أسرار “الخبز الحافي”.. ما لم يقله شكري وقاله صديقه

سفيان الغانمي
أول رواية عربية ستترجم إلى أكثر من نيف وعشرين لغة من لغات العالم الحية، من بينها الفرنسية، الإنجليزية، الصينية، بل وحتى العبرية، حققت مبيعات هائلة في السوق، بل ولا زالت إلى الآن من أكثر الروايات انتشارا في الوسط العربي، استطاعت أن تحوّل صاحبها من شاب فقير بئيس، إلى كاتب عالمي يلمع نجمه وسط سماء المبدعين، حكي حولها الكثير، البعض انتقدها حتى وصل بأحدهم الأمر أن كفره بسببها “الخميني”، والبعض الآخر قدره وأعلى من شأنه ورأى أنه بسببها يستحق لقب الكاتب العالمي، إنها رواية الخبز الحافي للشحرور الأبيض، ما قصة كتابة هذه الرواية؟ وما سبب نجاحها؟ وهل فعلا تستحق هذا النجاح؟ هل كان صاحبها يتوقع هكذا نجاح؟
أسئلة كثيرة يحملها القارئ لسيرة الشحرور في ذهنه، قد يستطيع الإجابة عن بعضها، غير أنه لن يظفر ربما بالإجابة الكافية، وذلك لما أثارته هذه الرواية من جدل واسع في الوسط المغربي والعربي عند صدورها بل والعالمي، لكن ربما لو استمعنا لأحد أعز أصدقاء الشحرور، قد ندرك بعض الحقائق التي لم يسبق ربما أن باح بها الشحرور نفسه للرأي العام، كما أن سيرته الذاتية التي يفترض أنها تحكي عن حياته لم تنل إلا النزر اليسير من البؤس الذي عاشه الشحرور.
أصدر صديق شكري المقرب، محمد عز الدين التازي مذكرات تحمل عنوان، محمد شكري غواية العيش والكتابة، تعهد على نفسه فيها أن يحكي عن جميع اللحظات التي جمعته بالكاتب العالمي محمد شكري، كما أنه تناول فيها الكثير من الأسرار التي أباح له بها الكاتب، عمل يسلط الضوء على هذا الكاتب الظاهرة، الذي شغل الدنيا بسبب صدور روايته السالفة الذكر، أعتقد أن قراءة هذه المذكرات مهمة لفهم شخصية الشحرور، بغض النظر عن الأسرار التي تحملها، بل قارئها سيشعر أنه قريب جدا من هذه الشخصية المثيرة للجدل، ربما حتى أكثر من قراءة أعماله.
أثير الكثير حول انتشار هذه الرواية ونجاحها، جرأتها؛ واقعيتها المريرة؛ كسرها للطابوهات المحرمة آنذاك؛ بل وحكاية سيرة أولئك الذين نسيهم التاريخ بتعبير برادة، لكن ربما الذي لا يعرفه الكثير عن هذا العمل أنه كتب وترجم في ظرف عشرة أيام فقط! كيف ذلك؟ كان الكاتب والموسيقي الأمريكي الشهير بول بولز، يقيم في طنجة، وأثناء ذلك تعرف عليه الشحرور عن طريق طباخه محمد المرابط، الذي كان سبق وأن نشر له بول بولز حكايات بالإنجليزية، بعدما كان يرويها له هذا الأخير، وعندما سأل بول بولز شكري هل لديه حكايات، أخبره أن عنده الكثير، كما أن عنده سيرة ذاتية مكتوبة بالعربية، _وهو لم يكتبها بعد_، وفعلا قام الكاتب الأمريكي بنشر حكايات رواها له شكري في مجلة “بلاي بوي” تقاضا عليها مبلغا ماليا كبيرًا، في حين كان غيره من الكتاب يسعى إلى نشر عمله بدون مقابل في بعض الصحف المحلية، كما أن ذلك كان بداية سطوع نجمه. ليس قصة الكتابة في ظرف عشرة أيام هي المحيرة فقط، بل وكيف تمت الترجمة، وخاصة إذا علمنا أن بول بولز لم يكن يتقن العربية، كما أن شكري لم يكن يتقن الإنجليزية، إضافة إلى ذلك كيف كتبت السيرة الذاتية في ظرف عشرة أيام، لكن المؤكد أنها كتبت وترجمت في ظل هذه المدة، يعلق عز الدين التازي على ذلك بأن السيرة كانت حاضرة في ذهنه كان فقط يحتاج إلى نقلها للورق، قد يبدوا هذا ربما تعليلا منطقيا، لكنه قد يعتبره البعض غير مقنع بما يكفي.
شخصية شكري فعلا شخصية غريبة ومضطربة، كانت جرأته ليست في كتاباته فقط، بل وفي حديثه مع أصدقائه ورسائله لهم، كانت عفويته ربما في كل شيء هي سبب نجاح عمله، لم يكن عمله ذاك كفيلا بأن يؤمن له حياة هنيئة رغدة كما اعتقد الكثير، بل ربما على العكس من ذلك، وإن كان قد عاش في الترف في آخر حياته، فإنه قد ظل بعيدا عن أسرته، كما أنهم ظلوا بعيدين عنه، حتى أنه لم يحظر جنازة أمه، ولا أبيه، وبذلك تكون تلك الجراح استمرت معه منذ طفولته إلى وفاته.
تناولت المذكرات تفاصيل كثيرة غير هذه، عن حياة شكري الشخصية ومقامه بطنجة، عن حالته العاطفية وعلاقاته الغرامية الفاشلة، قلقه واضراب نفسيته؛ سبب دخوله إلى مصحة المجانين، ولقاءاته ببعض الكتاب العالميين، مورافيا؛ خوليوا؛ وليامز تينسي؛ وغيرهم كثير، كما أنها تناولت جانبا من بؤسه، ليس ذاك الذي كان يرويه في سيرته الذاتية بل ذاك الذي كان ينخر جسده إلى أن أودى بحياته، عمل يستحق القراءة من أجل فهم شخصية شكري أكثر.