III. الآثار الاقتصادية: عملية موازنة

حلل الأثر الاقتصادي المحتمل لزيادة المعاشات التقاعدية، بما في ذلك تأثيرها على الإنفاق الحكومي.
الزيادات في المعاشات، خاصة تلك التي تُدفع من الصناديق التي تعتمد بشكل كبير على مبدأ التوزيع (مثل الصندوق المغربي للتقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، تزيد بشكل مباشر من أعباء الإنفاق الحكومي أو تضغط بشكل كبير على احتياطيات هذه الصناديق.1 تعاني صناديق التقاعد المغربية بالفعل من عجز هيكلي متفاقم. فقد بلغ العجز في النظام المدني لمعاشات الصندوق المغربي للتقاعد حوالي 5.12 مليار درهم بنهاية عام 2022، وتراجعت احتياطاته بنحو 10.7 مليار درهم مقارنة بعام 2019. كما يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من عجز يقارب 400 مليون درهم.1 هذه الأرقام تؤكد هشاشة الوضع المالي للنظام.
لم تنجح الإصلاحات السابقة التي شملت أنظمة التقاعد في عامي 2016 و2021 في وضع حد للاختلالات، بل أدت فقط إلى تأجيل أفق استدامة نظام المعاشات المدنية حتى عام 2028.1 هذا يشير إلى أن الزيادات الحالية، على الرغم من ضآلتها، تزيد من الضغط على نظام يعاني بالفعل من مشكلات عميقة. تواجه الحكومة معضلة حقيقية: تلبية المطالب الاجتماعية بزيادة المعاشات بينما تدير في الوقت نفسه عجزًا حادًا في صناديق التقاعد. الزيادات الحالية، على الرغم من كونها صغيرة للمتقاعدين، لا تزال تزيد الضغط على الميزانيات المجهدة بالفعل. وقد أقرت وزيرة المالية نفسها بتأخر إصلاح التقاعد، لكنها أشارت إلى أن الزيادات السابقة وتخصيص الميزانيات الإضافية قد ضمنت استدامة الصناديق “لسنتين أو ثلاث سنوات”.16 هذا يدل على أن الحكومة تمارس عملية موازنة مالية دقيقة للغاية، حيث تقدم زيادات رمزية لامتصاص الغضب الشعبي مع محاولة تجنب دفع صناديق التقاعد نحو الانهيار الفوري. ومع ذلك، فإن هذا النهج هو حل قصير الأجل، يؤجل فقط الحاجة الحتمية لإصلاحات هيكلية أكثر جوهرية وربما غير شعبية. فترة الاستدامة “لسنتين أو ثلاث سنوات” تؤكد أن الإجراءات الحالية ليست حلولًا طويلة الأمد.
استكشف كيف يمكن لهذه الزيادة أن تُحفّز الاستهلاك وتُعزّز النمو الاقتصادي.
من الناحية النظرية، تؤدي الزيادة في الدخل المتاح للأفراد، وخاصة ذوي الدخل المنخفض، إلى زيادة في الاستهلاك. هذا لأن هذه الفئات تميل إلى إنفاق الجزء الأكبر من أي دخل إضافي على السلع والخدمات الأساسية، مما يمكن أن يحفز الطلب الكلي ويدعم النمو الاقتصادي.6 ومع ذلك، نظراً لضآلة الزيادات الفعلية التي وصلت إلى المتقاعدين (والتي تراوحت بين 28 و34 درهمًا)، فإن تأثيرها على تحفيز الاستهلاك الكلي سيكون محدودًا جدًا. المتقاعدون يواجهون ارتفاعًا صاروخيًا في الأسعار وتكاليف المعيشة 12، مما يعني أن أي زيادة طفيفة ستُستخدم لتعويض تآكل القدرة الشرائية بسبب التضخم، بدلاً من زيادة الإنفاق التقديري على سلع وخدمات إضافية.
هذا يكشف عن مغالطة “التأثير التصاعدي” مقابل “التأثير التنازلي”. تفترض النظرية الاقتصادية أن زيادة الدخل المنخفض تعزز الاستهلاك. ومع ذلك، فإن الزيادات الفعلية ضئيلة جدًا بحيث يتم امتصاصها على الفور بسبب التضخم. هذا يعني أن التأثير “التنازلي” المقصود على الاستهلاك والنمو الاقتصادي يُلغى إلى حد كبير. هذا يشير إلى أنه لكي تحفز زيادات المعاشات الاستهلاك والنمو الاقتصادي بشكل حقيقي، يجب أن تكون كبيرة بما يكفي لتجاوز التضخم وتوفير زيادة حقيقية في الدخل المتاح. السياسة الحالية، على الرغم من أنها تهدف نظريًا إلى تعزيز الاستهلاك، إلا أنها غير فعالة عمليًا في تحقيق هذا الهدف الاقتصادي الكلي بسبب صغر حجم الزيادات مقارنة بالواقع الاقتصادي. وهذا يؤكد أهمية تحقيق مكاسب دخل حقيقية ومعدلة حسب التضخم لتحقيق تأثير اقتصادي كلي ملموس.
ناقش المخاوف المحتملة بشأن تأثير الزيادة على التضخم وعجز الموازنة الحكومية.
على الرغم من أن الزيادات المباشرة في المعاشات كانت ضئيلة، إلا أن أي زيادة في الكتلة النقدية المتداولة، حتى لو كانت صغيرة، يمكن أن تساهم في الضغط التضخمي إذا لم يقابلها زيادة مقابلة في الإنتاج أو المعروض من السلع والخدمات. ومع ذلك، فإن المخاوف الأكبر تأتي من الارتفاع العام في الأسعار الذي يطالب المتقاعدون بمواجهته، وليس من الزيادة نفسها التي لا تغطي هذا الارتفاع.10
الزيادات في المعاشات، خاصة في ظل العجز الهيكلي الذي تعاني منه صناديق التقاعد 1، تزيد الضغط على الموازنة العامة للدولة. فالحكومة قد تضطر لضخ أموال إضافية لضمان استدامة هذه الصناديق، مما قد يؤثر على الإنفاق في قطاعات أخرى حيوية أو يؤدي إلى زيادة الدين العام. وقد حذر المجلس الأعلى للحسابات من تفاقم العجز الذي يهدد المنظومة ويربك توازنات المالية العامة.1 هذا يكشف عن حلقة مفرغة من نقص التمويل والتضخم. تعاني صناديق التقاعد بالفعل من عجز. أي زيادة، حتى لو كانت صغيرة، تزيد من هذا العجز، مما قد يتطلب تدخلًا حكوميًا. هذا التدخل إما يستنزف الأموال العامة أو يستلزم اتخاذ تدابير غير شعبية مثل زيادة الاشتراكات أو رفع سن التقاعد.1 في الوقت نفسه، يؤدي التضخم المرتفع إلى تآكل قيمة المعاشات، مما يؤدي إلى مزيد من المطالب بالزيادة، مما يخلق حلقة مفرغة من الأنظمة التي تعاني من نقص التمويل وتكافح لمواكبة ارتفاع التكاليف. هذا يشير إلى أن المشكلة لا تتعلق فقط بزيادة المعاشات، بل بالصحة المالية الأساسية وحوكمة نظام التقاعد في سياق التضخم الاقتصادي الأوسع. بدون معالجة العجز الهيكلي وتأثير التضخم على قيمة المعاشات، تصبح أي “زيادة” مجرد حل مؤقت يؤدي إلى تفاقم التحديات المالية طويلة الأجل ويديم عدم رضا المتقاعدين. الاستدامة على المدى الطويل في خطر.