حرائق جبال القدس: أزمة بيئية تخرج عن السيطرة وإسرائيل تستنجد بالمساعدة الدولية

اندلعت حرائق ضخمة في جبال القدس المحتلة يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، وتحديدًا في المناطق الحرجية غرب المدينة، مما تسبب في أزمة بيئية خطيرة دفعت السلطات الإسرائيلية إلى طلب مساعدة دولية عاجلة للسيطرة على النيران. هذه الحرائق، التي وُصفت بأنها “خارجة عن السيطرة”، أثرت على عدة بلدات ومستوطنات، وتسببت في إجلاء السكان، إغلاق طرق رئيسية، وإصابة عدد من رجال الإطفاء.

تفاصيل الحادث

بدأت الحرائق بالقرب من مستوطنة موشاف تاروم، ثم امتدت بسرعة إلى مناطق مثل إشتاؤول، بيت مئير، مسيلات تسيون، وبيت شيمش، مدفوعة بظروف جوية قاسية تشمل رياحًا قوية ودرجات حرارة مرتفعة. النيران التهمت آلاف الدونمات من الأراضي الحرجية، وتسببت في إغلاق الطريق السريع رقم 38، وهو شريان رئيسي يربط المنطقة بالقدس، بالإضافة إلى تعليق حركة القطارات في بعض المناطق.

وفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، تم إخلاء عدة بلدات تقع على بعد حوالي 20 كيلومترًا غرب القدس، بينما عملت أكثر من 110 فرق إطفاء، مدعومة بـ11 طائرة إطفاء وطائرة هليكوبتر، على احتواء النيران. لكن قائد خدمات الإطفاء في منطقة القدس، شموليك فريدمان، أقر بأن الوضع “ليس تحت السيطرة”، مشيرًا إلى انتشار الحرائق عبر عدة قطاعات، بما في ذلك اختراق النيران للطريق السريع رقم 1 وسكة حديد “صهيون”. نتيجة لذلك، أصيب 9 من رجال الإطفاء بجروح طفيفة، إلى جانب مدنيين آخرين.

طلب المساعدة الدولية

أمام تفاقم الوضع، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليمات للمسؤولين بفتح قنوات اتصال مع اليونان ودول أخرى للحصول على مساعدة دولية. هذا القرار جاء بعد تقييم الوضع في مركز القيادة، حيث أكد نتنياهو ضرورة الاستعداد لأي سيناريو، بما في ذلك حماية الطريق الحيوي بين ميفاسيريت والقدس. وأشارت تقارير إلى أن اليونان وقبرص كانتا من بين الدول التي عُرضت عليها المساعدة في وقت سابق لحرائق مماثلة عام 2021، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت طائرات إطفاء دولية قد وصلت فعليًا بحلول 30 أبريل 2025.

سياق تاريخي وانتقادات

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها المنطقة حرائق ضخمة. فقد شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة حرائق واسعة في أعوام 1989، 1995، 2010، 2016، 2021، و2023، تسببت في خسائر مادية كبيرة وتعطيل الحياة اليومية. لكن حرائق 2025 تميزت بشدتها وسرعة انتشارها، مما كشف عن هشاشة الاستعدادات الإسرائيلية لمواجهة الكوارث البيئية.

من ناحية أخرى، أثارت الحرائق جدلًا سياسيًا وبيئيًا. فقد كشفت حرائق سابقة في جبال القدس، خاصة عام 2021، عن معالم القرى الفلسطينية المهجرة عام 1948، مثل المدرجات الزراعية التي طُمست تحت غابات مزروعة بأشجار الصنوبر والسرو من قبل الصندوق القومي اليهودي. هذه الأشجار، التي زُرعت لتغطية آثار القرى الفلسطينية، تُعتبر قابلة للاشتعال بسهولة بسبب طبيعتها وتكيفها الضعيف مع المناخ شبه الجاف، مما يفاقم مخاطر الحرائق في ظل التغير المناخي.

انتقد باحثون فلسطينيون، مثل جوني منصور، السياسات الإسرائيلية التي ركزت على التشجير لأغراض سياسية بدلًا من اعتماد أنواع نباتات محلية أكثر مقاومة للجفاف والحرائق. كما أشاروا إلى أن هذه الحرائق تكشف ليس فقط عن التحديات البيئية، بل أيضًا عن التاريخ المطموس للمنطقة، مما يعيد فتح النقاش حول النكبة الفلسطينية وآثارها.

وجهة نظر: تحديات بيئية وسياسية متشابكة

تُظهر حرائق جبال القدس 2025 تفاقم التحديات البيئية في المنطقة، حيث يلعب التغير المناخي، الجفاف، والرياح القوية دورًا رئيسيًا في زيادة شدتها. لكن الأزمة تتجاوز البعد البيئي لتكشف عن إخفاقات في التخطيط والاستعداد للكوارث، فضلًا عن تداعيات سياسية عميقة. فالاعتماد على أشجار قابلة للاشتعال في مناطق معرضة للجفاف يعكس سوء تقدير بيئي طويل الأمد، بينما يبرز طلب المساعدة الدولية حجم الضغط الذي تواجهه السلطات الإسرائيلية في إدارة الأزمات.

من جهة أخرى، تُعيد الحرائق فتح ملف الحقوق التاريخية للفلسطينيين، حيث كشفت النيران عن بقايا قراهم المهجرة، مما يعزز الرواية الفلسطينية حول النكبة البيئية والثقافية. هذا السياق يجعل الحرائق أكثر من مجرد كارثة طبيعية، بل رمزًا للصراع المستمر على الأرض والهوية.

حرائق جبال القدس ليست مجرد أزمة بيئية عابرة، بل انعكاس لتحديات معقدة تجمع بين سوء الإدارة البيئية، التغير المناخي، والصراع السياسي. طلب إسرائيل للمساعدة الدولية يعكس حجم الكارثة، لكنه يثير أيضًا تساؤلات حول قدرة السلطات على مواجهة أزمات مماثلة مستقبلًا. وبينما تستمر جهود الإطفاء، تظل المنطقة تحت وطأة تداعيات بيئية وتاريخية قد تستغرق سنوات لمعالجتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى