شاهد تحليلنا المعمق لنقاشات الندوة العلمية التي نُظمت في المحكمة الابتدائية بمدينة جرادة يوم 3 ديسمبر 2025 تحت شعار « نتحد جميعاً ». هذه الندوة، التي نظمتها رئاسة النيابة العامة، جمعت بين وكيلة الملك، ورئيس المحكمة، وعامل إقليم جرادة، وممثلي الأمن الوطني، وفعاليات المجتمع المدني مثل السيدة زهرة قاسمي، وعميد كلية العلوم القانونية بوجدة السيد إدريس دروجي.
في هذا التحليل، نُفكك المفارقة القائمة: فمن جهة، بنى المغرب « ترسانة قانونية قوية » لحماية المرأة، تستند إلى دستور 2011 والتوجيهات الملكية الساعية نحو المناصفة ومحاربة التمييز. ومن أهم ركائز هذه الترسانة القانون رقم 103.13 الذي قدم تعريفاً واسعاً للعنف ليشمل الضرر الجسدي، والنفسي، والجنسي، والاقتصادي، ويُجرم أفعالاً مثل طرد الزوجة من بيت الزوجية.
لكن من جهة أخرى، ترسم المصادر « صورة مقلقة للواقع »، حيث كشفت أرقام صادمة قدمتها جمعية الأمل بجرادة عن استقبال 59 امرأة وأربع قاصرات ضحايا عنف في عام 2024، و 40 امرأة في عام 2025، وهي أرقام تخص مركز استماع واحد فقط.
التحديات التي تواجه تطبيق القانون:
• تحدي الإثبات: صعوبة إثبات العنف خاصة النفسي الذي يقع سراً داخل البيت.
• الحاجز الاجتماعي والثقافي: الخوف من كلام الناس، والضغط العائلي، وعدم الثقة في القانون، مما يدفع بعض الضحايا للبحث عن مراكز استماع في مدن بعيدة للحفاظ على السرية. وقد أشار رئيس المحكمة إلى أن العنف ضد المرأة كان يُنظر إليه تاريخياً « كسلوك مشروع دينياً أو اجتماعياً ».
• العنف الرقمي: يُعد تحدياً أكبر. فقد وصف عميد كلية العلوم القانونية بوجدة العنف الرقمي بأنه « ظاهرة مجتمعية ». يشمل أشكالاً مثل الابتزاز الجنسي، والتشهير، وانتحال الشخصية، والتحرش الممنهج.
• السيادة الرقمية: رغم تطوير الأمن الوطني لفرق متخصصة ومنصة « أبلغ » في 2021، يبقى التحدي الأكبر هو التعامل مع المنصات الأجنبية الكبرى (مثل فيسبوك وتيك توك) التي لا تخضع للقانون المغربي، مما يطرح إشكالية « السيادة الرقمية ».
الحل الشمولي والتوصيات:
أكدت الندوة أن القانون وحده غير كافٍ، وأن الحل يكمن في مقاربة شاملة تقوم على أربعة محاور:
1. الوقاية: تبدأ من المدرسة والأسرة لتربية الأجيال على قيم المساواة والاحترام.
2. الحماية: توفير آليات كـمراكز الاستماع.
3. الزجر: تطبيق القانون بصرامة.
4. التكفل: المواكبة النفسية والاجتماعية للضحية.
أهم التوصيات العملية دعت إلى تكثيف برامج التربية والتوعية، وإشراك الفاعلين الدينيين والمجالس العلمية لتفكيك الخطاب الذي يبرر العنف. كما شددت على ضرورة تقوية التنسيق بين النيابة العامة والأمن والقضاء والصحة والجمعيات [7، 8]، واقتراح آلية « شباك موحد » لتقليل معاناة الضحية.
في الختام، تبقى الرسالة واضحة: المعركة الحقيقية هي معركة ثقافية، والتحدي الأصعب هو تحقيق العدالة للضحية دون أن يُنظر إلى ذلك على أنه « تفكيك للأسرة ».
للاشتراك في قناة الجريدة الإلكترونية جيل 24 ومتابعة المزيد من المحتوى الهادف.
Soyez le premier à commenter