رأي نقابي في موضوع عطالة حاملي الشهادات

ذ. البشير جابريالقنيطرة في: 03 أكتوبر 2020.

تقدم الأسر المغربية تضحيات مادية كبيرة من أجل تعليم أبنائها، لكي تضمن لهم حياة مستقبلية كريمة، كما تنفق الدولة ميزانية ضخمة على التعليم والتكوين، وإن كانت هذه الميزانية غير كافية، كواجب اجتماعي متعاقد عليه في الدستور المغربي. إن أحد أهم مقومات الحياة الكريمة المنشودة من طرف المجتمع المغربي هو حصول الأبناء على شغل يحقق لهم توازنا نفسيا عائليا اجتماعيا. لكن ما أصبح يقض مضجع الأسر والمجتمع برمته منذ عقود، هو أنه بالرغم من هذه التضحيات من طرف المجتمع والأسر والأبناء، فإن فرص الشغل أصبحت لا تستوعب نسبة هائلة من الشباب حاملي الشهادات، فأصبحنا نجتر  ظاهرة خطيرة هي ظاهرة عطالة حاملي الشهادات، مما سيبخس في نظر الأسر والأجيال الصاعدة أي مجهود في التعليم.

وقفت الدراسة التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2018 حول “الملاءمة بين التكوين والتشغيل بالمغرب”،لمواجهة معضلة بطالة حاملي الشهادات، على مسألة انعدام التطابق بين مدونتي التكوين والمهن. وهذا ما يستدعي طرح مجموعة من الأسئلة حول مكامن الخلل:

  • هل تطلب سوق الشغل كفايات خاصة تعجز المدرسة المغربية عن توفيرها ؟
  • أم أن سوق الشغل ليست في حاجةإلى كفايات مهنية عالية بل فقط مهارات أولية؟
  • أم أن سوق الشغل تطلب كفايات معينة وفي المقابل توفر المدرسة المغربية أخرى لا تلائم ما تطلبه الأولى ؟

وما هو ملاحظ، هو أن تعاطي المسؤولين والمهتمين مع هذه الظاهرة، يذهب دائما في اتجاه الإجابة على السؤال الأخير، أي كأن هناك سوقا نشيطة للشغل يقابلها تعليم وتكوين لا يوفران لها الكفايات المرجوة فتضطر هذه السوق إلى استيرادها من دول أخرى.

بالتعامل مع أرقام المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2018، نجد أنها تقسم حاملي الشهادات المعطلين إلى صنفين: صنف أول يتكون من حاملي شهادات التعليم العام، وصنف ثان يتكون من شهادات التكوين المهني. وحسب إحصائيات هذه المندوبية فإن معدل بطالة حاملي شهادات التعليم العام هو في المتوسط20%، أما بالنسبة لحاملي شهادات التكوين المهني فهو يقترب من26%،وبالنسبة للنشيطين المشتغلين بدون شهادة يقترب هذا المعدل من%11,2 .إن أولى القراءات لهذه النتائج الإحصائية تفيد أن نسبة البطالة في صفوف خريجي التكوين المهني تفوق مثيلتها في صفوف حاملي شهادات التعليم العام.

وتضيف دراسة المندوبية السامية أن معدل البطالة يأخذ اتجاها نحو الارتفاع من القاعدة نحو القمة لهرم المستويات المهنية للتكوين والشهادات، حيث تعرف البطالة منحى تزايديا لحاملي شهادات التكوين المهني، إذ ينتقل معدل البطالة من %21 بالنسبة للحاصلين على شهادة الاستئناس المهني، إلى %26 بالنسبة لحاملي شهادة التخصص المهني، ثم إلى 29%بالنسبة لحاملي شهادة التأهيل المهني، وحوالي %27 بالنسبة للتقنيين المتخصصين.

فهل يمكن أن نعتبرمؤسسات التكوين المهني تساهم في تخريج المعطلين ؟

من خلال ارتفاع نسبة البطالة بين حاملي شهادات التخصص المهني والتأهيل المهني والتخصص التقني، يبدو أن ما توفرهالهياكل الاقتصادية الوطنية من مناصب للشغل لا يتطلب تأهيلا عاليا، أي أنها توفر فقط مناصب شغل ضعيفة الحماية والأجر. هذه النتيجة سيكون لها انعكاسا خطيرا على مستوى الواقع،وهو تبخيس التكوين وانكفاء الأفراد والأسر عن الاستثمار في الحصول على شهادات عليا في التكوين المهني، أو عن التكوين المهني بالجملة.

أما صب اللوم على الخريجين والقول بقلة الاهتمام وضعف الوعي لديهم بالشغيل الذاتي عن طريق تأسيس المنشآت الصغرى، فهو قول يراد به باطل، لأننا نجد من جهة، أن المكوَّنينيجلسون على مقاعد، أو متحلقين، حول مكوِّن، لساعات طوال داخل فضاءات مغلقة يتلقون فيها برامج تلقى عليهم بطريقة دوغمائية تكرس التنميط وتلغي استثارة طاقاتهم الإبداعية.ومن جهة أخرى،لا يقدم لهم أي دعم أو تشجيع حقيقي لشح أو انعدام مصادر التمويل والمصاحبة.

أما بالنسبة لشهادات التعليم العام فالبطالة تأخذ عموما منحى معكوسا، حسب نفس الدراسة، أي أن معدلات نسبة البطالة تنخفض مع شهادات التعليم العام من 22%  في مستوى الثانوي والإعدادي لتصبح 15 % تقريبا دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، بينما تنتقلبعد الإجازة إلى حوالي19 %من بين المجازين إلى 16%من بين حاملي دبلوم الدراسات المعمقة/دبلوم الدراسات العليا/الماستر، لتنخفض إلى 7,7%بالنسبة للمهندسين/الأطر العليا وإلى 4%بالنسبة للدكاترة.

ويغيب، حسب ما اطلعنا عليه من نفس الدراسة، معدل نسبة الهجرة من بين حاملي الشهادات إلى الدول المتقدمة، هذا النزيف المستمر للطاقات البشرية التي صرفت عليها الدولة أموال طائلة من ميزانياتها.

إن تحديد معدل البطالة حسب شهادات التعليم العام يدعو إلى إعادة قراءة الرسالة التي تبعثها الفكرة الشائعة حول التشغيل، والقائلة بأن هناك ارتفاع في معدل البطالة يزداد مع ارتفاع مستويات الشهادات بالمغرب. وفي الحقيقة، أن ما نراه من احتجاج لحاملي الشهادات العليا يدل فقط على ارتفاع الوعي لدى هذه الفئات بحقوقها الدستورية.

إن مشكل بطالة حاملي الشهادات هو مشكل مزمن امتد لعقود، وكل حكومة تأتي إلا وتضع لها برنامجا للقضاء على هذه المعضلة الاجتماعية. لكن سرعان ما تتحول هذه البرامج لتصبح مجرد آليات لحظية لتدبير مؤقت للآفة. في سنة 2018 أطلقت الحكومة برنامج “التعبئة الوطنية لتمكين الشباب”، بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وجمعية مجالس الجهات، الذي يحمل اسم ”ممكن”، معلنة أنه سيوفر مليون و200 ألف منصب وفرصة شغل، في الفترة الممتدة ما بين 2017 و2021. لكن نحن الآن على مشارف 2021 ولا ندري ما الذي أنجز وما لم يتم إنجازه بعد من البرنامج المذكور ، خاصة مع التراجع الاقتصادي الذي عرفته البلاد هذه السنة (2020) جراء تداعيات الحجر الصحي الاحترازي الذي واكب انتشار وباء كوفيد -19.

مشكل بطالة حاملي الشهادات، كان وسيزداد حدة لما أصبحت الآلة تعوض السواعد البشرية، وأصبح الذكاء الصناعي بديلا للذكاء الطبيعي، فالعديد من مناصب الشغل تم استبدالها بوسائل تقنية، وصار لزاما على الحكومة والفاعلين الاقتصاديين مقاربة المشكل بأسلوب جديد يتطلب عدة ضرورات، منها وليس كلها:

  • خلق تعبئة شاملة بين القوى الحية للبلد (منظمات حكومية، مجتمع مدني، شركات….) لمواجهة مشكل بطالة حاملي الشهادات.
  • هيكلة قيادة وطنية من الخبراء والأطر في ميادين الاقتصاد والتكنولوجيا والتربية والتكوين يعهد إليها تتبع تطور مدونتي التكوين والمهن، ووضع مخططات لمسايرة التطورات التي تحدث في الواقع على هاتين المدونتين، وذلك من أجل الملاءمة المستمرة بينهما.
  • تضمين مخطط إصلاح التعليم تدابير وبرامج تربوية، ووضع استراتيجيات للمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح،تتوافق كلها مع متطلبات سوق الشغل.
  • الرفع من وتيرة الاستثمار العمومي، ومحاربة الريع والفساد، البلاءان اللذان ينخران جسد المجتمع ويعيقان خلق الثروة ومناصب الشغل.
  • الرفع من القدرة على تقديم تدريبات ميدانية داخل الأوراش والوحدات الصناعية والاقتصادية في القطاعين العمومي والخاص، مع إعطاء امتيازات ضريبية للمساهمين منالقطاع الأخير، على أن تكون هذه التدريبات تحت إشراف خبراء مشهود لهم بتجربتهم الفعلية الميدانية الناجحة. 
  • مساهمة الجماعات الترابية (جماعات محلية ومجالس إقليمية وجهوية) والغرف، من خلال برامجها العمليةفي محاربة عطالة الشباب، وبالخصوص حاملي الشهادات المعطلين، وجعلها تتنافس فيما بينها من خلال نسب فرص الشغل المؤمنة من طرفها.
  • خلق أوراش تكوين مجانية لمن يرغب في المبادرة وإنشاء المشاريع للشباب حاملي الشهادات،مع توفير التمويل والمصاحبة للمشاريع الواعدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى