صراع القوى الصاعدة والمهيمنة في ليبيا

بعيدا عن كل المسميات التي تستخدم في وصف وتفسير حقيقة الصراع  في المشهد السياسي الليبي منذ عام 2011م ، من صراع بين إسلاميين وعلمانيين ، او صراع بين  قوى الثورة والثورة المضادة ، فان تطورات الاحداث منذ حوار تونس  واتفاق جنيف في فبراير عام 2021م والذي أدى الى تشكيل مجلس رئاسي جديد ،  وحكومة وحدة وطنية، تجعلنا امام مرحلة جديدة للصراع  يمكن وصف الصراع فيها  بمسمى جديد وهو : ” بالصراع بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة ” . واذا ما اردنا ان نفسر هذا التطور للصراع  فإننا بحاجة الى تتبع مسار الاحداث منذ اتفاق جنيف ، حيث  تم انهاء حكومة الوفاق بإرادة دولية وذهب الفرقاء السياسيين الليبيين الى تونس ثم جنيف، في جنيف تحالفت  القوى المتصارعة في ليبيا  منذ عام 2014م ممثلة في العسكر وواجهتهم السياسية عقيلة صالح رئيس مجلس النواب ، وتيار من الإسلام السياسي يتزعمه محمد صوان دفع بفتحي باشاغا ليكون واجهته الجديدة، تنافست القوائم في جنيف ، وخسرت قائمة عقيلة صالح – فتحي باشاغا  المعبرة عن تحالف القوى المهيمنة امام ساسة جدد في المشهد السياسي الليبي  جمعت بينهم قائمة محمد المنفي – عبد الحميد الدبيبة ، وهذه القائمة تعبر بوضوح عن القوى الصاعدة التي تصدرت المشهد حديثاً.

كان لسياسات الإصلاحات والمعالجات  الاقتصادية ، والتوسع في انفاق المال العام للتخفيف من معاناة الشعب الليبي والتي اتبعتها حكومة الوحدة الوطنية دور كبير  في خلق واقع سياسي واقتصادي جديد شكل تحدياً  مصيرياً  لمشروع القوى المهيمنة التي ادركت بان البساط قد سحب من تحت اقدامها ، وان مشروعها للحكم والذي عملت عليها لسنوات قد بدا يتهاوى، لذلك قامت القوى المهيمنة بعرقلة عمل حكومة الوحدة الوطنية بعدم الموافقة على منحها  الميزانية ،  ثم قام  مجلس النواب  بحجب الثقة عن الحكومة وبدون نصاب قانوني . وعندما فشلت كل محاولات القوى المهيمنة في الإطاحة  بحكومة الوحدة الوطنية قام مجلس النواب  بتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا في فبراير عام 2022م ، وبالنظر الى التحالفات والأطراف التي تشكلت منها حكومة الاستقرار برئاسة  فتحي باشاغا يتضح جلياً  بانها نفس الأطراف المتحالفة في قائمة عقيلة صالح – فتحي باشاغا الخاسرة في جنيف .   

ايقنت القوى المهيمنة فشل كل محاولاتها للإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية ، فكان لابد ان تتجه الى مخطط جديد . الجمعة 21/10/2022م وفي مؤتمر صحفي بوزارة الخارجية المغربية في الرباط  أعلن  خالد المشري  وعقيلة صالح  عن اتفاقهما على توحيد السلطة التنفيذية في أقرب الآجال . وقال المشري : ” اتفقنا على توحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية في فترة لا تتجاوز حلول العام المقبل “، بينما قال عقيلة صالح : ” إنه  اتفق مع المشري على تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية قبل نهاية ديسمبر المقبل ، وأضاف عقيلة صالح بقوله : ” أنهما اتفقا أيضا على ضرورة استئناف الحوار والقيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية “.

ان هذا اللقاء الذي جمع المشري وعقيلة صالح في المغرب ، وما تم الإعلان عنه خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة ثالثة  يصب في نفس مساعي القوى المهيمنة للإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية، ولم يأتي باي جديد لحل الازمة الليبية، والسؤال المهم هنا .. لماذا لا يتفق المجلسان ” مجلس النواب ، والمجلس الأعلى للدولة ” على صياغة قاعدة دستورية للذهاب الى الانتخابات بدلاً  من الحديث عن تشكيل حكومة ثالثة؟.

لقد أسهمت عوامل عديدة في فشل مشروع القوى المهيمنة للبقاء بدون منافس قوي  في المشهد السياسي الليبي ، منافس يهدد مصالحها وامتيازاتها وسيطرتها على مؤسسات الدولة ،  أولها :  الإصلاحات التي نفذتها حكومة الوحدة الوطنية ، وهي إصلاحات ما كانت لتنجز على ارض الواقع بدون دعم مصرف ليبيا المركزي والصديق الكبير تحديداً ، وقد جاءت الإصلاحات  في وقت كان فيه  الشعب الليبي منهك من تكلفة وتداعيات الصراع والحرب  ومتعطش للاستقرار وتحسين مستوى معيشته ، ثانياً :  دور وموقف ثوار فبراير في طرابلس وغرب ليبيا الذين افشلوا مخطط القوى المهيمنة في اقتحام طرابلس عسكرياً  والسيطرة على الحكم بالقوة وفرض حكومة فتحي باشاغا . ان الصراع بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة في ليبيا ليس بمعزل عن تاثيرات وتدخلات  إقليمية ودولية، لذلك فإن  القوى الصاعدة امامها تحدي كبير لان إزاحة مجلسي النواب والاعلى للدولة من المشهد السياسي يتعارض مع مصالح وسياسات دول كبرى ودول إقليمية متدخلة في الصراع الليبي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp