عبد الصمد بنشريف: شبكات التواصل الإجتماعي تجردك من إنسانيتك وتسرق وقتك وتبرمج عقلك

اكتشفت عبر سنوات ومن منطلق التجربة أن منصات التواصل الاجتماعي ، وخاصة الفسيبوك ، تدفع الرواد من مختلف الاعمار والأجناس والفئات الى قضاء أكبر وقت ممكن في فضاءاتها ، وتشجع على استهلاك كل ما هو سطحي وغير مفيد ، وبالمقابل تطمس وتبخس كل مضمون ايجابي .

إن فريق الفيسبوك بقيادة Mark Elliot Zuckerberg، يحفز على  الإغراق في الامور الذاتية ونشر أي كلام و تفاصيل  عن الحياة الشخصية وشذرات تعبر عن حالة نفسية معينة، ومواقف تافهة وغامضة بلغة ركيكة ، تجاه قضايا حارقة.  الفيسبوك وغيره من الشبكات المتغولة تربح ملايير الدولارات  بسبب غبائنا وسذاجتنا وجهلنا وانبهارنا وهوسنا.

ولإبقاء الرائدات والرواد على تواصل دائم لا فكاك منه مع الفضاء الأزرق وغيره ، يقدم القيمون عليه بعض الخدمات الوهمية ، من قبيل تذكيرك بصورة أو حدث، أوعيد ميلاد أو صداقات نسجتها افتراضيا مع كائنات لاتعرفها . وتعتبر عملية التذكير  هذه ، خدمة ثمينة وعظيمة. فيسعد جزء كبير من الرواد ولا يترددون في التعبير عن جزيل الشكر لادارة الفيسبوك .

منذ مدة وأنا افكر في  خطورة هذا التسونامي الذي بلغ درجة متقدمة في تدمير الذكاء الطبيعي ، خاصة لدى الاطفال والمراهقين والشباب. وخلخلة العلاقات الاجتماعية بالعودة بها إلى المرحلة البدائية أو الدرجة الصفر . وإنتاج عدد من الامراض النفسية والأعطاب الذهنية.علما أن منصات التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها ومجالات نشاطها ، تعمل على تسويق نماذج اجتماعية سطحية، لا تنتج فكرة ولا موقفا ولا قيمة مضافة ، وتجتهد في تحويلها  إلى أمثلة يجب أن يقتدى  بها ، وتصبح حديث العامة. ولا تتردد شرائح واسعة من المراهقين والشباب في تقفي آثارها وتقليدها في كل شيء ، اقتناعا منها أو توهما أنهم أفضل ما أنتج المجتمع . أما من يفكر ويحلل ويفسر ويؤطر ويوجه ويكتب وينتج أفكارا بعد بذل مجهود  ذهني معتبر  ، فإن إدارات وخبراء منصات التواصل الاجتماعي في مختلف  التخصصات، يقفون بالمرصاد في وجه هذا النوع من النشاط ، لأنه منفر وغير جذاب وغير مربح بالمرة.

من هذا المنطلق ، وحتى إذا كانت هناك ضرورة قصوى وملحة،  يستحسن استغلال هذا الفضاء بشكل مغاير ، بما يجعل منه فعلا فضاء للنقاش البناء والتواصل، بعيدا عن تصفية الحسابات الصغيرة ، عبر إعتماد خطابات ولغات التعويم والتعميم وإشاعة الأحقاد ، وبعيدا عن نشر أخبار كاذبة و مغزضة ومضللة ومتحاملة. وبعيدا عن العدمية السوداء، والشعبوية الفجة ، والوطنية السطحية والهوية المنغلقة والشوفينية، والنخبوية الانعزالية . وادعاء امتلاك الحقيقة والأخلاق . وبعيدا عن ترسيخ الخرافة والشعوذة  وادعاء الطهرانية دينيا وسياسيا وفكريا  .

من هنا يبدأ  في رأيي المتواضع الرد العملي على استراتجية التدمير الباليستية التي تعتمدها شبكات التواصل الاجتماعي . ومن هنا تبدأ صناعة رأي عام سليم وقوي ، بعيد  عن الأعطاب المزمنة، و مشاعر اليأس والإحباط  واللامبالاة.

أدرك جيدا أن مواقع التواصل الاجتماعي تشتغل وفق منطق تجاري ربحي يراهن على الإثارة والاختصار والحياة الشخصية والصورة، لجلب أكبر عدد من الرواد والمعجبين. لذلك لا تتحولوا إلى عبيد  للسيد Mark Elliot Zuckerberg. فهذا المليادير  مازال شابا . ولا يهمه ما يلحق مجتمعات لا يعرفها سوسيولوجيا وانتربولوجيا وثقافيا وسيكولوجيا ، وما يلحقه بها من أضرار وخسائر واختلالات وتفكك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى