الكلمة التي ألقاها رئيس الفيدرالية محتات الرقاص، بمناسبة حفل تكريم وتوقيع الكتاب الجديد للأستاد محمد برادة

العزيزات والأعزاء،
أحس بالكثير من الحياء والخجل ويغمرني شعور الرهبة والهيبة وأنا أقف أمامكم لاقتراف تمرين الكلام في حضرة الكبار…
اعذروا هذه”الزعامة”من طرفي، ولقد حاولت كثيرا أن يتم إعفائي من ذلك لوجود من هم أحق وأجدر وأقدر مني في مثل هذا المقام.
إلحاح المنظمين والمحتفى به أخجلني و، في الآن نفسه، جعلني أحس بالإنتشاء والإعتزاز، وبصدق المحبة المتبادلة بيننا.

أيها الأصدقاء،
سي محمد عبد الرحمان برادة في مهنتنا ليس شخصا عاديا…
لقد مر الكثيرون وذهبوا، لقد عبروا مهنتنا وزمنيتنا والعديدون منهم تركوا طبعا آثارهم، ولكن سي محمد بقي حاضرا إلى اليوم، يحضر في الميدان، في المهنة وحواليها، في القلب وفي البال.
سيسرد أمامكم الكثيرون قصص السيرة وأفعال الشخص في” سابريس” وقبلها ثم بعدها، ولن أحكي لكم أكثر منهم، ولكن نحن، في الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، حالفنا الحظ أن بقينا نتعلم من سي برادة إلى اليوم.
هو أحد عناوين قيادتنا التنفيذية الحالية، ومرجع مهني وتدبيري وقيمي نسترشد به كل لحظة، نتعلم منه يوميا كيف نحترم الآخر، وكيف نحترم الرأي الآخر، وكيف نحترم الآخر المختلف معنا، ونتعلم منه كيف نبني مع الآخر المختلف توافقات منتجة وعملا مشتركا لمصلحة المهنة ولمصلحة بلادنا ومن أجل المستقبل.
لهذا نحن نتحلق حول سي برادة ونتعلم منه يوميا، وفي حضرته نتحرر كلنا ونتطهر من كل الحسابات الأنانية والصغيرة والتافهة، ويقودنا نحو استحضار مصلحة المهنة، ومصلحة بلادنا، وقدسية… الوطن.
هذا هو برادة ماضيا وحاضرا ودائما…، ولهذا نحن نحتفي به هذا المساء.

أيها الأصدقاء،
أتذكر شخصيا، ورغم أنني توليت مسؤولية تدبير وإدارة مؤسسة إعلامية وطنية عريقة في السنوات الأخيرة من عمل سي محمد في شركة التوزيع، أنه دعاني إلى مكتبه وكان يضع أمامه الصحيفتان اللتان أديرهما، وأعد ملاحظاته، وجلست امامه منصتا ومنتبها، وبدا لي في نفس الوقت مسير شركة ورئيس تحرير ومصمم صفحات وماكيط، واستعرض أمامي ملاحظاته بكثير من الخبرة والحب، وخرجت من عنده محملا بخارطة طريق لعملي الجديد، وبقي، حتى لما غادر سابريس، متابعا لما أقوم به، ويتصل بي مرارا إما مهنئا ومشجعا أو مبديا ملاحظات ومقدما اقتراحات، وذلك إلى اليوم، وأنا من جهتي أحرص دائما على التشاور معه والإستفادة من خبرته.
أعرف أن أجيالا من الناشرين ومدراء الصحف والصحفيين سيروون مئات القصص من هذا النوع تعنيهم وتعني علاقتهم المباشرة بسي محمد، وفي مجالس المهنة تتداول الكثير من هذه الوقائع والقصص والأفضال.
سي برادة هو الكريم صاحب الأفضال العديدة على أجيال من إعلاميات وإعلاميي المغرب منذ عقود، وكلهم يشهدون…
سي برادة هو الإنسان الودود، الهادئ دوما، الباعث في مجلسه على الفرحة والإبتسامة والأنس وحب الحياة، وكلكم تدركون.
سي برادة هو الكاظم للغيظ والصابر على المحن والصعاب… وكلكم تعلمون.
لم أر، مثلكم تماما، سي برادة غاضبا أو يائسا أو متجهما في وجه أحد، وكلكم تعرفون.
سي برادة يعبر عن آرائه وأفكاره ومواقفه واقتراحاته بلغة سهلة مباشرة بلا لبس أو غموض أو تعقيد، وأنتم جميعكم بلا شك تشهدون.
سي محمد عبد الرحمان برادة إذن هو الأستاذ والمعلم في مهنتنا وفي النظر إلى شؤونها وسبل النهوض بها.

أيها الأعزاء،
لم تفارق بالي يوما عبارة بليغة قالها سي محمد لما توالت الضغوط على الفيدرالية المغربية لناشري الصحف سعيا لمحوها من الوجود منذ بضع سنوات.
رد على من حاول الضغط عليه لمغادرة الفيدرالية وهو أحد حكمائها، بأنه ليس مستأجرا مكانا أو غرفة بداخل الفيدرالية وإنما هو واحد من ملاكها ويغار عليها، لأنها ملكية جماعية مشتركة للمهنة وللوطن.
وكنا نحن الأقل خبرة منه، نفتح الأفواه والمقل منبهرين بالجواب والبلاغة وصرامة الموقف، فتعلمنا منه أن الحياة مواقف أولا.
تكرست هذه الصورة لدينا عن سي برادة لاحقا في كل اجتماعاتنا وجلساتنا ومداولاتنا، وبقي الرجل رجلا، وصاحب موقف مبدئي، وممسكا بالشغف وشعور الوطنية، وغيورا على مصداقيته.
سي برادة عاش معنا وبيننا، ومع كل الآخرين الذين عرفوه وجايلوه، مترفعا وزاهدا ومتبرما عن كل الصغائر، ممتلكا للكفاءة المهنية العالية، لبعد النظر، ولحس المثابرة والإجتهاد في العمل.
سي برادة، أيها الأعزاء، يمنحنا اليوم من سيرته درسا أساسيًا وعميقا يجب ألا ننساه، وأن نستفيد منه، وأن نستحضره اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وضوح الموقف من قضايا المهنة، وصرامة الدفاع عنه، والتفكير في مصلحة البلاد أولا.
وأيضا سي برادة أسس مغامراته المهنية الكبيرة مع كبار هذه المهنة في بلادنا، وقاد التجارب معهم، وذلك لإيمانه المبكر بجدارة الصحافة الوطنية المغربية وضرورة تطويرها ودعمها، وأيضا لقناعته بحق شعبنا في القراءة…
وعندما رفع شعار:(صحيفة لكل مواطن) كان يدرك أهمية تقديم الأخبار للمغاربة من طرف صحافة وطنية مغربية ذات مصداقية.
الدرس يلفنا اليوم ويفرض أن نستحضره وأن ندرك حاجة بلادنا اليوم الى صحافة وطنية مهنية جادة وأخلاقية وذات مصداقية ووضوح النظر، أي أننا في حاجة إلى الإنصات لأمثال سي برادة.

سي محمد،
نحن، في الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، مكتبا تنفيذيا ومجلسا فيدراليا وفروعا جهوية ومقاولات صحفية عضوة، سنبقى ننصت إليك ونتعلم منك، وستبقى، بالنسبة لنا، المرجع الحكيم والمعلم المدرك والأستاذ والموجه والصديق والمحفز والقدوة.
نتمنى لك وافر الصحة وطول العمر وراحة البال ودوام هذا الشغف بالمهنة وبالحياة وبخدمة بلادنا.
شكرا لك على منحي فرصة هذا البوح، وأعذروني كلكم على تجرئي على تناول الكلمة أمامكم أنتم الأجدر والأحق والأقدر مني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى