على مدار ستة عقود الأطباء الصينيون يفوزون بحب الأهالي في المناطق النائية في المغرب

كانت مدينة سطات وسط المغرب ولا تزال تعرف طقسا شديد البرودة في الشتاء في أواخر فبراير. لكن داخل غرفة العمليات في مستشفى الحسن الثاني سطات، كانت الطبيبة الصينية تشو لونغ تتصبب عرقا خلال إجراء عملية ولادة قيصرية صعبة لسيدة كان مولودها عالقا في الحوض.

وبعدإجراء عملية الولادة المتعسرة، وجدت تشو أن المولود لا يبكي وقررت على الفور نقله إلى غرفة الطوارئ الخاصة بالأطفال حديثي الولادة. وعندما بكى الرضيع بعد إزالة السوائل من مجرى التنفس لديه، شعرت تشو وزملاؤها بالارتياح أخيرا.

وقالت تشو لوكالة أنباء ((شينخوا)) “لقد أجريت العديد من العمليات القيصرية التي كانت أكثر خطورة من هذه الحالة بكثير”، مشيرة إلى عدم التوعية بفحصوات ما قبل الولادة على نطاق واسع في البلاد.

ومنذ نصف قرن تقريبا، اكتسب الأطباء الصينيون، خاصة أطباء النساء والتوليد، سمعة طيبة بسبب مهنيتهم وتفانيهم في العمل في بعض المناطق النائية في المغرب، حيث تأتي العديد من النساء الحوامل من جميع أنحاء البلاد لطلب المشورة الطبية التي اشتهرت بالقرب منهن ورعايتهن في أثناء الولادة.

ومن بين جميع العمليات الجراحية، لا تزال عملية تشعر الطبيبة تشو بالقشعريرة ، وهي لمريضة تعاني من حالة تدلي الحبل السري.وتحكي تشو “كنت أقوم بفحص مهبلي روتيني لسيدة حامل عندما انزلق حبل سري طويل في يدي مثل سمكة زلقة. وما جعل الوضع أسوأ، هو حدوث تقلص عنيف في الرحم أدى إلى دفع رأس الطفل إلى الاسفل”. وكان على تشو الامساك برأس الطفل اثناء نقل المريضة الى غرفة العمليات حيث ولد الطفل وقلبه لا ينبض بعد إجراء عملية قيصرية طارئة، لكن الطبيبة نجحت في استعادة نبضات القلب بعد جولة من محاولات الضغط على القلب.

والأسوأ من ذلك أن التيار الكهربائي انقطع فجأة ما أدى إلى إغراق غرفة العمليات في ظلام دامس؛ حيث قد يكون هذا بمثابة كابوس لطبيب جديد، لكن تشو لم تصب بالذعر وأجرت عملية خياطة بطن الأم بهدوء تحت الضوء الخافت من الهاتف المحمول.

وبعد إجراء العملية، شعر الجميع بالارتياح، خاصة أسرة المريضة، الذين أعربوا عن خالص شكرهم للطبيبة الصينية المنهكة تماما.

لقد أصبحت تشو محبوبة لدى المرضى المغاربة بفضل عملها المتفاني، حيث يعبر البعض منهم عن امتنانه لها بتقديم وجبات طعام منزلية. وقالت تشو “أخبرتني إحدى المريضات بحماس أن جميع أطفالها الأربعة ولدوا على يد أطباء صينيين، وهذه المرة، اختارت المجيء إلى المستشفى بشكل خاص عندما كان هناك أطباء صينيون في الخدمة”.وتعد تشو عضوا في الفريق الطبي الصيني رقم 194 الذي ارسل الى المغرب.

ومنذ 1975 أرسل الى المغرب حوالي 1944 من الأطباء الصينيين من مدينة شانغهاي الصينية لتقديم المساعدة الطبية للمغرب. وحتى الآن، عالجوا 5.78مليون مريض في العيادات الخارجية وأقسام الطوارئ، بالإضافة إلى علاج 800ألف مريض داخلي بشكل إجمالي.

وبفضل مهاراتهم وأخلاقياتهم الطبية، أصبح الأطباء الصينيون أصولا لا تقدر بثمن لكل من المغاربة المحليين وزملاء العمل المغاربة، الذين يشيدون بهم لرعايتهم للمرضى بكل حب وتعليم زملائهم المغاربة المهارات دون تحفظ.

يزور أريحي معنان، وهو محاسب مغربي متقاعد يعاني من آلام في الكتف، الفريق الطبي الصيني المتمركز في مدينة المحمدية الساحلية غربي البلاد بشكل متكرر. فمن ذ عام 1992، يأخذ علاجات الوخز بالإبر بانتظام لتخفيف الألم. وبينماكان يمسك بدفتر ملاحظات قديم به سجل مفصل لعلاجات الوخز بالإبر والتدليك التي حصل عليها من الأطباء الصينيين على مدار الـ 30عاما الماضية، قال معنان ( 82عاما) في تصريحات لـ((شينخوا)) “إذا لم أكن راضيا عن العلاجات، فلن أواصل التردد على الفريق الطبي الصيني”.

وأضاف”لقد نصحت جميع المرضى من أصدقائي بالذهاب للعلاج بالطب الصيني التقليدي. يعاملني الأطباء الصينيون بحب والابتسامة تملأ وجوههم”.

كما تحتفظ فاطمة لعتيق، إحدى سكان مدينة سطات، بمجموعة من الصور التي التقطها أفراد عائلتها مع أطباء صينيين على مر السنين. فمنذ لقائها الأول بالأطباء الصينيين عام 1979في أثناء زيارة للمستشفى، تعاملت مع الأطباء الصينيين كأفراد أسرة أكثر من كونهم أطباء مهنيين. وفيتصريحات لـ((شينخوا))، قالت فاطمة “عندما بكيت من الألم بعد الجراحة، مسح طبيب صيني دموعي. الأطباء الصينيون يقومون بعمل رائع ونبيل. إنهم يعملون بقلوبهم، وهذا ما جعلني أحبهم لهذه الدرجة”.

قال عشيبات مصطفى، مدير مستشفى الحسن الثاني في سطات، والذي يعمل مع الفرق الطبية الصينية منذ 30عاما، إن إرسال الصين للأطباء أهم من تقديم المساعدات المادية للمغرب. وأضاف أنه “على الرغم من التحسن الملموس في النظام الصحي المغربي خلال الـ 30عاما الماضية، إلا أن العجز في الكوادر الطبية لا يزال مشكلة خطيرة يجب التغلب عليها”.

وقال عبد الوهاب بلمداني، مدير التخطيط والموارد الماليةبوزارة الصحة المغربية، إن الفرق الطبية الصينية تلعب دورا مهما في توفير الرعاية الصحية للمغاربة، خاصة في المناطق النائية. وقال “إنهم متجذرون في أماكن نائية، غالبا في المناطق الريفية والجبلية. جميعهم يقومون بعمل جيد ويسعدنا التعاون مع الفرق الطبية الصينية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى