العودة إلى الذات

عبد السلام المساوي
1_ هاته النقمةالعالمية المسماة كورونا أتتنا على حين بغتة ، ولم نتوقعها ، لكنها حملت عديد النعم في طياتها ، وأعادت الينا كثيرا من الإيمان بأن العودة إلى المرتكزات الأولى ، الأساسيات ، البديهيات هو ما كان ينقصنا في جرينا الحثيث نحو اللاشيء ونحو الوهم الذي نمسك به ابدا في العادي وفي سابق الأوقات .
نسينا أنفسنا أو كدنا فأعادنا هذا المرض إلى التذكير القاسي بضرورة الاهتمام اولا بالذات والاشتغال عليها .
نعم ، هي نقمة عالمية ، نعم هو وباء كبير وابتلاء صعب للغاية ، لكنه في الوقت ذاته درس رائع وبليغ أهدته لنا الحياة ، في لحظة خاصة من نوعها سيتذكرنا بها كل من سيأتون بعدنا ، وهم يقولون على سبيل الحكي اللامفر منه ” في سنة 2020 مر وباء عالمي على الكرة الأرضية ، هذا ما حدث فيه ، وهذا ما وقع . “
وسط كل هذا الرعب الذي ينشر أجنحته الخرافية على العالم ، هناك فرصة وهبتها لنا هذه التجربة القاسية ، وهي أن نخلو الى أنفسنا ونجلس مع ذواتنا ، ونطرح أسئلة أعمق من أسئلة الأيام العادية ، أو لنقل أننا في الحجر الصحي أصبحنا مضطرين لمواجهة الأسئلة التي عادة ما نجيب عنها بالهروب منها . انها مخاطرة ، والامتحان يومي للناس في علاقتهم بواقعهم وأسرهم وبانتمائهم ، وبمدى أهمية أهدافهم التي يكرسون حياتهم للجري وراء تحقيقها .
2_ تذكرنا في أيام العزلة هاته أن لدينا كتبا مرمية على رفوف يعلوها غبار مثير . لم نعد نشغل بالنا بقراءة اي شيء ، طالما أن أحدا أو جهة ، أو احساسا وهميا ، أخبرنا أن القراءة لم تعد ذلك الشيء المهم ، المقدس الحيوي ، الضروري ، اللابد منه ، مثلما علمنا القدامى ، وأنه من الممكن تعويضه بكثير التفذلك الفارغ ، وترديد العبارات الساذجة والغبية ، التي نطالعها في مواقع اللاتواصل الاجتماعي وكفى …
لم يعد لنا قبل أو قدرة ان نرى تلك التفاهات ، التي كانت نشغل بها وقتنا العابر الماضي . لم نعد قادرين ان نبتسم للسخافة هنا ، أو للتفاهة هناك .
فهمنا او نفهم الآن أن الحياة أثمن من أن تضيعها وأنت تتابع معتوهين ومرضى نفسيين يصفون حسابهم مع الوقت على الأنترنيت ، وأن هناك أشياء أهم في الدنيا لابد من الانتباه اليها وايلائها الأهمية القصوى قبل أن يفوت الأوان .3_هذا الظرف الاستثنائي ، العصيب والعسير ، نتمنى أن يكون مؤقتا ، نضعه بين قوسين لنرفع القوسين في القريب العاجل ، القريب الذي يبشر بالانفراج ، القريب الذي يتكلم لغة الأمل والحياة، سننتصر اذا اردنا ، سننتصر فمفتاح مقاومة الوباء بأيدينا ، واذا لم ننضبط للتعليمات ولم نلتزم بالتوجيهات فوجودنا سيصبح عدما …من الشيء الى اللاشيء ، وفي أحسن الحالات ، الى شيئية المعدوم…
هذا الظرف الأليم ، لحظة انطولوجية ، لحظة فارقة بين الوجود والعدم ، بين الحياة والموت …انها فرصة للتأمل …للعودة إلى الذات …للرجوع إلى الأنا في علاقته بالأنا وب ” النحن ” …لست وحيدا في هذا العالم ؛ انا في ومع ؛ أنا في العالم ، في الوطن ، في المجتمع …ومع الغير الذي هو أنا الذي ليس بأنا…
اذن هي فرصة للعودة إلى الذات ، لمحاورتها والتواصل معها ، للخروج من عزلة الأنا ، سبر أغوارها ، وفتح ابوابها التي كانت موصدة في وجهي زمن التيه …أريد الان ، والان أكثر من أي وقت مضى الولوج إلى داخلها لأصارحها وأتصالح معها…
أريد أن أكسر الجدار الذي يفصل بيني وبينها …أريد أن أعي ذاتي بالخروج من حالة الاغتراب والاستلاب …
اذن ، سأحج الى سكني …سأحج الى أناي …سأقطع مع التيه …وأبقى في تواصل مع الغير الصديق …تواصل بدون سلام ولا عناق …سنتواصل بغير المباشر …سنتواصل من بعيد …البعد المكاني والقرب الوجداني …البعد الجسدي والقرب الفكري…سنلتقي ذهنيا ونتصافح عاطفيا ، وكل في سكنه….
4_ كما الأفراد في منازلهم يتأملون ، فإن على الدولة أيضا أن تتأمل ، وأن تطرح على نفسها الأسئلة التي تهرب منها باستمرار . أمام الموت المحدق بنا في الفضاء العام ، ألا يسخر منا الزمان حين نرى كيف كنا نقيم مباريات التخوين والخوف من النخب الصادقة أو التماطل في الإصلاحات السياسية والتمكين للوصوليين بدعوى الولاء وتأبيد الانتقال ؟ ما الذي جرى في هذه البلاد حتى ضعفت الأحزاب واضمحلت النقابات وترهل المجتمع المدني وعلا صوت التفاهة والزعامات المفبركة ؟
هذه أسىئلة إستنكارية ، والجواب معروف ، واذا كان هناك من درس يجب استخلاصه من كورونا ، مهما كانت نتائج الحرب الضروس معها ، فهو أن المغرب يستحق قسمة أكثر عدلا ، ويستحق المواطنة والكرامة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى