عناوين كثيرة ما أن تبدأ حتى تختفي …

الدار البيضاء – حميد عزيز

أخبرني صديق أثق كثيرا في قدرته على القراءة والتحليل.. وسبق له أن خاض تجربة النشر، أنه مستعد لإصدار مجلة فكرية ثقافية.. وأن مشكلته الوحيدة هي التمويل.. وللتمويل ألف حكاية وحكاية..لأنه أصبح مرتبطا في أحيان كثيرة بالريع..
ولأننا شعب لا يقرأ، يصبح الدعم ضرورة ،ويصبح المثقف بين فكي كماشة، إما أن يقبل بالدعم المشروط ليستمر.فينعت ساعتها ببيع ضميره وخيانة نفسه والتنازل عن استقلاليته، أو يختفي تماما من ساحة النشر حفاظا على ماء الوجه.
مشكلة المثقف الحقيقية ليست فقط مع مؤسسات الدولة، إنها أيضا مع مجتمع تستغرقه مشاكل الحياة المادية، ولا يضع الثقافة ضمن “مشروعه” الكفاحي من أجل حياة أفضل. وكان الشاعر الجميل والإعلامي المتميز ياسين عدنان قد أوضح في مقال له “نفاق” الجماهير التي لا تتذكر المثقف إلا في الأزمات. حيث يطلب منه اتخاذ موقف لصالحها. لكنها تتجاهل منتوجه بالمطلق في غير ذلك. وكنت قد حاورته في مقال نشر على موقع أضواء ميديا، مذكرا بأنه إن كان ضحية التجاهل والتهميش، فالجمهور أيضا ضحية التجهيل والتيئيس. كلاهما ضحية بالفعل، لكن وضع المثقف مختلف، لأن قدره أن يكون في طليعة الحرب على أسباب التهميش والتجهيل، وأن يقود الجمهور إلى الوعي بشروط واقعه. قدره أن يصارع على كل الواجهات، لأنه يمتلك من الأدوات ما لا يمتلكه غيره.
مشكلة أخرى تواجه النشر في المجال الثقافي.. إنها مشكة الرقمنة التي أصبحت منافسا شرسا للمنشور الورقي. لكنني أعتقد أن الأمر هنا أيضا مرتبط بخصوصية الوعي الجماهيري في تعامله مع هذا المستجد التقنوي. وإلا فكيف نفسر حفاظ العالم المتطور على مستوى مقبول من المقروئية الورقية إن جاز التعبير، وهو الذي يتجاوزنا بمراحل في عالم الرقمنة إنتاجا وممارسة.. هي إذا واجهة أخرى على المثقف الخوض فيها لتعرية ما يعتريها من مغالطة أو عدم فهم وإدراك.
هذه مجرد ومضات فرضت نفسها وأنا أبحث في ارشيفي الورقي. لأعثر على هذا الكنز الذي كان.
تحية للمثقف الذي ظل يحاول وبجتهد، والذي ليس من طبعه ولا من وظائفه أن يرفع الراية البيضاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp