ابعاد القصة: حماس – اسرائيل والبحث عن النقلة النوعية في فلسطين – الجزء الرابع

الدم الفلسطيني... قربان حفاظ  الغرب على تفوقه وهيمنته

عبد العالي الجابري – مدير نشر GIL24.ma

منذ بداية هذه السلسلة الخاصة بالحرب على غزة، اتوصل من مجموعة من الاصدقاء والقراء مشكورين (بعضهم لا يمدني حتى باسمه أو جنسيته) عبر مجموعة من وسائل التواصل، بشرائط فيديو تبدو توثيقية لما يجري على الأرض، اتعامل معها بالحذر المطلوب، مستندا الى خبرة بسيطة تلقيتها من خلال تتبعي لبعض الدروس اشرفت عليها وكالة الأنباء الفرنسية AFP شاركت فيها باقتراح من Google …

تحليل تلك الشرائط اخذ قسطا كبيرا من الزمن، واجهت صعوبات في ترجمة بعضها خاصة التي تتحدث بالعبرية، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي تتعمد حذف أجزاء كبيرة منها، خاصة اذا كانت تناصر حماس (طبعا القاعدة القانونية متوفرة : مناهضة الدعاية للارهاب)، لذا اظطررت الى تحميلها فور نشرها… لكن الأمر قد يتطلب الجلوس امام الحاسوب طول الوقت، لأن لوغرتمات تلك المنصات قد تحلل مضامين الفديوهات في مدد زمنية قياسية وتقوم بحذفها تلقائيا.

ومع ذلك بعضها ساعدني على تكوين خيط رابط للقصة من وجهة نظر معينة، قد لا تعكس الحقيقة “الغامضة” لكن قد تجعلنا امام ارضية للنقاش.

على سبيل التقديم: لا صوت فوق صوت الحرب

لا خيار سوى خيار الحرب، حيث من بين كل الاحتمالات تقرر مواصلة ابادة سكان غزة، الى الآن أزيد 8000 قتيل!، وبدى المجتمع الدولي والشعبي منقسما بين طرفين، من جهة ما يعرف بدول الغربية، حيث اتحدت حكومات تلك الدول، تحت قيادة الولايات المتحدة، حول ترك المدنيين لمصيرهم، والعمل بكد وجد واجتهاد للحفاظ على هيمنتهم على العالم. الى درجة ان ما أصبح على المحك الآن في غزة لم يعد القضية الفلسطينية، بل النظام الدولي. 

ويرى البعض ان المسألة بالنسبة لدول الغرب وبعد تعثر حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، فإن هزيمة إسرائيل في غزة ستكون بمثابة نهاية العالم المتحضر.

في المقابل، وعلى النقيض من ذلك، الواقع يشي باننا وبعد ثلاثة أرباع قرن من الزمان، على حافة مواجهة عامة او حرب كبيرة.

المجزرة

يواصل سلاح الجو الإسرائيلي قصف مدينة غزة رداً على الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية الموحدة (باستثناء فتح) في 7 أكتوبر. حيث سقطت القنابل في جميع أنحاء المدينة، مما أدى إلى مقتل الآلاف من السكان أنباء تتحدث عن ازيد 8000 قتيل.

 وبحسب استطلاع  أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في يونيو 2022، فإن 34% فقط من الفلسطينيين كانوا سيصوتون لحماس مقابل 31% لفتح، لو أجريت انتخابات تشريعية آنذاك. وبهذا المعنى يرى العض أن ثلثي ضحايا القصف الإسرائيلي هم معادون لحماس. 

لكن بالمقابل 71% يؤيدون الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق فإن 56% يفضلون إسماعيل هنية (حماس) على محمود عباس (فتح). وعلى هذا الأساس لا تستطيع اسرائيل أن تزعم أنها تريد القضاء على حماس فقط، بل القضاء على سكان غزة اللذين يقاومونها.

طرد سكان غزة

لا يزال ثلاثة أرباع جيش الاحتلال متمركزين أمام الجدار الفاصل بانتظار أمر عبوره للقضاء على الناجين من القصف. ورسمياً، تأمل الولايات المتحدة تجنب وقوع مذبحة من خلال تشجيع إسرائيل على إظهار الاعتدال. 

لكن مع مرور الوقت وتوالي الأحداث، يبدو أن واشنطن تعلم أن هذه العملية ليست  موجهة منذ البداية ضد حماس، بل تهدف إلى حل القضية الفلسطينية من خلال طرد سكانها أو إبادتهم بالكامل. 

ولنذكر هنا أن وزارة الخارجية، الحريصة إعلاميا على تجنب الإبادة الجماعية، عرضت على مصر إلغاء ديونها الخارجية بالكامل (135 مليار دولار) إذا استوعبت وجنست 2.2 مليون من سكان غزة.

حتى اللحظة يرفض صقور الجيش المصري هذا الاقتراح، بالمقابل يعمل المشير السيسي من جهته على غلق كل النوافذ (معبر رفح) التي يمكن ان تقدم مساعدة لحماس، تحت ذريعة أن القاهرة متمسكة بقرار الجامعة العربية الذي أكد بعد حرب الأيام الستة أن تهجير الفلسطينيين وتوطينهم ليس أكثر من خطوة عاطفية كاذبة لتصفية القضية الفلسطينية، في حين اعربت الامارات عن رغبتها في استيعاب/ترحيل عدد كبير من مصابي غزة، وقد تقدم دول عربية أخرى خلال الايام القادمة على نفس الخطوة.

ضعف الجيش الإسرائيلي

منذ بداية هذه الحرب، أو بالأحرى هذه الحلقة من حرب طويلة، أدرك الإسرائيليون ضعف جيوشهم. 

منذ عام 2015، تناقش الصحافة المتخصصة انحطاط الجيش الإسرائيلي، لكن الطبقة السياسية لم تدرك ذلك إلا في عام 2018. في ذلك الوقت، أجرى الكنيست (البرلمان) مقابلة مع الجنرال يتسحاق بريك.  حيث أوضح للنواب المذهولين أن الجنود فقدوا فكرة الدفاع عن البلاد، وأن الضباط لا يترددون في الكذب لتغطية أنفسهم في حالة حدوث مشكلة.

ويشير المراقبون الى أن هناك ظاهرة قد تكون فريدة تخص اسرائيل والولايات المتحدة، إذ يحبذ  الجنرالات تقلد وظائف سياسية بالتوازي، وعلى حساب، مسؤولياتهم العسكرية.

 وبعد مرور خمس سنوات، لم يتغير شيء، بل أصبح كل شيء أسوأ.

تعود الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام إلى تصريحات الجنرال يتسحاق بريك التي بموجبها سيضطر الإسرائيليون إلى الدفاع عن أنفسهم، من دون أن يتمكنوا من الأمل في مساعدة جيوشهم، خلال حرب مقبلة.

وهذا بالضبط ما حدث يوم 7 أكتوبر.

ذهب رئيس الوزراء للتشاور مع الجنرال في 22 أكتوبر، لكن لا يوجد بيان صحفي أو إعلان يسمح لنا بمعرفة ما قاله الرجلان لبعضهما البعض. على الأكثر قد يطلب الجنرال بريك إقالة مدير المخابرات العسكرية (أمان) ورئيس القيادة الجنوبية.

وهذا ليس كل شيء. بل ولأول مرة تمتلك الفصائل الفلسطينية، حسب ما يتضح من خلال دراسة فيديوهات حماس، منظومة قاذفات صواريخ مضادة للدبابات FGM-148 Javelin أمريكية الصنع وNLAW  سويدية الصنع وقاذفات صواريخ AT4 إما سويدية أو أمريكية الصنع. إذن أسلحة حماس أميركية أو سويدية. تم شراؤها في أوكرانيا من ضباط فاسدين.  كما أن مقاتلو حزب الله يأتون من إيران عبر العراق وسوريا. وطبعا لا أحد يعرف كم عدد مقاتلي حماس.

أما حزب الله اللبناني، فقد يمتلك مخزوناً هائلاً من الصواريخ متوسطة المدى، مما يجعله، مع التدريب الذي تلقاه رجاله، قوة عسكرية قوية تتفوق بكثير على الدول العربية.

نشير الى ان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله التقى بالرجل الثاني في حماس صالح العاروري والقيادي في حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، ولم تتوفر معلومات عن فحوى الحوارات التي جرت.

في الوقت الراهن، يقتصر الصراع على قطاع غزة. الفلسطينيون في الضفة الغربية وإسرائيل خلف الجدار مع اخبار عن التوغل من حين للآخر،  ولا حديث عن موقف او تحركات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان.

بموجب القرار 1701 الذي وقعه حزب الله وزراؤه في نهاية الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 2006 .  فهو لا يستطيع عبور نهر الليطاني والدخول إلى الأراضي الإسرائيلية دون أن يخلف وعده، ومعلوم ان الحزب يولي اهمية بالغة لوعوده، على عكس الغربيين. لكن قد لا يستمر هذا الالتزام إذا هاجمت إسرائيل لبنان،  لذا، في الوقت الحالي، يقف حزب الله على أهبة الاستعداد، ويقوم بتدمير كاميرات المراقبة والرادارات الإسرائيلية على طول الحدود واحدة تلو الأخرى، وبهذه الطريقة يعتقد أنه سيكون قادراً على مفاجأة الجيش الإسرائيلي إذا قرر الدخول في الحرب. ذلك ما سيفصح عنه الخطاب المنتظر لنصر الله يوم الجمعة القادم.

لقد اختار الغربيون التضحية بأهل غزة

كيف لا يمكننا أن نتفاجأ عندما استخدمت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد اقتراح بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية؟ فكيف لا نفسر ذلك على أنه رغبة في إطالة أمد هذا الصراع الذي بدأ قبل 76 عاما؟

من وجهة النظر هذه، فإن تحليل الرئيس رجب طيب أردوغان صحيح. حينما أعلن أمام مجموعته البرلمانية: “من تسبب في المشكلة، بالطبع، لا يريد حلا”، في إشارة إلى الطريقة التي خلقت بها الإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية البريطانية القضية الفلسطينية دون حل … “كلما تفاقمت الأزمة، كلما ترسخت، كلما كان ذلك أفضل لمصالحهم (…) إنهم يريدون أن تتفاقم القضية الإسرائيلية الفلسطينية … إنهم يريدون ألا يتحقق السلام والاستقرار أبدًا في هذه المنطقة … إنهم يريدون أن ينعموا بالسلام والاستقرار. يريدون ألا يغادر ظل الحرب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​أبدًا… يريدون ألا يستفيد الناس الذين عاشوا هناك منذ آلاف السنين من موارد هذه الأراضي… يريدون نظامهم الاستغلالي القائم على الدم والاضطهاد والانتهاكات. الدموع تستمر… وهذا ما نعارضه.  نحن نرفض نظام الاستغلال هذا الذي يدفع ثمنه جميع شعوب المنطقة، مسلمين ومسيحيين ويهوداً”…

وفي 23 أكتوبر، دافعت رئيسة الوزراء الفرنسية عن موقف متوازن بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكنها حاولت إخفاء الفيتو الفرنسي على اقتراح وقف إطلاق النار الإنساني الفوري. وبذلك أظهرت أنها لم تعد تملك السيطرة. وبقية الأحداث خارجة عن سيطرة حكومتها.

ومن المخزي أن تتهم رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، وهي تتحدث من منصة الجمعية الوطنية، بأن روسيا تمارس propagande  الدعاية المغرضة حينما نسب اعلامها واقعة أن فرنسا استخدمت حق النقض ضد اقتراح [روسي] لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية…

واعتقد ان الوزيرة كانت تقصد الاقتراح البرازيلي، الذي صوتت فرنسا لصالحه.

للتذكير مجلس الأمن صوت حول مشروعين/اقتراحان مختلفان ومنفصلان: الأول اقتراح روسي الذي يقتصر على الحياد الصارم الذي يفرضه العمل الإنساني، والذي تم تقديمه خلال جلسة مغلقة في 17 أكتوبر.  والثاني الذي يدين حماس بسبب أعمالها الهمجية، والذي تم تقديمه خلال جلسة عامة في 25 أكتوبر من اقتراح دولة البرازيل.

ولم تستخدم فرنسا حق النقض منذ عام 1976 (لمواصلة استعمارها لجزيرة مايوت)، ولكنها استخدمته هذه المرة ضد الاقتراح الروسي كما اعترف ممثلها الدائم لدى مجلس الأمن، نيكولا دي ريفيير.

أما الاقتراح البرازيلي فاعتُبر غير قابل للتطبيق لأنه أدان أحد الأطراف. وعلى الرغم من معرفة فرنسا ذلك فقد صوتت لصالحه.

نهاية الغرب: هل هناك تفسير آخر لما يقع ويدور من أحداث الآن؟

دعت الولايات المتحدة في البداية إسرائيل إلى الاعتدال. ثم نقلوا مجموعتين بحريتين إلى هناك وأنشأوا جسراً جوياً يضم 97 طائرة نقل لنقل كميات من الذخائر إلى إسرائيل، ولكن أيضاً إلى الأردن وقبرص.  وأخيراً، قصفوا الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.

أكيد أن واشنطن درست العواقب المحتملة لهزيمة إسرائيل في غزة بعد هزيمة حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا. ومن اهم الخلاصات التي تكون قد توصلت اليها أن ذلك سيجعل هيبة الغرب تذهب مع الريح.

 بل جميع القواعد التي تفرضها الولايات المتحدة (زعيم العالم الغربي) خارج نطاق القانون الدولي ستصبح فجأة موضع مراجعة وشرعيتها محل تساؤل.

 والمخيف أن تستفيق الشعوب التي احتفظ بها الغرب في مرحلة الطفولة لقرون من الزمن، لأن ذلك سيؤدي حتما الى تغيير كامل لمفاهيم القانون الدولي حاضرا ومستقبلا .

هل نستنتج أن السطوة التي تمتع بها الغرب على مدى عقود من الزمن أدى الى تشبعهم بوحشية لن يمكن السيطرة عليها إلا عبر جرأة  كتلك التي أظهرتها حماس مؤخرا؟. 

هل يفسر ذلك التخوف سبب قرار القوى الغربية الكبرى غض الطرف عن المذبحة المستمرة في غزة. لإنهم يدركون أن السماح بالإبادة الجماعية وتسهيلها، أخف وطأة وحدة من الاضطرار إلى تحمل مسؤولية جرائمهم الماضية والحالية؟.

اذا صح ذلك، فإن ما أصبح على المحك في غزة ليست القضية الفلسطينية، بل التفوق الغربي، وسيادة قواعده، والفوائد غير المستحقة التي يستمدها جراء ذلك.

على سبيل الختم هل هي الحرب في الأفق؟ (المؤقت دائما)

لم يكن التوتر مرتفعا إلى هذا الحد منذ الحرب العالمية الثانية.

ماذا يمكننا ان نستنتج من تكدس القوى العسكرية بشرق البحر الأبيض المتوسط؟.

هل روسيا تستعد لحرب نووية محتملة؟ فمنذ بداية الحرب على غزة، أجرت مناورتين عسكريتين واسعتي النطاق. واجرت تجارب اطلاق صواريخ باليستية حديثة عابرة للقارات. بل قامت بمحاكاة موت ثلث سكانها وتحويل جزء من أراضيها إلى منطقة محظورة بسبب الغبار الذري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى