” من أجل حفظ الذاكرة الجماعية وإنصاف المغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 “

كلمة السيدة آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

في الندوة الوطنية

” من أجل حفظ الذاكرة الجماعية وإنصاف المغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 “

من تنظيم جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر

7يوم  أكتوبر 2023

بالمكتبة الوطنية بالرباط

أود في البداية ان اشكر المنظمين على دعوة المجلس الوطني لحقوق الانسان لهذه الندوة الوطنية الهامة التي تتناول قضية إنسانية أليمة  تهمنا جميعا كمغاربة خصوصا  ونحن على مشارف نصف قرن على مأساة المغاربة ضحايا الطرد التعسفي والتهجير القسري من الجزائر عام 1975. إلا انه للأسف،  ولالتزامات طارئة لم أتمكن من الحضور الشخصي ويمثل المجلس،  السيد بلغزال عبد المجيد، الذي يتابع هذا الملف عن قرب

حجم المأساة ليس بالهين : الطرد الجماعي والترحيل التعسفي طال حوالي 45 ألف أسرة مغربية أي ما يناهز 350 ألف ضحية حيث تم ترحيلهم من قبل السلطات الجزائرية   نحو الحدود المغربية ، شهرا واحدا  بعد للمسيرة الخضراء

حجم الصدمة النفسية لضحايا هذا الطرد كان صادما  وقويا ، ولازال لحد الان، وفق العديد من الشهادات والمعطيات ،  يعاني ضحاياه من التبعات ، إن الطرد الجماعي  لهولاء الالاف من المغاربة ، هو بالتأكيد ،  خرق واضح ، لبس فقط ، لقيم حسن الجوار وكل الأعراف الإنسانية وبل والأكيد اللقوانين الدولية والوطنية .

رُحلت عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والمرضى ، دون  سابق إشعار واحترام لكرامتهم ، و حسب الشهادات،  قامت السلطات الجزائرية بفصل الزوج عن زوجته والزوجة عن زوجها والأطفال عن أمهاتهم وآبائهم وتشتيت آلاف الأسر،

إنها  مأساة حقيقية، آلام وندوب  وجراح غائرة لازمت   أغلبية الضحايا طيلة سنوات عدة ، و ما تزال تلازم من بقي قيد الحياة أو ذويهم  . ما يزالوا يتذكرون ويصرون على التذكر في كل مناسبة على واقعة الترحيل الاجباري اوما يطلقون عليه “المسيرة الكحلة ” ( المسيرة السوداء) مؤكدين ومتشبثين بواجب حفظ الذاكرة وعدم النسيان.

نحن أمام ملف حقوقي بامتياز، انتهك فيه ، أواخر 1975، حقوق الالف المواطنين والمواطنات ،  بشكل  ممنهج ومكثف ،.من الواضح أن هذه الانتهاكات تشكل مسا خطيرا  بحياتهم وسلامتهم الجسدية واحتجاز ممتلكاتهم  وحرمانهم من ابسط الظروف الإنسانية للتنقل

إن مرور ما يناهز نصف قرن على وقوع مأساة الطرد الجماعي التعسفي والترحيل الاجباري  ووفاة الكثير من عاشوا أو عايشوا تلك اللحظات الأليمة من جيل الآباء و الأمهات، يهدد بضياع ذاكرتهم الجماعية، وهي فرصة لتخليد وحفظ ذكرى من رحلوا إلى دار البقاء وإعادة الاعتبار لهم.  ولكنها أيضا لحظة للتفكير الجماعي – خصوصا من قبل فعاليات المجتمع المدني ذات الصلة بالقضية –  في ابتكار إستراتيجية للترافع الناجع وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان واعمال السبل القانونية والقضائية والحقوقية الممكنة قصد إنصاف الضحايا وذويهم وجبر الضرر المادي والمعنوي بل وتقديم اعتذار عن ما تعرضوا له وما عانوا منه جراء هذا الطرد الجماعي.

 فعلا إن لاإنسانية الظروف والشروط الحاطة بالكرامة والتي رحلوا فيها قسرا  هؤلاء الضحايا ، عمق الجراح وحدة الآلام ومن التداعيات القاسية اللاحقة لترحيل  على الأفراد والعائلات وعلى أوضاعهم الاجتماعية والعائلية  والنفسية ، عديدون هم من  كان عليهم أن يبدأوا  حياة جديدة ومن الصفر ، وعانى الكثيرون والكثيرات منهن  من صدمات نفسية جراء فقدان مصدر عيشهم  أو ممتلكاتهم والمعاناة من التشتت العائلي وعدم تقبل ما جرى  ولماذا جرى  .

ومنذ أبريل 2010 أصبحت قضية المغاربة المرحلين قسرا من  الجزائر،  محل تداول ونقاش في أروقة الأمم المتحدة وعبر اللجن التعاقدية وبالخصوص اللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم والتي أقرت بجسامة الأضرار التي تعرض  لها المغاربة المرحلين، وأوصت السلطات الجزائرية ب :

–   اتخاذ كل التدابير اللازمة لاسترداد الممتلكات  (…) وتعويضهم بشكل منصف ومناسب وفقا للمادة الخامسة عشر من الاتفاقية الدولية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم ، 

– اتخاذ التدابير اللازمة لتيسير وتسهيل تجمع المطرودين مع عائلاتهم بالجزائر ” .

اظن ان  تكثيف الجهود وتوحيد المبادرات لتحقيق مزيد من التفاعل الدولي والجهوي عبر الترافع في المنتديات الدولية ، وفضلا عن الدور الريادي الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني ، لا بد من الانتباه إلى الدور الهام الذي يمكن أن تسهم به مراكز البحوث والمؤسسات  الجامعية عبر التوثيق والبحث لتوفير المعطيات المتعلقة بالموضوع وذلك لتمكين وتسهيل عمل وترافع كل المتدخلين المعنيين ومنحهم رؤى وإمكانيات أكبر للدفاع عن الضحايا .

نحن على وعي بصعوبة التئام الجراح الغائرة وتصالح الذوات الممزقة والهويات التائهة مع نفسها ،  لذا من الضروري تدوين وتوثيق هذه الصفحات الأليمة من التاريخ الراهن للمغاربة، عبر الحفر في ذاكرة المطرودات والمطرودين وذويهم والكشف عن ظروف طردهم وما قاسوه خلال الطرد وبعده، مع التركيز على توثيق تواتر الانتهاكات وحجمها ونطاقها وضرورة مراعاة مقاربة النوع لجسامة تأثير الطرد التعسفي وما صاحبه من انتهاكات على الحقوق الإنسانية للمرأة.

إن الهدف والغاية من ذلك هو نقل الكارثة الإنسانية  للتهجير القسري،  للمغاربة من الجزائر عام 1975،  إلى حيز المعرفة العلمية الاجتماعية والتاريخية والحقوقية الموثقة. وبذلك يتم ترميم جزء من هذه الذاكرة التي تتقاطع فيها مؤشرات ودلالات عديدة

ونحن نقترب من مرور نصف  قرن على وقوع هذه المأساة هي فرصة ومناسبة جديدة للتأمل والتفكير في معنى هذا الحدث المأسوي ، في مختلف جوانبه وعناصره الحقوقية، الإنسانية،  والذاكراتية والاجتماعية، إننا أمام ملف حقوقي وإنساني بامتياز ،

شكرا لدعوتكم للمجلس الوطني لحقوق الانسان وسنكون منتبهين لما سيتم اثارته من جوانب تمككنا من دعم متابعتنا بمعطيات متجددة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى