
قدم الأستاذ إبراهيم متقي مداخلة قيمة بعنوان « التنسيق المحلي بين القطاعات الحكومية في تطبيق العقوبات البديلة: عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة نموذجًا ». وقد استعرض في مداخلته الدور المحوري للتنسيق على المستوى المحلي في تفعيل قانون العقوبات البديلة، مع التركيز بشكل خاص على عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة كأحد أبرز هذه البدائل.
1. فلسفة عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة وشروطها: أكد الأستاذ المتقي أن قانون العقوبات البديلة يندرج ضمن مقاربة إنسانية تهدف إلى إضفاء الأنسنة على السياسة الجنائية، وتفادي اكتظاظ السجون، وتأهيل الجناة، والحد من حالات العود. وتعتبر عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة أبرز هذه العقوبات البديلة، حيث تقوم على فلسفة استبدال العقوبات الحبسية قصيرة المدة بعمل يمارسه المحكوم عليه لفائدة المجتمع. لتطبيق هذه العقوبة، اشترط القانون توفر مجموعة من الشروط في المحكوم عليه:
•بلوغ 15 سنة على الأقل بتاريخ صدور الحكم.
•انعدام حالة العود.
•تحديد مدة العمل: تتراوح بين 40 و 3600 ساعة، بحيث تقدر المحكمة عدد الساعات بموازاة كل يوم حبس بثلاث ساعات من العمل، مع مراعاة الحدين الأدنى والأقصى، وأن لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسًا.
•اعتبارات قضائية: يجب أن تحكم المحكمة بالعقوبة الحبسية الأصلية قبل استبدالها بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، مع الأخذ في الاعتبار خطورة الفعل المرتكب، الظروف الشخصية والاجتماعية للمحكوم عليه، وقابلية العقوبة للتقويم والإدماج.
•موافقة المحكوم عليه: يجب أن يشعر المتهم صراحة بأن الإخلال بالتنفيذ يؤدي إلى تنفيذ العقوبة الأصلية.
2. آليات التنسيق المحلي ودور الفاعلين: أشار الأستاذ المتقي إلى أن المرسوم التطبيقي (رقم 2.22.336) نص على إحداث لجنة محلية يرأسها السيد عامل العمالة أو الإقليم، وتتولى مهمة التنسيق بين مختلف القطاعات والإدارات لتسهيل تنفيذ العقوبات البديلة وتجاوز الإكراهات. هذه المنظومة تتضمن متدخلين قضائيين وإداريين ومحليين يقدمون الدعم والمساعدة لإدارة السجون وقاضي تطبيق العقوبات. تتألف اللجنة المحلية المختلطة لتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة من قاضي تطبيق العقوبات بالمحاكم الابتدائية (رئيسًا)، وممثلين عن العمالة، وممثلين عن القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات التي ستقوم باستقبال المحكوم عليهم لتنفيذ العمل. وتتمثل مهام هذه اللجنة أساسًا في:
•تحديد أماكن العمل.
•توزيع المحكوم عليهم على الأماكن المحددة.
•متابعة تنفيذ العقوبة والتأكد من التزامهم بالشروط.
•إعداد تقارير دورية حول سير التنفيذ.
•التنسيق مع القطاعات الحكومية والهيئات على المستوى المحلي.
كما أبرز دور مدير المؤسسة السجنية في التنسيق المحلي مع مصالح الدولة والجماعات الترابية وهيئات حماية الحقوق والحريات والمؤسسات العمومية والخيرية ودور العبادة والجمعيات والمنظمات غير الحكومية العاملة في المصلحة العامة. يقوم مدير المؤسسة السجنية، بالتنسيق مع هذه المصالح، بإعداد لائحة الأماكن وبرامج العمل التي يمكن تخصيصها للعمل لأجل المنفعة العامة، وذلك في إطار اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، ويتم تحيين هذه اللوائح والبرامج بشكل دوري.
3. إجراءات التنفيذ والتتبع: تلتزم القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات المستقبلة للمحكوم عليهم بـ:
•استقبال المحكوم عليه وتخصيص عمل له يحافظ على كرامته الإنسانية ويمنع تكليفه بأعمال منفعة خاصة.
•التنسيق مع الإدارة المكلفة بالسجون في كل ما يهم تنفيذ العقوبة.
•تبليغ المحكوم عليه بضوابط العمل.
•مسك سجل العمل لأجل المنفعة العامة.
•إعداد تقارير شهرية وتقارير أخرى كلما طلب منها ذلك حول تنفيذ العقوبة وتقديمها للجهات المختصة.
•إخبار مدير المؤسسة السجنية فورًا عند عدم احترام المحكوم عليه لضوابط العمل.
•وضع سجل العمل لأجل المنفعة العامة رهن إشارة المكلف بالمراقبة لمراجعته والاطلاع عليه.
بالنسبة للمحكوم عليه غير المعتقل، يتم إحالة الملف على البنية المحلية المختصة قبل إتمام إجراءات الإفراج، واحتساب مدة العمل لأجل المنفعة العامة التي يتعين على المحكوم عليه قضاؤها بعد خصم مدة اعتقاله. أما المحكوم عليه غير المعتقل، فتقوم البنية المحلية المختصة بفتح ملف له يتضمن محضر الالتزام ومكان وطبيعة العمل والبرنامج الزمني. كما تبرمج البنية المحلية زيارات دورية ومفاجئة للتأكد من التزام المحكوم عليه. يتولى مدير المؤسسة السجنية إشعار قاضي تطبيق العقوبات البديلة بأي إخلال، وله إمكانية تقديم طلب لتوقيف مؤقت لتنفيذ العقوبة لأسباب معينة. وفي الختام، يعد مدير المؤسسة السجنية تقريرًا مفصلاً ويرفعه إلى قاضي تطبيق العقوبات ووكيل الملك. لا يمكن للقطاعات الحكومية أو المؤسسات منح المحكوم عليه أي وثيقة إدارية تتعلق بالعقوبة البديلة باستثناء ما تطلبه الجهات القضائية.
4. التحديات المطروحة: تطرق الأستاذ المتقي إلى عدة تحديات قد تواجه مسار تنزيل عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة:
•عدم تحديد نوعية الأعمال: مما قد ينتج تفاوتًا في تفسير مسألة التناسب بين خطورة الجريمة والعقوبة البديلة.
•التقبل المجتمعي: هناك جانب ثقافي في كيفية تقبل المواطنين لنظام العقوبات البديلة، خاصة على مستوى الضحايا الذين يعتبرون أن ثمن الجريمة هو السجن.
•إكراهات التنسيق: وجود متدخلين كثر (إداريون وقضائيون وإدارة سجون)، مما يتطلب انخراط الجميع في العملية.
5. الخلاصة: اختتم الأستاذ إبراهيم المتقي مداخلته بالتأكيد على أن عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة تشكل أحد أنجع الأساليب المعتمدة لتأهيل المحكوم عليه وإعادة إدماجه في المجتمع دون اللجوء إلى العقوبات الحبسية قصيرة المدة التي أثبتت محدوديتها. وشدد على أن هذا القانون هو استجابة تشريعية لحاجات مجتمعية. كما أشار إلى أن نجاح هذا القانون يتطلب انخراط الجميع في هذا الورش من حيث التنسيق المحكم بين القطاعات الحكومية والمصالح اللامركزية للدولة. وأكد على أن الممارسة القضائية ستوضح أي غموض أو قصور حاليًا.
Soyez le premier à commenter