المخطط الاستراتيجي للإصلاح القضائي: رؤية شاملة لعدالة حديثة ومنصفة بالمغرب

تم اليوم، الإثنين 16 شوال 1446 هـ، الموافق 14 أبريل 2025، بمدينة جرادة تنظيم الحفل الرسمي لافتتاح المحكمة الابتدائية، تحت اشراف الوكيل العام للملك الأستاذ مصطفى اليرتاوي. وهو حدث بارز يعكس التزام المغرب بمواصلة إصلاح منظومته القضائية.
وموضوع “الإصلاح القضائي” في المغرب كمشروع تحولي شامل يهدف إلى تحديث المنظومة القضائية وتعزيز كفاءتها واستقلاليتها وقربها من المواطنين. يُبرز النص المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية كأداة رئيسية لتنفيذ هذه الإصلاحات، مع الإشارة إلى أهدافه، آلياته، والتحديات التي تواجهه. فيما يلي بعض معالمه، مع التركيز على تفاصيل المخطط الاستراتيجي مدعومة بمعطيات إضافية لتوضيح السياق.
1. سياق المخطط الاستراتيجي
يندرج المخطط الاستراتيجي للإصلاح القضائي ضمن رؤية إصلاحية أطلقها الملك محمد السادس بخطابه في 20 غشت 2009، والذي دعا إلى إعادة هيكلة المنظومة القضائية لتلبية تطلعات المواطنين. هذا الخطاب شكّل نقطة انطلاق لمسار تشريعي ومؤسساتي، عززه دستور 2011 الذي كرس استقلالية السلطة القضائية، وتبعه ميثاق إصلاح منظومة العدالة في يوليوز 2013، الذي وضع إطارًا تنظيميًا للإصلاحات. يُعد المخطط الاستراتيجي، الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ترجمة عملية لهذه الرؤية، حيث يهدف إلى تحقيق أهداف ميثاق 2013 من خلال برامج محددة ومؤشرات أداء قابلة للقياس.
يستمد المخطط أهميته من الحاجة إلى تجاوز التحديات التي كانت تواجه القضاء المغربي، مثل بطء الفصل في القضايا، نقص الموارد البشرية، وضعف الثقة العامة في بعض الأحيان بسبب قضايا الفساد. وفق تقرير للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (2022)، بلغ عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم حوالي 3.37 مليون قضية سنويًا، مما يبرز الحاجة إلى استراتيجية شاملة لتحسين النجاعة.
2. تفاصيل المخطط الاستراتيجي
أ. الأهداف الرئيسية
وخلال التنصيب تم تحديد أهداف رئيسية للمخطط الاستراتيجي، تتمحور حول تحديث القضاء، تعزيز نزاهته، وتقريبه من المواطنين. يمكن تلخيص هذه الأهداف كما يلي:
- توطيد استقلالية القضاء: يهدف المخطط إلى ضمان استقلال القضاة عن التأثيرات الخارجية، سواء السياسية أو الإدارية، من خلال تعزيز دور المجلس الأعلى في تعيين القضاة وتأديبهم. هذا الهدف يتماشى مع الفصل 107 من دستور 2011، الذي ينص على استقلالية السلطة القضائية.
- تخليق المنظومة القضائية: يركز المخطط على تعزيز الشفافية والنزاهة عبر آليات رقابة صارمة، مثل المفتشية العامة للشؤون القضائية، التي أُحدثت بقانون 21-38 لعام 2021. وتشير تقارير المجلس إلى أن عدد الشكاوى المتعلقة بالفساد انخفض بنسبة 10% بين 2020 و2023 بفضل هذه الآليات.
- تعزيز الكفاءة والنجاعة: يسعى المخطط إلى تقليص مدة البت في القضايا من خلال تحسين إدارة المحاكم وزيادة عدد القضاة، حيث تم تعيين حوالي 600 قاضٍ جديد بين 2018 و2023. كما يشمل الهدف تسريع تنفيذ الأحكام، حيث كانت نسبة التنفيذ في 2011 حوالي 85.72% من القضايا المحكومة.
- تقريب العدالة من المواطنين: يهدف المخطط إلى توسيع شبكة المحاكم، خاصة في المناطق النائية، كما يتجلى في إنشاء المحكمة الابتدائية بجرادة. ووفق إحصاءات وزارة العدل، تم إحداث 15 محكمة ابتدائية جديدة بين 2015 و2023 لتخفيف الضغط على المحاكم الكبرى.
- حماية الحقوق والحريات: يركز المخطط على تعزيز حماية الفئات الهشة، مثل النساء والأطفال، من خلال تفعيل قوانين مثل 103-13 لمحاربة العنف ضد النساء، وتعديلات مدونة الأسرة المرتقبة بحلول 2025.
- تحديث الإدارة القضائية: يشمل المخطط اعتماد الرقمنة، مثل منصة “المحكمة الرقمية”، التي مكّنت من تقديم 30% من الشكاوى إلكترونيًا بحلول 2023، وتفعيل المحاكمة عن بُعد، التي عالجت 349,909 قضايا بين 2020 و2021.
ب. الآليات التنفيذية
يستند المخطط إلى آليات تنفيذية محددة لتحقيق أهدافه، وتشمل:
- تعزيز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية: يتولى المجلس مسؤولية وضع السياسات، تعيين القضاة، ومراقبة الأداء. ووفق الموقع الرسمي للمجلس، يشمل المخطط برامج تكوين مستمر للقضاة، حيث تم تدريب أكثر من 2,000 قاضٍ بين 2019 و2023.
- تطوير البنية التحتية: خصصت وزارة العدل استثمارات بقيمة 1.5 مليار درهم بين 2016 و2023 لتجديد المحاكم، بما في ذلك تأهيل مبنى محكمة جرادة، مما يعزز جودة الخدمات المقدمة.
- الرقمنة: أُطلق المخطط التوجيهي للتحول الرقمي في 2020، ويشمل منصات مثل السجل العدلي الإلكتروني وبوابة طلبات الزواج عن بُعد، التي بدأت في محاكم الدار البيضاء وسلا وتُعمم تدريجيًا.
- إصلاح التشريعات: يتضمن المخطط مراجعة قوانين مثل المسطرة المدنية والجنائية لتتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أكد وزير العدل في يناير 2025.
- التعاون التشاركي: يعتمد المخطط على التنسيق بين القضاة، المحامين، المفوضين القضائيين، والسلطات المحلية لضمان تنفيذ سلس، مع إشراك المجتمع المدني في مراقبة الأداء.
ج. مؤشرات الأداء
لقياس نجاح المخطط، يعتمد المجلس على مؤشرات أداء، مثل:
- تقليص متوسط عمر القضية من 6-12 شهرًا إلى أقل من 6 أشهر بحلول 2027.
- زيادة نسبة الأحكام المنفذة إلى 95% بحلول 2030.
- تعميم الخدمات الرقمية على 80% من المحاكم بحلول 2025.
- زيادة عدد القضاة بنسبة 20% بحلول 2030، ليصل إلى حوالي 5,400 قاضٍ.
3. الفاعلون في تنفيذ المخطط
يُشرف الملك محمد السادس على توجيه المخطط، مع دور مركزي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في التنفيذ. رئاسة النيابة العامة تساهم بإصدار توجيهات لتحسين استقبال المتقاضين وتسريع معالجة الشكاوى. وزارة العدل تدعم المخطط بتطوير البنية التحتية والرقمنة، بينما يُشارك المحامون، العدول، والمفوضون القضائيون في تيسير الإجراءات. النص يؤكد أن نجاح المخطط يتطلب تعبئة شاملة تشمل المجتمع المدني والمواطنين، مما يعكس نهجًا تشاركيًا لضمان الشفافية.
4. إنجازات المخطط
حقق المخطط تقدمًا ملحوظًا، كما يشير النص، منها:
- إنشاء محاكم جديدة، مثل محكمة جرادة، التي تخدم حوالي 150,000 نسمة وتقلل الضغط على محاكم وجدة وبركان.
- زيادة عدد القضاة والموظفين، حيث ارتفع عدد موظفي الكتابة العدلية بنسبة 15% بين 2018 و2023.
- تطوير الرقمنة، حيث أُطلقت منصات مثل السجل العدلي الإلكتروني، وتم عقد 18,962 جلسة محاكمة عن بُعد بين 2020 و2021.
- تحسين نسبة الفصل في القضايا، حيث ارتفعت إلى 90% في بعض المحاكم بحلول 2023.
5. التحديات
رغم الإنجازات، يواجه المخطط تحديات، كما يشير النص:
- البطء في تنزيل بعض التشريعات: على سبيل المثال، استغرق قانون التنظيم القضائي 38-15 (2023) سنوات من النقاش بسبب تباين الآراء.
- نقص الموارد: تحتاج المحاكم الجديدة إلى تمويل مستمر، حيث تُقدر تكلفة تشغيل محكمة ابتدائية متوسطة بحوالي 10 ملايين درهم سنويًا.
- مقاومة التغيير: بعض الهياكل التقليدية قد تعيق اعتماد الرقمنة أو المساطر الجديدة.
- ضرورة تعزيز الثقة: لا تزال قضايا الفساد الفردية، مثل تلك التي أُثيرت في بعض المحاكم، تؤثر على الصورة العامة للقضاء، رغم تراجعها.
6. دور محكمة جرادة في المخطط
يُبرز النص افتتاح المحكمة الابتدائية بجرادة كمثال عملي لتنفيذ المخطط. هذه المحكمة تُجسد هدف تقريب العدالة من المواطنين في إقليم عانى من تحديات اقتصادية بعد إغلاق مناجم الفحم. كما تتماشى مع استراتيجية تنمية جهة الشرق (2016-2025)، التي تهدف إلى تعزيز الخدمات العمومية. المحكمة تُسهم في تقليص مدة التنقل للمتقاضين وتعزز الأمن القضائي في المنطقة.
7. الرؤية المستقبلية
يُعد المخطط الاستراتيجي ورشًا مفتوحًا يتطلب تسريع التنفيذ، خاصة في مجالات:
- تعميم الرقمنة على جميع المحاكم بحلول 2027.
- مراجعة القوانين الجنائية والمدنية لضمان توافقها مع الالتزامات الدولية.
- تعزيز تكوين القضاة في المجالات الأخلاقية والتقنية، حيث تُخطط وزارة العدل لتدريب 1,000 قاضٍ إضافي بحلول 2026.
- توسيع العقوبات البديلة، التي ستُفعّل في غشت 2025، لتخفيف الضغط على السجون وتعزيز العدالة التصالحية.
على سبيل الختم
يُظهر المخطط الاستراتيجي للإصلاح القضائي بالمغرب طموحًا كبيرًا لبناء قضاء مستقل، فعال، وموجه نحو المواطن، مستندًا إلى التوجيهات الملكية ودستور 2011. من خلال أهدافه الستة الكبرى، التي تشمل التحديث، التخليق، وحماية الحقوق، يسعى المخطط إلى تجاوز تحديات القضاء التقليدي عبر آليات مثل الرقمنة، زيادة الموارد، وتعزيز التنسيق. إنجازات مثل إنشاء محكمة جرادة تعكس تقدمًا ملموسًا، لكن التحديات، كبطء التشريعات وضرورة تعزيز الثقة، تتطلب جهودًا مستمرة. المخطط، بتعبئته الشاملة للفاعلين، يُمثل ركيزة أساسية لتحقيق عدالة قريبة ومنصفة، مما يعزز مكانة المغرب كدولة حق وقانون.