تشويه صورة الصين له دوافع خطيرة للغاية..

لم تُسجل مدينة ووهان أي إصابة بفيروس كورونا الجديد في يوم الـ18 من مارس، الأمر الذي يشير إلى أن المعركة ضد الوباء ستحقق الانتصار في المستقبل القريب. ومع ذلك، لا يزال الجدال حول مصدر الفيروس وتسميته مستمرا. بدأت تظهر محاولة ربط الصين بالالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس كورونا الجديد لتشويه صورة الصين في يناير هذا العام، حيث استخدمت بعض وسائل الإعلام الأجنبية من أستراليا والدنمارك تفشى الوباء للتحريض على المشاعر المعادية ضد الصين.

وبالرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تسمية فيروس كرونا الجديد بـ “كوفيد-19″، مازالت وسائل الإعلام الفرنسية تستخدم عبارة “الالتهاب الرئوي لووهان” التي تعتبر مضللة وتمييزية. وفي يوم الـ16 من مارس، مع اقتراب انتهاء الوباء في الصين، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيرسو كورونا الجديد بـ”الفيروس الصيني” في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع تويتر. وفي مؤتمر صحفي عقد في اليوم التالي، وصم ترامب الصين مرة أخرى، واصفا فيروس كورونا الجديد بـ”الفيروس الصيني”، ويصر على صحة الوصف، قائلا: ” أنا قلت إن مصدر الفيروس هو الصين وهذه معلومة دقيقة”.

وعلى الرغم من أن جهود وإنجازات الصين في مكافحة الوباء معترف بها عالميا ومساعدتها للدول الأخرى حظت بإشادة كبيرة، إلا أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية مازالت تستخدم المعايير المزدوجة ضد الصين. ومن المعروف أن انتشار الاسم لمرض ما، هو أسرع  وأوسع من انتشار المرض نفسه. لنأخذ الإنفلونزا الإسبانية كمثال. حيث أنه قبل 100 عام، انتشرت الأنفلونزا الوبائية في أنحاء العالم، الأمر الذي أسفر عن مقتل 50 مليون شخص. وأطلق العالم على هذه الأنفلونزا الوبائية اسم “الإنفلونزا الإسبانية” فقط لأن إسبانيا كانت دولة محايدة آنذاك. وعلى الرغم من أن إسبانيا ليست منشأ هذه الأنفلونزا الوبائية وليست المنطقة الأكثر تضررا، إلا أن إسبانيا تحمل هذه التسمية لأكثر من مائة عام. ومن المتوقع أن تحملها باستمرار في المستقبل.

وهناك الأمثلة المماثلة الأخرى، مثل “الإنفلونزا المكسيكية” و”متلازمة الشرق الأوسط التنفسية”. وإذا كان منطق ترامب صحيحا، فإن تسمية الإنفلونزا الوبائية قبل مائة عام باسم “الإنفلونزا الإسبانية” ليست أمرا عادلا بالنسبة إلى إسبانيا. لأنه من المعروف الآن أن هذا الفيروس نشأ في ولاية كانساس الأمريكية، وانتشرت في قاعدة عسكرية محلية أولا، ثم انتشرت في العديد من الثكنات الأمريكية وفي الأماكن الأمريكية الأخرى. وبعد ذلك، انتشرت في أوروبا عن طريق الجنود الأمريكيين، وأخيرا انتشرت الانفلونزا في العديد من  الأماكن الأخرى في العالم، الأمر الذي أسفر عن مقتل 50 إلى 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. وكانت إسبانيا فقط حلقة من انتشار هذا الفيروس، لذلك كان من المفروض  تسمية هذا الفيروس باسم “فيروس الإنفلونزا الأمريكية”.

كان أول تسجيل لظهور مرض الإيدز في الخامس من يونيو في عام 1981 عندما تم الكشف في الولايات المتحدة على عدد من حالات الإصابة، ووفقا لمنطق ترامب، يجب أن نُطلق على الإيدز المرض المنقول الأمريكي جنسيا، ويجب تسمية فيروس الأيدز “فيروس المرض الجنسي الأمريكي”. وفي عام 2009، بدأت إنفلونزا H1N1 تنتشر في أمريكا الشمالية، ووفقا لمنطق ترامب، يجب تسمية هذا المرض بـ “انفلونزا أمريكا الشمالية”. كانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت لوائح  بشأن تسمية الأمراض المعدية البشرية الجديدة في عام 2015: ينبغي أن يتكون اسم المرض من مصطلحات وصفية عامة، استنادا إلى الأعراض التي يسببها المرض  ويجب أن تكون مصطلحاته الوصفية أكثر تحديدا عندما تتوفر معلومات قوية عن المرض، ومن يتأثر به وخامته أو موسميته.

وإذا كان العامل المسبب للمرض معروفا، ينبغي أن يكون جزءا من اسم المرض نفسه. وتشمل الأسماء التي ينبغي تجنبها المواقع الجغرافية  وأسماء الأشخاص وأنواع الحيوانات أو الأغذية والإشارات الثقافية أو السكانية او الصناعية أو المهنية والمصطلحات التي تثير خوفا لا داعي له. وبناء على هذه القواعد، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في 11 من فبراير عام 2020 في جنيف عن إطلاق اسم كوفيد- 19(Covid-19) على فيروس كورونا الجديد. وذلك ليس فقط لحماية الناس في المناطق المتضررة ، ولكن أيضًا لحماية شعوب البلدان الأخرى.

إن تصرفات تشويه صورة الصين تُعرض شعوب هذه البلدان لخطر الاستخفاف بالوباء. حيث تم تضييع شهرين  من الوقت كافحت الصين من أجلهما بسبب الاعتقاد بأن هذا المرض يحدث في الصين فقط، وقد تطور الالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس كورونا إلى وباء عالمي بسبب الغطرسة والتحامل. الفيروس لا يعرف حدودا ولا يميز بين الأعراق ولا يهمه مستوى الثروة، يجب تجنب ربط الفيروس بالمدن والدول والأعراق. تخلت بعض الدول الغربية  عن التسمية العلمية لمنظمة الصحة العالمية ، واستخدمت التسمية المضللة. ويعتبر ذلك تفكيرا عنصريا قديما يتسم بالشعبوية والهيمنة. لن يؤثر ذلك فقط على أعمال الوقاية والسيطرة في جميع أنحاء العالم ، ولكنه يؤثر على سلامة شعوب هذه البلدان نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى