هل يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

الصادق العثماني (باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني)

سؤال يتكرر كل سنة عند اقتراب مناسبة المولد النبوي الشريف، ولادة خير البرية الأكرم عليه الصلاة والسلام، هل يجوز الاحتفال بمولد النبي الكريم؟ نعم، الاحتفال به جائز بقول الأئمة المعتبرين، مع العلم أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن بلغ مبلغ الاجتهاد في كل عصر من العصور  رضي الله عنهم أجمعين ، بحيث ليس لأي شخص درس ما تيسر من العلم الشرعي وألّف مؤلفًا صغيرًا أو كبيرًا أن يأخذَ وظيفة المجتهد والأئمة الكرام فيُحلل ويحرّم حسب هواه وأيديولوجيته ومذهبه الذي ينتمي إليه،  دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والموسوعية في شتى دروب المعرفة والعلوم ، فمَن يحرم ذكر الله عز وجل وذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم المولد النبوي بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعله فنقول له: هل تحرّم المحاريب التي في المساجد وتعتقد أنها بدعة ضلالة؟! وهل تحرّم جمع القرءان في المصحف ونقطه بدعوى أن النبي لم يفعله؟! فإن كنتَ تُحرّم ذلك فقد ضيقتَ ما وسع الله على عباده من استحداث أعمال خير لم تكن على عهد الرسول. فقد قال صلى الله عليه وسلم: “مَن سَنّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أجرُها وأجْرُ مَن عَملَ بها بعده من غير أنْ ينقُصَ من أجورهم شىء ” رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقال الخليفة عمر بن الخطـاب رضي الله عنه بعــدما جمع الناس على إمـام واحد في صـلاة التراويح: “نِعْمَ البدعة هذه ” رواه الإمام البخاري في صحيحه.

وفي هذا السياق ذهب جم غفير من العلماء الكبار في جواز الاحتفال بمولد الهادي عليه الصلاة والسلام ومنهم: 

– الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفى سنة902) في حكم الاحتفال بالمولد النبوي قال في فتاويه: ” إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهـر عليهم من بركاته كل فضل عميم. “

نقلها عنه محمد بن يوسف الشامي في كتابه سبل الهدى والرشاد.

– الحافظ عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة (المتوفى سنة 965هـ) في حكم الاحتفال بالمولد النبوي قال في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث ما نصـه:

” ومن أحسن البدع ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور. فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء، مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك، وبشكر الله على النعمة المحمدية. “

– الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي (المتوفى سنة 1299هـ)  في حكم الاحتفال بالمولد النبوي قال في كتابه القول المنجي ما نصه:

” لا زال أهل الإسلام يحتفلون ويهتمون بشهر مولده عليـه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقـون في لياليه بأنواع الصدقات و يظهرون السرور ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، وأول من أحدث فعل المولد الملك المظفر أبو سعيد صاحب إربل فكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل احتفالاً هائلاً، وقد حكى بعض من حضر سماطه في بعض الموالد أنه عدّ فيه (خمسة آلاف رأس غنم مشوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حـلواء) وكان شهماً شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية. “

– الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) في حكم الاحتفال بالمولد النبوي قال في كتابه حسن المقصد في عمل المولد:

” إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرءان ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمدّ لهم سماطٌ يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يُثـاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده صلى الله عليه وسلم الشريف. “

– الشيخ عبد المجيد المغربي الطرابلسي أمين الفتوى (المتوفى سنة1352هـ ) قال في كتابه المنهاج في المعراج ما نصه :

” اعتاد الناس الاحتفال لاستماع قصة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام ولَنِعمَتِ الذكرى بمولد النبي العظيم الذي أخرج الله الخلقَ بهديه من الظلمات إلى النور. “

– الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر سابقً (المتوفى سنة 1378هـ) قال في مجلة الهداية الإسلامية مـا نصه:

” أما احتفالنا بذكرى مولده فإنّا لم نفعل غير ما فعله حَسّان بن ثابت رضي الله عنه حين كان يجلس إليه الناس ويسمعهم مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعر ولم نفعل غير ما فعل علي بن أبي طالب أو البراء بن عازب أو أنس بن مالك رضي الله عنهم حين يتحدثون عن محاسن رسول الله الخلقية والخلقية في جماعة. “

– السيد علوى المالكي المدرس في المسجد الحرام (المتوفى سنة1391 هـ) في حكم الاحتفال بالمولد النبوي قال في مجموع فتاويه ورسائله ما نصه:

” يحتوي المولد على ثلاثة أشياء: أولاً: أنه يحتوي على ذكر اسمه عليه الصلاة والسلام ونسبه وكيفية ولادته وما وقع فيها من الآيات وكيفية نشأته وما وقع له من الرحلة للتجارة الإرهاصات الغريبة والأحوال العجيبة وذكر مبدإ بعثته وما لاقاه من الأذى والمحنة في سبيل نشر الدعوة وتبليغ القرءان وذكر هجرته وما وقع له من الغزوات والمواقف والأحوال وذكر وفاته وهل يشك الناظر في ذلك أن سيرة سيد الخلق وسيلة لكمال محبته وواسطة لتمام معرفته.

الثاني: أن المولد سبب للصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب منا بقوله {ﭐﱡيا أيها الذين آمنوا صَلُّوا عليه وسلِّمُوا تسليما} وكم للصلاة عليه من فوائد.

الثالث: أنه يحتوي على ذكر أخلاقه الشريفة وسنته الجليلة وآدابه التي أدّبه بها ربه تبارك وتعالى وفي ذلك حث على متابعته وحض على آثاره والسير على منهجه والتأسي بآدابه هذا وقد اكتسب العلماء الدعاة إلى الله تعالى في البلاد الحضرمية فرصة اجتماع العامة في مجلس المولد الشريف فقاموا بمذاكرتهم وجعلوا ذلك وسيلة لإرشادهم وفي ذلك نفع عميم وإرشاد للصراط المستقيم. “

قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني: ” إنَّ قاصدي الخير وإظهار الفرح والسرور بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم والمحبة له، يكفيهـم أن يجمعوا أهل الخير والصلاح والفقراء والمساكين، فيُطعموهم ويتصدقوا عليهم محبةً له صلى الله عليه وسلم، فإن أرادوا فوق ذلك، أَمروا من يُنشد من المدائح النبوية والأشـعار المتعلقة بالحثّ على الأخلاق الكريمة مما يُحرَك القلوب إلى فـعل الخيرات، والكفّ عن البدع المنكَرات أي لأنَّ من أقوى الأسباب الباعثة على محبته صلى الله عليه وسلم سماعَ الأصوات الحسنة المطربة بإنشاد المدائح النبوية، إذا صادفت محلاً قابلاً فإنها تُحدِث للسامع شكرًا ومحبة. “ من كتاب (روح السِيَر) للبرهان ابراهيم الحلبي الحنفي . 

وفي الختام، أرفع لحضراتكم أطيب التهاني بولادة خير البرية الهادي ، وكل عام وأنتم بألف خير وسلام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى