كي لا ينفذ رصيدُنا من الطيبين

الطيبون أشخاص لطفاء، وهم في العادة غير متطلبين، أي لا يطلبون منا الكثير لأنفسهم، وعلى العكس من ذلك، هم يفعلون لنا أشياء عديدة تجعل حياتنا أسهل.. وهنا تكمن المفارقة: فلأن الطيبين غير متطلبين، فإننا لا ننتبه إليهم وإلى حاجياتهم في الغالب.. ويبقون دائما مصدر عطاء، حتى أننا قد نغضب منهم إذا توقفوا لحظةً ما عن تقديم خدماتهم لنا، ولا ننتبه إلى أنهم أيضا يحتاجون إلى رعاية ويستحقون منا الدعم والعناية.
أما على المستوى الاجتماعي، فالطيبون ينشرون الخير والإيجابية في المجتمع، لكن تكرار حالات الجفاء والغباء التواصلي والعلائقي، قد تصيب الطيبين بالإحباط.. لذا رجاءً، لنحافظ على رصيد المجتمع من الطيبين:
حينما تتقاطع سيارتان في ممر ضيق، ويتطوع سائق طيب للوقوف، والسماح للآخر بالمرور، فمن العيب المرور بلا مبالاة وكأنك صاحب حق مشروع، بل ينبغي على الأقل شكر السائق الطيب بإشارة يد وابتسامة، وإلا فأنت تشجع السائق الطيب على عدم التنازل والتعاون مستقبلا!
حينما تسير في الطريق، وتلاحظ سائقا آخر في طريق جانبي يحترم حقك في الأسبقية، وينتظر مرورك ليلج الطريق، فمن العيب عليك ألا تشغل إشارة الانعطاف، لأنك لا تتخيل حجم إحباط السائق الآخر، الذي احترمك وانتظر مرورك مطولا، لكنك تجعل انتظاره بلا معنى حينما تستدير بكل أنانية. فحينما لا تشغل إشارة الانعطاف فأنت تحث السائق الآخر الطيب على عدم احترام الأسبقية مستقبلا!
حينما يكون لديك زميل في العمل، متساهل ومتعاون إلى أبعد الحدود، ينوب عنك أو يقبل ما تستثقله من أعمال بصدر رحب، و”بسهولة”، فذلك شخص طيب.. لكننا مع الأسف، نبدأ في التعامل معه باستسهال، ولا ننتبه إلى مقدار الأعباء التي يتحملها عنا، حتى أننا قد نرفض له طلبا بأنانية إذا ما لجأ إلينا… حينما لا نقدر ذلك الزميل، ولا نشكره، ولا نكافئه من حين لآخر ببعض التمييزات الإيجابية، فكأننا، نطلب منه أن يتوقف عن كونه طيبا!
الطيبون في المجتمع هم رصيد حيوي، هم الجار الذي يضع في كل مرة فاتورتي استهلاك الماء والكهرباء أسفل بابك، هم أختك التي تجمع وراءك كل الفوضى التي تخلفها في غرفتك وترتب فراش نومك المبعثر وتجد غرفتك مرتبة كلما عدت إليها، هم الجار الذي يسارع إلى التقاط القمامة في مدخل العمارة السكنية أو المصعد بكل تلقائية ولا ينتظر موعد عاملة التنظيف بعد أسبوعين أو ثلاث لتقوم بجمعها، هم السائق الذي يتوقف لكل راجل يريد عبور الطريق، هم الشخص الذي يعطي دوره تلقائيا لكل شيخ أو مريض أو امرأة أو متعجل، هم الشاب الذي ينبهك إلى أنك تركت نافذة سيارتك مفتوحة، هم الشخص الذي يراك حائرا في بهو إدارة عمومية فيشاركك خبرته المتواضعة ويرشدك إلى المكتب المسؤول دون أن تطلب، هم المرأة التي تأخذ حلوى طفلها وتقسمها نصفين لتمنح أحدهما إلى طفلك في الحديقة العمومية…
الطيبون كثر، لكننا لفرط غباء أنانيتنا لا ننتبه إليهم، ولا نعي أن مجتمعا بلا طيبين، هو أقرب إلى غابة يسودها التنافس والصراع، والعيش في مجتمع بلا طيبين عيش متعب جدا وغير آمن وصعب..
ينبغي أن نتخلى عن البلادة الاجتماعية، ونتعلم رؤية الخير والطيبوبة في حياتنا اليومية، ونتعود على شكر الطيبين، كي نستطيع أن نحافظ عليهم..
عزيزي الأناني، يا من تعتبر الانتهازية والمصلحية ذكاء وشطارةً؛ لا نطلب منك أن تتخلى عن أنانيتك، وتصبح شخصا طيبا، نرجو منك فقط أن تكون أنانيا لطيفا، وتشكر الطيبين، حينها يمكنك أن تستمر في استغلال طيبوبتهم، لكنك على الأقل ستحافظ للمجتمع على رصيده من الطيبين، الذي يجعلون الحياة فيه أفضل وأسهل.

  • الدكتور هشام مكي استاذ بالمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير -فاس-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى