالثا: إلغاء اتفاقيات انتهى سريانها
كيف تسمح المحكمة لنفسها مناقشة موضوع درجت المحاكم في مختلف التجارب الأجنبية والدولية على اعتباره “غير ذي موضوع”؟
وبشكل قانوني صريح، أتساءل:
كيف يتم إبطال اتفاقيات تجارية مبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي تعود لعام 2019 دون استحضار كونها انتهت قانونيا بعد استنفاذ مهمتها المحددة آنذاك في خمس سنوات..
أيمكن قانونا مناقشة اتفاقية غير سارية المفعول، إن لم يكن ذلك لسبب سياسي واضح؟
لقد انتهت الاتفاقيات المقصودة في يونيوه من عام 2023..
لذا.. فالكل يعتبر أن قرار المحكمة ليس له أي عواقب.. فمدة اتفاق الصيد البحري انتهت في يوليو 2023.. فيما مددت المحكمة نفسها تطبيق الاتفاق المتعلق بالمنتجات الزراعية لمدة سنة!!
رابعا: هل الصحراء أرض خلاء؟
لقدى تم إلغاء الاتفاقيات على أساس “تجاهل لمبادئ تقرير المصير للشعب الصحراوي!!!!
واوووووو “الشعب الصحراوي”!!
عن أي “شعب” تتحدث المحكمة؟
هل اعتبرت أن الصحراء المغربية أرض خلاء؟!
أليس هناك سكان لهم تمثيلية في كل المؤسسات المنتخبة، وطنيا.. وجهويا.. ومحليا.. ومهنيا؟
أليس من العبث القانوني، أن تعتبر المحكمة أنه “حتى لو تم استطلاع أراء السكان بهذا في الصحراء … فإنها لم تكن لتعني موافقتهم”!!!
إذن تعني موافقة من؟؟ إن لم تكن المحكمة تعتبر الساكنة مجرد “أشباح”, وأن الصحراء أرض خلاء!!!
والكارثة الكبرى هي اعتبار المحكمة أنه “كان من الممكن الأخذ بهذه الموافقة لو كان تطبيق هذين الاتفاقين قد أعطى “فوائد محددة وملموسة وجوهرية”!!!
ألم تطلع المحكمة على المنجزات المحققة على أرض الواقع بشهادة التنظيمات الدولية؟
ألم تسمع المحكمة عن النموذج التنموي الخاص بالصحراء؟
ألم تحاول البحث عن الميزانيات المرصودة لتنفيذ هذا التنمية الشاملة بالصحراء؟
غريب أمر هذه المحكمة…
تشتغل بطريق انتقالية.. ونتجاهل المعطيات الواضحة والجلية،
فإذا كانت تقصد بالصحراويين ساكنة محتجزات تندوف، فعليها أن تتحدث عن صحراء تقع في صلب التراب الجزائري.. وأن الاتصال بهم يقتضي استعمال المعرف الهاتفي الدولي 00213..
أما الصحراء المغربية، وباعتراف دولي، فالاتصال يتم عن طيق المعرف الهاتفي الدولي 00212..
هههه.. 00213 هو المعرف الهاتفي الرسمي للجزائر التي تدعي أنه لا علاقة لها بالقضية.
خامسا: “الجَّبْهَه” وليس “الجَبْهَة
وأخيرا.. أتساءل.. كيف يمكن وضع جهتين لا يمكن أن تكون لإحداهما إلا جزءً من الأخرى..
المحكمة تتحدث من جهة أولى عن “دولة”..
ومن جهة أخرى عن “جبهة”..
وهذا منطق قانوني لا يستقيم ابدا..
والشخصية القانونية للدولة المغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم التعامل معها بنفس التعامل مع “جبهة” إلا إذا كان المقصود هو “الجَّبْهَه” وفق الدارجة المغربية.. فذاك أمر مفهوم.
خلاصة..
محكمة قضائية تبني حكمها على اعتبارات سياسية..
معناه فقط أن القاضي تحول لرجل سياسية..
وهذه مسألة ناضل مؤسسو الديمقراطية الغربية بمحاربتها..
فالقاضي يعتد فقط بالقانون..
ولرجال السياسة سياستهم.. وليس من الضروري أن يبحثوا عن تغطية قانونية..
لقد أحسن المغرب صنعا بعدم إيلاء هذا الموضوع أية أهمية..
فهو بين أطراف لا يعد المغرب أحدا منها.
بنيونس المرزوقي، باحث في القضايا الدستورية والسياسية