ذ سعد عبد الشفيق.. المؤسسة السجنية والعقوبات البديلة: من التحضير إلى التنزيل… تحديات وآفاق

تأتي مداخلة الأستاذ سعد عبد الشفيع، مدير السجن المحلي بوجدة، في سياق تسليط الضوء على دور المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في تتبع وتنفيذ مقتضيات قانون العقوبات البديلة. وقد استعرض الأستاذ عبد الشفيع هذا الدور من خلال مراحل التحضير، ما قبل دخول القانون حيز التنفيذ، والمهام المنوطة بالمؤسسات السجنية عند بدء العمل بالقانون الجديد.
سياق القانون وأهدافه: أكد الأستاذ عبد الشفيع أن قانون العقوبات البديلة يأتي ضمن مقاربة إنسانية تهدف إلى إضفاء الأنسنة على السياسة الجنائية المغربية. ويستهدف القانون توسيع نطاق تطبيق العقوبات خارج أسوار السجون بدلاً من حصرها في الفضاء المغلق. ومن أبرز دواعي هذا القانون هو الحد من ظاهرة الاكتظاظ في السجون المغربية، حيث يبلغ عدد السجناء حالياً ما يقارب 105,000 سجين، ونصف هذه الساكنة تقريباً محكوم عليها بعقوبات تقل عن خمس سنوات. وشدد على أن السياسة العقابية التقليدية « رسبت » في تحقيق النتائج المرجوة منها، وأن المغرب انضم حديثاً إلى ركب الدول التي تبنت هذه السياسات منذ زمن بعيد.
تحضيرات المندوبية العامة قبل دخول القانون حيز التنفيذ: استعرض مدير السجن المحلي بوجدة الجهود التحضيرية المكثفة التي قامت بها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومنها:
•المشاركة في الاجتماعات الحكومية:
•عضوية اللجان.
•الندوات والأيام الدراسية.
•إعداد المشروع التنظيمي: شاركت في إعداد مشروع المرسوم التطبيقي للقانون (الذي يتكون من 72 مادة مقسمة على ثلاثة أبواب)، ومناقشته على مستوى الأمانة العامة للحكومة.
•الاستعداد الهيكلي واللوجستي: عقدت اجتماعات تنسيقية مركزياً ومع مديريات المؤسسات السجنية، وأعدت تصوراً حول الحاجيات من حيث الوسائل التقنية (مرتبطة بالمراقبة الإلكترونية التي ستتكفل الدولة بتحديدها عبر صندوق الإيداع والتدبير)، والموارد البشرية، والتجهيزات.
•المنصة الإلكترونية: أحدثت المندوبية العامة منصة إلكترونية وطنية، مع خطة لتنزيل تدريجي لمنصات جهوية ومحلية.
•إعداد القوائم: أعدت لوائح بالمؤسسات السجنية التي ستتولى تنفيذ العقوبات البديلة، ولوائح بالمؤسسات والمراكز التي يمكن أن يخضع فيها المحكوم عليهم لتدابير علاجية أو تأهيلية بالتنسيق مع القطاعات الحكومية والمؤسسات الصحية. كما تم تحديد برامج عمل وقوائم بالأماكن المخصصة لتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة (من خلال اتفاقيات مع الدولة والمؤسسات العمومية).
•التكوين والتأطير: أعدت دلائل مسطرية لتوحيد العمل، ونماذج من المحاضر والتقارير والبطائق والسجلات. ويتم حالياً إجراء تكوينات لمديري وموظفي المؤسسات السجنية.
مهام المؤسسة السجنية عند دخول القانون حيز التنفيذ: تتضمن مهام المؤسسة السجنية نوعين من الأدوار: مشتركة وخاصة بكل عقوبة بديلة:
1.مهام عامة ومشتركة بين جميع العقوبات البديلة:
◦التقيد بتعليمات وأوامر قاضي تطبيق العقوبات.
◦التنسيق مع المصالح الخارجية والقطاعات والمؤسسات العمومية والخاصة.
◦التوصل بالمقررات التنفيذية والقضائية المتعلقة بالعقوبات البديلة.
◦احتساب مدة العقوبة البديلة والإفراج عن المعتقل المحكوم عليه.
◦استدعاء المحكوم عليهم غير المعتقلين لمباشرة إجراءات التنفيذ.
◦إخبار المحكوم عليهم بالالتزامات المفروضة عليهم والجزاءات عند الإخلال بها.
◦التقيد بطلبات استبدال العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة.
◦مسك سجل العقوبات البديلة وملفات للمحكوم عليهم.
◦إعداد تقارير بانتهاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة.
◦تسليم المحكوم عليه نسخة من سجل العقوبة البديلة.
◦الرجوع إلى قاضي تطبيق العقوبات عند كل صعوبة في التنفيذ.
2.مهام خاصة بكل عقوبة بديلة على حدة:
◦عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة: التنسيق مع المؤسسات المستقبلة للمحكوم عليهم، موافاة قاضي تطبيق العقوبات والنيابة العامة ببرامج وأماكن العمل، تلقي التقارير من جهات العمل ومعالجتها، القيام بزيارات لمراقبة سير العقوبة، وإمكانية طلب التوقيف المؤقت للتنفيذ.
◦عقوبة المراقبة الإلكترونية: القيام بزيارات قبلية للتأكد من توفر الشروط، تركيب وإزالة القيد الإلكتروني، التنسيق مع قاضي تطبيق العقوبات لتكليف موظفين للعمل بالمكاتب المحدثة بالمحاكم، إطلاع المحكوم عليه بكيفيات التعامل مع الجهاز، القيام بزيارات رصد وتتبع، واتخاذ التدابير اللازمة عند الإخلال بالشروط.
◦عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية/علاجية/تأهيلية: التأكد من التزام المحكوم عليه بالإقامة في مكان محدد، اتخاذ الإجراءات اللازمة للمراقبة (مثل التقدم إلى المؤسسة السجنية في أوقات محددة)، التنسيق مع أجهزة الأمن والمساعدة الاجتماعية، القيام بزيارات دورية ومفاجئة. وبالنسبة للتدابير العلاجية والتأهيلية، يتم التنسيق مع المراكز والمصحات المعنية لضمان خضوع المحكوم عليه للعلاج أو التأهيل وتقديم الوثائق والإبلاغ.
◦عقوبة الغرامة اليومية: احتساب مجموع مبلغ الغرامة، تقديم التسهيلات لتمكين المعتقل من الأداء، استخلاص الغرامة بصندوق المحكمة، تتبع أداء الأقساط للمحكوم عليهم في حالة سراح، إمكانية الاقتطاع من الحساب الاسمي للمعتقل داخل المؤسسة السجنية.
التحديات والآفاق: أقر الأستاذ عبد الشفيع بأن التحدي الأكبر يكمن في مرحلة التنفيذ. وأشار إلى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب ضرورة التنسيق وعقد اجتماعات دورية وتشاركية لحلحلة مختلف الإشكاليات. كما دعا إلى الانخراط النفسي والمهني لجميع الأطراف المعنية. وأكد على أن الموظفين الذين اعتادوا العمل في « فضاء مغلق » (السجون) سينتقلون إلى ممارسة المهام والاختصاصات « خارج الأسوار »، مما يتطلب بنية تحتية مهمة جداً من حيث التكوين والتأطير واللوجستيك. وفي الختام، عبر عن تفاؤله بنجاح مسار هذا القانون بفضل التعاون بين الجميع، مؤكداً أن المغرب يتخذ خطوات عملية في تنزيل هذا القانون الذي سبقت فيه دول أخرى.

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*