ابعاد القصة: حماس – اسرائيل والبحث عن النقلة النوعية في فلسطين – الجزء السادس

هل مزقت قيادة حماس في الداخل شراع سفينة نتنياهو: عشر حقائق قد تكون خفية؟

عبدالعالي الجابري

بعد مدة من الترقب والملاحظة، ومحاولة تجميع المعطيات التي اصبحت تتشتت في كل لحظة وتتجمع وفق قراءات مختلفة ومتشعبة.

كنت قد بدأت الكتابة بشأن القضية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا لدى محكمة العدل الدولية حول الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، لكن ارجأت نشره الى ما بعد إصدار حكم محكمة العدل الدولية.

أعلن جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، يوم الاثنين في 22 يناير 2024، أن استمرار إسرائيل في عمليتها العسكرية في غزة بهدف القضاء على حركة حماس لا تجدي نفعا وأن لا حل بديل في الأفق للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني سوى “حل الدولتين” رغم المعارضة الإسرائيلية.

وشدد على أنه “إذا اعترفت الأمم المتحدة، كما اعترفت مرات عديدة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فلن يتمكن أحد من الاعتراض عليه”، مشيرا إلى أنه “علينا أن نتحدث عن تنفيذ حل الدولتين بدلا من الحديث عن عملية السلام”.

واضاف قال جوزيب بوريل Josep Borrell ، الذي حصل على الدكتوراه الفخرية honoris causa à Valadolid: “نعتقد أنه يجب فرض حل الدولتين (إسرائيلية والفلسطينية) من الخارج لإحلال السلام. حتى لو رفضت إسرائيل هذا الحل، التي ومن أجل منعه، ذهبت إلى حد خلق “حماس” نفسها… لقد تم تمويل حماس من قبل الحكومة الإسرائيلية في محاولة لإضعاف سلطة فتح الفلسطينية. ولكن إذا لم نتدخل بحزم، فإن دوامة الكراهية والعنف ستستمر من جيل إلى جيل، ومن جنازة إلى جنازة”.

Josep Borrell

وتؤكد ان هجوم 7 أكتوبر كان بعلم الطرفين، لإعطاء اسرائيل مبررا للرد الحالي والمجزرة التي راح ضحيتها 25 ألف مدني فلسطيني…

ويبقى السؤال المشروع بماذا سيخبر العالم قياديي حماس في الداخل مباشرة بعد انتهاء الحرب؟ وهل انقلبت قيادة حماس في الداخل عن خطة ما؟

كما انه يأزم وضعية الحكومة الحالية في اسرائيل، حيث يوحي حديثة على أن “حماس عدوة اليهود” يمكن ان تكون قد تلقت دعما كبيرا من اليهود أنفسهم، وخاصة بنيامين نتنياهو. الذي يرهن الآن مصيره بالقضاء النهائي على حماس وقيادتها في الداخل.

كما يفسر ما يعتبره الكثيرون منهم رفضا للقراءة الجماعية للتاريخ وضرورة فحص المسؤوليات الشخصية.

لكنه، لم يشر إلى علاقات حماس بجماعة الإخوان المسلمين، التي تدعي حماس أنها “الفرع الفلسطيني”، بل ويجزم السيسي انها احد اذنابها…. الى ذلك لم يشر الى علاقتها بالمخابرات البريطانية MI6.

اكيد ان هذا التحول السردي لم يكن ممكنا إلا بفضل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قبل أربع سنوات. واكيد ايضا انه يعلم بل يكون قد اشرف وهو الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، على عمليات تمويل الاتحاد الأوروبي لحماس منذ عام 2006.

اعتبارا لما سبق، اجد ان تصريح جوزيب بوريل، يوم الاثنين في 22 يناير 2024، كان تمهيدا واضحا لحكم محكمة العدل الدولية يوم 26 يناير 2024، وهو موضوع سأعود اليه لاحقا، لكن وقبل ذلك قد احتاج الى التذكير ببعض الحقائق التاريخية وان كانت غير مرتبطة ببعضها البعض لكن لها تأثير تراكمي كمي في القضية.

الحقيقة الأولى:

في عام 1915، صاغ وزير الداخلية البريطاني اليهودي، هربرت صموئيل Herbert Samuel ، مذكرة حول مستقبل فلسطين.

أراد إنشاء دولة يهودية، ولكن دولة صغيرة بحيث “لا يمكن أن تكون كبيرة بما يكفي للدفاع عن نفسها”. مما سيجعلها في حاجة لحماية الإمبراطورية البريطانية، وبالتالي تضمن المملكة خدمة الشتات اليهودي لمصالحها على المدى الطويل.

حاول عبثا إقناع رئيس الوزراء، الليبرالي في ذلك الوقت ، ه ه  أسكويث H. H. Asquith ، بإنشاء دولة يهودية في فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، بعد اجتماع هربرت صموئيل مع مارك سايكس Mark Sykes ، بعد إبرام اتفاقية سايكس بيكو سازونوف Sykes-Picot-Sazonov،  في 16 ماي 1916، حول التقسيم الاستعماري للشرق الأوسط، واصل الرجلان المشروع وتمتعا بدعم “البروتستانت غير الملتزمين” (اليوم نقول عنهم “الصهاينة المسيحيين”)، بما في ذلك رئيس الوزراء الجديد، ديفيد لويد جورج David Lloyd George.

أصدر الأخير وحكومته تعليمات لوعد بلفور الشهير، في 2 نوفمبر1917، من أجل توضيح إحدى نقاط اتفاقية سايكس بيكو سازونوف من خلال الإعلان عن “وطن قومي لليهود”.

ونصها : «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.»

في الوقت نفسه، أقنع البروتستانت غير الملتزمين، من خلال قاضي المحكمة العليا الأمريكية لويس برانديز Louis Brandeis ، الرئيس وودرو ويلسون Woodrow Wilson  بدعم خطتهم.

الحقيقة الثانية:

 أيضا خلال الثورة الروسية (بالتزامن مع الحرب العالمية الأولى)، اقترح هربرت صموئيل Herbert Samuel  دمج يهود الإمبراطورية الروسية السابقة الذين كانوا يفرون من النظام الجديد في وحدة خاصة، يطلق عليها اسم الفيلق اليهودي la Légion juive.

وقد تبنى هذا الاقتراح يهودي أوكراني يدعى فلاديمير زئيف جابوتنسكي Vladimir Ze’ev Jabotinsky ، الذي تصور أن قيام دولة يهودية في فلسطين يمكن أن يكون مكافأته في فترة ما بعد الحرب.

وبالفعل عهد إليه هربرت صموئيل تجنيد جنود من بين المهاجرين الروس. من بينهم وجد البولندي ديفيد بن غوريون David ben Gourion  (والذي كان يعتبر ماركسيا آنذاك) كما انضم إليه البريطاني إدوين صموئيل Edwin Samuel ، ابن هربرت صموئيل.

ولو ان المعركة التي دارت في جاليبولي Gallipoli كانت معركة خاسرة الا انهما استطاعا لفت الانتباه اليهما فيها.

في نهاية الحرب ، طالب الفاشي جابوتنسكي Jabotinsky بدولة مستحقة له ، لكن البريطانيين لم تكن لديهم رغبة في الانفصال عن مستعمرتهم الفلسطينية. لذلك تمسكوا بتعهدهم ب “وطن قومي” ولا شيء أكثر من ذلك.

Le Premier ministre Benjamin Netanyahu rend hommage à son héros, Vladimir Ze’ev Jabotinky
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يشيد ببطله فلاديمير زئيف جابوتنكي

الحقيقة الثالثة:

عام 1920، انتفض قسم من الفلسطينيين، بقيادة عز الدين القسام (الشخصية الروحية للجناح المسلح لحماس اليوم، والذي يعرف بكتائب القسام) وذبح المهاجرين اليهود بوحشية، لترد ميليشيا يهودية بوحشية اكبر…. ومنذ ذلك الحين سيبدأ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ستعمل الحكومة البريطانية على اعادة النظام من خلال اعتقال المتعصبين، الجهاديين واليهود على حد سواء. وحكم على جابوتنسكي Jabotinsky ، الذي تم اكتشاف ترسانة كبيرة من الاسلحة في منزله ، بالسجن لمدة 15 عاما.

لكن، الحكومة “البروتستانتية غير الملتزمة” برئاسة ديفيد لويد جورج David Lloyd George  عينت هربرت صموئيل حاكما لفلسطين.

وبمجرد وصوله إلى القدس، عفا عن صديقه جابوتنسكي وأطلق سراحه. ثم عين المعادي للسامية والمتعاون المستقبلي مع الرايخ، محمد أمين الحسيني Mohammad Amin al-Husayni ، مفتيا للقدس.

ثم انتخب جابوتنسكي Jabotinsky مديرا للمنظمة الصهيونية العالمية (WZO) . لكنه عاد إلى الإمبراطورية الروسية السابقة ، حيث أنشأ سيمون بيتليورا Symon Petlioura  دولة جمهورية أوكرانيا الشعبية.

وقع جابوتنسكي وبيتليورا اتفاقا سريا لاقتطاع مكان لأنفسهم في أراضي البلاشفة في الشرق وأناركيين نيستور ماخنو Nestor Makhno  في الجنوب (نوفوروسيا Novorossia الحالية).

كان بيتليورا معاديا مسعورا للسامية، واعتاد رجاله، في بلدهم، على ذبح العائلات أو القرى اليهودية. كان بيتليورا حاميا ل “القوميين المتطرفين nationalistes intégraux  ” الأوكرانيين ومعلمهم دميترو دونتسوف Dmytro Dontsov ، الذي أصبح فيما بعد مديرا لمعهد راينهارد هايدريش Reinhard Heydrich  لتنفيذ “الحل النهائي للمسألة اليهودية” . بصفته جنرال القوات الخاصة الألمانية “SS وحدات النخبة النازية س س”.

الحل الأخير للمسألة اليهودية أو الحل الأخير (بالألمانية:Endlösung der Judenfrage) هو تعبير من لغة الاشتراكية القومية عن الهولوكوست. وهي خطّة ألمانية أطلق تسميتها النازي ادولف ايخمان لمعالجة المشكلة الألمانية المتمثلة في اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.استخدم النازيون هذا المصطلح في البداية لوصف عمليات الطرد أو إعادة توطين اليهود التي نظمتها الدولة، والتي كان الألمان المعادون للسامية يطالبون بها منذ عام 1880 تقريبًا.

عندما انتشر خبر أن جابوتنسكي قد تحالف مع “قاتلي اليهود  massacreurs de juifs  “، استدعته المنظمة الصهيونية العالمية للحصول على تفسير. لكنه فضل الاستقالة من مهامه المجتمعية بدلا من الإجابة على الأسئلة.

ثم أنشأ تحالف “الصهاينة التصحيحيين sionistes révisionnistes  ” (الموجود بشكل رئيسي في الشتات البولندي واللتواني) وميليشياته ، بيتارBetar.

وبذلك ابتعد جابوتنسكي عن الإمبراطورية البريطانية وأصبح متحمسا لإيطاليا الفاشية. فأسس أكاديمية عسكرية للبيتار Betar  بالقرب من روما بدعم من الدوتشي بينيتو موسوليني Benito Mussolini .

الحقيقة الرابعة:

في عام 1936 ، ابتكر جابوتنسكي “خطة إجلاء” لليهود من وسط وشرق أوروبا إلى فلسطين. حصل على دعم رئيس الدولة البولندي، المشير جوزيف بيوسودسكي Józef Piłsudski ، ووزير خارجيته جوزيف بيك Józef Beck . ولكن أيضا الوصي المجري ، الأدميرال ميكلوس هورثي l’amiral Miklós Horthy ، ناهيك عن رئيس الوزراء الروماني جورجي تاتاريسكو Gheorghe Tătărescu .

لكن، لم يتم تنفيذ هذه الخطة أبدا لأن يهود أوروبا الوسطى والشرقية كانوا خائفين من حلفاء جابوتنسكي ولأن الإمبراطورية البريطانية عارضت الهجرة الجماعية إلى فلسطين.

في النهاية ، ادعى حاييم وايزمان Chaim Weizmann ، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك ، أن جابوتنسكي كان متورطا في الخطة الفرنسية البولندية النازية لترحيل اليهود إلى مدغشقر.

خلال هذه الفترة تنبأ فلاديمير جابوتنسكي او اعطى فكرة ومصطلح الهولوكوست l’holocauste امام جماهير يهودية حائرة من أمرها. حيث أكد لهم أنه من خلال رفضهم خطة الإجلاء، فإن الشتات، وهم جزء منه، سيثيرون موجة من العنف ضدهم.

وما ادهش جميع الباحثين، ان ذلك ما نفذه حلفاؤه بالفعل: الهولوكوست l’holocauste إبادة ملايين اليهود.

الحقيقة الخامسة :

في عام 1939، صاغ جابوتنسكي خطة لانتفاضة يهود فلسطين ضد الإمبراطورية البريطانية، و أرسلها إلى الفرع المحلي ل “الصهاينة التحريفيين sionistes révisionnistes  “،  والمعروفة اختصارا ب الإرغون l’Irgun.

الإرجون أو إتسل (بالعبرية: ארגון؛ الكامل:הארגון הצבאי הלאומי בארץ ישראל، أي: المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل، وتلفظ: إرغون تسفائي لئومي) هي منظمة صهيونية شبه عسكرية وجدت في الفترة السّابقة لإعلان دولة الكيان الصهيوني في فلسطين عندما كانت خاضعة للانتداب البريطاني في الفترة بين 1931 و1948. ويُعزى الكثير من مشاكل الشعب الفلسطيني لمنظمة الإرجون. ويرى الكثير من الإسرائيليين في الإرجون على أنّها منظمة قتالية.

لكن اندلاع وانتشار رقعة الحرب العالمية الثانية أجلت هذا المشروع. حينذاك لم يستقر جابوتنسكي في إيطاليا الفاشية، ولكن رحل الى الولايات المتحدة، حيث انضم إليه أحد أتباعه ليصبح سكرتيره الخاص، وهو بنزيون نتنياهو Benzion Netanyahu ، والد بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu  رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالية.

خلال الحرب، زار فلاديمير جابوتنسكي Vladimir Jabotinsky  و بنزيون نتنياهو Benzion Netanyahu  أستاذا للفلسفة في شيكاغو، ليو شتراوس Léo Strauss ،  وهو يهودي أجبر على مغادرة ألمانيا بسبب معاداة السامية النازية ، لكنه ظل فاشيا قويا.

أصبح ليو شتراوس فيما بعد مرجعا ل “المحافظين الجدد” في الولايات المتحدة. لقد أنشأ مدرسته الفكرية الخاصة، مؤكدا لأتباعه القلائل بعد الحرب العالمية الثانية أن الطريقة الوحيدة لليهود لمنع محرقة أخرى هي إنشاء ديكتاتوريتهم الخاصة nouvelle Shoah. ومن بين طلابه بول وولفويتز Paul Wolfowitz  و إليوت أبرامز Elliott Abrams  ، الرجل الذي يقف الآن وراء بنيامين نتنياهو والذي مول “إصلاحه المؤسسي” الصيف 2023.

توفي فلاديمير جابوتنسكي Vladimir Jabotinsky  في نيويورك عام 1940. عارض ديفيد بن غوريون David ben Gourion نقل رماده إلى إسرائيل ، ولكن في عام 1964 أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأوكراني الاصل، ليفي إشكول Levi Eshkol ، بذلك.

الحقيقة السادسة:

بعد الحرب العالمية الثانية، أعلن “الصهاينة التصحيحيون sionistes révisionnistes  ” في الإرغون Irgun تحت قيادة رئيس الوزراء المستقبلي، البيلاروسي مناحيم بيجوين Menachem Beguin ، الحرب على الإمبراطورية البريطانية بسبب عملها على الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وذلك بتظيم سلسلة من الهجمات، بما في ذلك الهجوم ضد فندق الملك داود الذي أسفر عن مقتل 91 شخصا ومذبحة دير ياسين التي أسفرت عن مقتل مائة شخص على الأقل.

عند بداية فترة الانتداب أعلنت بريطانيا هدفا له تحقيق وعد بلفور، أي فتح الباب أمام اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين وإقامة «بيت وطني» يهودي فيها. أما في منتصف ثلاثينات القرن العشرين فغيرت بريطانيا سياستها وحاولت وقف توافد اليهود على فلسطين ومنع شراء الأراضي من قبل اليهود.

الحقيقة السابعة :

في نوفمبر 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى منطقتين، يهودية وعربية، في أفق تشكيل دولة ثنائية القومية.

مستفيدا من بطء المنظمة الحكومية الدولية ، أعلن ديفيد بن غوريون David ben Gourion  من جانب واحد دولة إسرائيل في 14 مايو 1948. فردت الدول العربية بالسلاح، بالمقابل بدأت الميليشيات اليهودية بطرد 750 ألف فلسطيني، في أكبر علمية اجلاء تعرفها المنطقة واطلق عليها اسم “النكبة”.

وبسبب القلق من هذه التطورات السريعة، أرسلت الجمعية العامة مبعوثا سويديا، الكونت فولك برنادوت Folke Bernadotte ، لترسيم حدود الولايتين الفيدراليتين.

ولكن في 17 سبتمبر 1948، إغتاله “صهاينة متعصبون” آخرون ينتمون إلى ليهي  Lehi  (المعروفة باسم “مجموعة شتيرن Groupe Stern “)، تحت قيادة رئيس وزراء مستقبلي آخر، هو البيلاروسي إسحاق شامير Yitzhak Shamir. وقد أدينوا جميعا من قبل محكمة إسرائيلية.

وزير الخارجية، موشيه شيرتوك Moshé Shertok  (مصادر اخرى كتبت شاريت Sharett) الاكراني الاصل، كتب إلى الجمعية العامة يطلب عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة قائلا  ” إن دولة إسرائيل تقبل، دون تحفظ، الالتزامات الصادرة عن ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بمراعاتها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوا في الأمم المتحدة”.

في ظل تلك الظروف الاستعجالية التي كانت تمر منها الجمعية العامة، أصبحت إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة في 11 ماي 1949. في الأيام التي تلت ذلك، وفي غفلة من الجميع تم إطلاق سراح يهوشوا كوهين Yehoshua Cohen ، قاتل الكونت برنادوت Folke Bernadotte. بل سيصبح الحارس الشخصي لرئيس الوزراء ديفيد بن غوريون David ben Gourion .

الحقيقة الثامنة:

من عام 1955 إلى عام 1965، ترأس إسحاق شامير Yitzhak Shamir  قسما في الموساد Mossad ، الخدمة السرية الخارجية للدولة الجديدة.

ودون إبلاغ رؤسائه، أطر الشرطة السرية لشاه إيران، السافاك  la Savak. حيث شملت العملية حوالي مائتي من رجاله لتعليم التعذيب جنبا إلى جنب مع النازيين السابقين.

السافاك (بالفارسية: ساواک) اختصار «منظمة المخابرات والأمن القومي» (بالفارسية: سازمان اطلاعات و امنيت کشور) كانت بمثابة الشرطة السرية، والأمن الداخلي وخدمة الاستخبارات في ظل النظام الملكي الذي كان يحكم من سلالة بهلوي. وقد أسّسها محمد رضا بهلوي شاه إيران بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) والموساد الإسرائيلية.


ثم، أثناء التفاوض على اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، نقل الرجال الذين أرسلهم إلى إيران إلى الكونغو في عام 1979. ربما بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، ليشرفون هذه المرة على تأطير الشرطة السرية لموبوتو سيسي سيكو Mobotu Sese Seko. وكان يتردد شخصيا على مراكز التدريب.

الحقيقة التاسعة:

 كما ساهم إسحاق شامير في الحرب الباردة، حيث ساعد أيضا الديكتاتورية التايوانية، لكن هذه المرة دون علم الولايات المتحدة، فأنشأ جماعة إرهابية في نيويورك، رابطة الدفاع اليهودية للحاخام مئير كاهانا la Jewish Defense League du rabbin Meir Kahane  .

كما أشرف على حملة لهجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، والهجمات على الوفد السوفيتي إلى الأمم المتحدة.

 وأخيرا نظم هجمات ضد مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية.

أقام تحالفات مع جنوب إفريقيا العنصرية. شارك في إنشاء “البانتوستانات bantoustans“، وهي دول أفريقية مزيفة سمحت لجنوب إفريقيا بعدم اعتبار سكانها السود مواطنين ، بل مهاجرين.

وهو نموذج الذي سيطبقه “الصهاينة التصحيحيون” لاحقا على الفلسطينيين.


وعلى نفس المنوال، طلب من إسرائيل تمويل أبحاث الطبيب الشخصي للرئيس بيتر بوتا Pieter Botha ، الدكتور فوتر باسون Wouter Basson. نذكر ان هذا الأخير ، كان يدير معهدا علميا يشتغل فيه ازيد من 200 عالم ، وكان يعتزم صناعة  أمراض تؤثر فقط على السود والعرب (Projet Coast) .

وجريمة تؤدي الى اخرى، فقد دعم روديسيا Rhodésie التي كانت تعمل ضد استقلال المستعمرات البرتغالية في موزمبيق وأنغولا.

في غواتيمالا، اقترب إسحاق شامير من ديكتاتورية الجنرال ريوس مونت Rios Montt. ولم يكتفي بتزويده بالأسلحة فحسب، بل سيشرف أيضا على تدريب شرطته السرية. حيث سينشأ مركزا معلوماتيا لمراقبة استهلاك المياه والكهرباء، مما سيمكنه من اكتشاف الأنشطة السرية وتحديد موقعها.

كما قام بتنظيم سكان المايا في الكيبوتسات maya en kibboutzim بطريقة تجعلهم مراقبين اثناء اداء عملهم دون الحاجة إلى إجراء إصلاح زراعي.

وبعد ان شعر الجنرال ريوس مونت Rios Montt  بالأمان قام بقتل ما يفوق عن  250000 شخص. ونعتقد انه النموذج عينه الذي يرغب الصهاينة الآن تطبيقه على الفلسطينيين.

وطبعا العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في قضية غواتيمالا وضلوع إليوت أبرامز Elliott Abrams  فيها معروفة لدى الجميع.

طوال الحرب الباردة، لم يعمل “الصهاينة التصحيحيون” لصالح المعسكر الغربي، بل استغلوا الفرص للقيام بما فعله فلاديمير زئيف جابوتينكي Vladimir Ze’ev Jabotinky دائما: ممارسة السلطة بالقوة دون أي اعتبار لأحد.

الحقيقة العاشرة:

في نهاية الحرب الباردة، عقد الرئيس بوش الأب Bush père  مؤتمر مدريد لحل القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

خلال الاجتماع، طالب الوفد الإسرائيلي، برئاسة إسحاق شامير Yitzhak Shamir ، الذي أصبح رئيسا للوزراء ، بإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 قبل بدء أي مناقشات.  (نذكر أن القرار 3379 ينص على أن “الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”. )

والجميع يذكر ما قاله اسحاق شامير:”بقلب مفتوح، ندعو القادة العرب إلى اتخاذ الخطوة الشجاعة والرد على يدنا الممدودة بسلام”.

وحرصا على التوصل إلى اتفاق، امتثلت الجمعية العامة. ولكن إسرائيل بخداع محاوريها، لم تقدم أي التزامات، بل ستفعل كل ما في وسعها لعرقلة ترشيح جورج بوش الأب لولاية ثانية.

ختاما :

يبين لنا هذا الملخص التاريخي الموجز أن ما يتداول امام انظار محكمة العدل الدولية وان تم تلخيصه في الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني بغزة، او ما كان يعرف بالصراع العربي الاسرائيلي، (مع دعوة الجميع الى ملاحظة تردد اسم اكراني الاصل في المقال)، هو قضية كبيرة تهم الجميع، اذ تتعلق بأيديولوجية لم تزرع سوى المعاناة والموت في أماكن وأزمنة مختلفة.

لذا يجب بعد الآن الحذر من اي تعبئة تحت اعلام زائف، او مزاعم مجهولة الهوية والهدف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى