تحليل معمق يكشف تفاصيل التحول الاستراتيجي الكبير الذي جعل المغرب ينتقل من مجرد طرف « يستهلك الأمن الدولي » إلى « طرف رئيسي ينتج ويصدر الأمن »، وهي قصة بناء استراتيجي دقيق استمر لعقد من الزمن (2015-2025).
ماذا تعني لحظة مراكش؟ لم يكن انعقاد الدورة 93 للجمعية العامة للإنتربول في مراكش في نوفمبر 2025 مجرد اختيار لوجيستي، بل وُصف بأنه « إعلان جيوسياسي ». لقد كانت مراكش، بحضور أكثر من 800 مشارك من 179 دولة، عاصمة الأمن العالمي لأربعة أيام، في إشارة رمزية إلى تحول مركز الثقل في العمل الشرطي الدولي نحو دول الجنوب العالمي.
ركائز القوة المغربية الجديدة:
1. إعادة الهيكلة والعقيدة الأمنية: يرجع التغيير الجذري إلى إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الأمنية المغربية قادتها القيادة الموحدة للسيد عبد اللطيف حموشي (المديرية العامة للأمن الوطني والمخابرات الداخلية). وقد خلق هذا الدمج سيولة وسرعة استجابة فائقة. وتعتمد هذه الاستراتيجية على « عقيدة حموشي » التي تتبنى مفهوم « الأمن التضامني »، حيث أمن المغرب مرتبط بأمن جيرانه في أفريقيا وأوروبا.
2. النفوذ المؤسسي والتأثير العملياتي: يمارس المغرب نفوذه داخل الإنتربول عبر المناصب القيادية، مثل شغل السيد محمد الدخيسي منصب نائب رئيس الإنتربول عن قارة أفريقيا، مما يسمح للمغرب بتشكيل الأجندة الأمنية للقارة. وقد نجح المغرب في توجيه الاهتمام الدولي لتهديدات أفريقية خاصة، مثل سرقة المواشي التي تُعد شريان لتمويل الجماعات الإرهابية في الساحل.
3. قفزة « الشرطة 4.0 »: كشفت مراكش عن نظامين ثوريين يعملان بالذكاء الاصطناعي:
◦ نكسس (Nexus): منصة تراسل متطورة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتنظيم وتصنيف واستخلاص الكيانات المهمة من البيانات، مما يقلل زمن الاستجابة من أيام إلى ساعات.
◦ إي في آي (IVI): أول مساعد افتراضي للشرطة يعمل بالكامل داخل سحابة الإنتربول المؤمنة، قادر على معالجة البيانات الضخمة المأخوذة من خلايا إرهابية واكتشاف الروابط الخفية بين المشتبه فيهم.
4. الجودة والمصداقية: يُظهر المغرب انضباطاً عالياً في استخدام أدوات الإنتربول، حيث يركز على « الجودة فوق الكمية » في طلبات النشرات الحمراء، مستهدفاً الأهداف عالية القيمة (مثل الإرهابيين وتجار المخدرات الكبار)، مما يعزز مصداقيته داخل المنظمة.
5. النتائج على الأرض: أدت هذه الاستراتيجية إلى نجاحات ملموسة؛ إذ ساهمت المعلومات الاستخباراتية المغربية (الـ HUMINT) في إحباط هجمات إرهابية وشيكة في دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وإسبانيا. كما تصف المصادر المغرب بأنه « حارس البوابة الجنوبية لأوروبا » في العمليات الأمنية المشتركة مثل « نبتون ».
المستقبل والتحديات: يستعد المغرب للاختبار الأكبر وهو تنظيم كأس العالم 2030، حيث يتم التخطيط لإنشاء مركز قيادة أمني موحد للمونديال يربط بين الأجهزة الأمنية في المغرب وإسبانيا والبرتغال. كما يتضمن الدور المستقبلي إنشاء المعهد الدولي للتكوين الشرطي في إفران ليكون مركز تميز قاري. ومع هذا التطور التكنولوجي والقوة المتزايدة، تؤكد المصادر على ضرورة الموازنة بين القدرات الأمنية وحماية حقوق الإنسان والمصداقية الحقوقية لتجنب أي استغلال سياسي لأدوات الإنتربول [12، 13].
خلاصة: المغرب لم يعد مجرد شريك، بل أصبح « فاعلاً لا غنى عنه » في قلب منظومة الإنتربول.
لا تنسوا دعم الجريدة الإلكترونية « جيل 24 » للمزيد من التحليلات العميقة!
Soyez le premier à commenter