الروح الطاهرة للفأر المخلل والمستشفى الجامعي بوجدة (الحلقة الأولى)

ربما ان مكانتي الاجتماعية لا تهم أحدا و لا ربما حتى ما اكتبه باسلوب لغوي ركيك يناسب مستوايا الدراسي المتواضع. فأنا عامل صغير اكسب قوت يومي بالعمل في وظاءف صغيرة اتقاضى اجرا زهيدا مقابلها.

قصتي بدأت من داخل مختبر لعلم التشريح باحدى جامعات علوم الطب بالمملكة، حيث كلفني مدير اشغال الشركة التي اعمل بها بتنظيف رواق من اروقة المختبر قبل بدء الاشغال فيه.

وانا ازاول عملي، مر سيد قصير القامة، كثيم الصوت تكاذ تحسبه خائفا، مشتت الذهن كان كل هم الدنيا سقط على كتفه، قيل انه رئيس المختبر و طلب مني ان افرغ ثلاجة من محتواها و اضعه في صندوق المهملات مرددا كلمة “éventuellement” التي اتضح لي بعد ان ترجمتها تعني “حسب الظروف” والتي تعني أيضا ما تعنيه.

وانا انفذ ما طلب مني، فاذا بي اسمع صوتا غريبا ينادي و يطلب المساعدة من داخل الثلاجة. انتابني شعور بالفزع، و لكنني تمالكت نفسي و صرت ابحث عن مصدر الصوت فاذا بي افاجئ. بداخل زجاجة كان هناك فار رشيق البنية، جميل الصفة صار يغرق في محلول الخل الذي يملىء الزجاجة. سارعت بفتح الزجاجة و انقاذ الفأر من موت محتم. أعتنيت بالفار حتى استرجع قواه، فدار بيننا حديث لن اصفه لا بالشيق و لا بالغريب، و لكنني عرفت الكثير عن عالم كنت اراه مثاليًا و احترم اناسه.

ترجع بداية قصة الفأر الى عشر سنوات خلت، حينها كان رئيس المختبر الحالي يحاول تلميع صورته من اجل التطلع الى مركزه الحالي، فصار يأثت المختبر و يجلب معدات باثمنة باهضة و جلب أيضا فأران التجارب من اجل تشريحها لتلقين الدروس للطلبة الأطباء على غرار جميع جامعات علوم الطب في العالم.

الا ان الفأران تتطلبان عناية خاصة من دفئ و ماكل و مشرب والا سيكون مآلهما الموت المحتم. وفعلا، نسي صديقنا الطموح ان يعتني بالفاران، فكان مآلها الموت لا غير.

راضيا بقضاء الله و قدره، و بدون اي احساس، قام صديقنا الطموح برمي الجثث في سلة المهملات، ما عدا صديقي الفأر الذي ارتأى ان يخلله لغرض لم نعرفه إلا بعد مضي عشر سنوات. فلا هو وارى جسده التراب، ولا هو فتح المختبر في وجه الطلبة طيلة عشر قرون.

في عالم الروحانيات، هناك أمور لا دراية لنا بها لانها تتجاوز ما يذركه العقل و الحس الانساني. أمور غريبة و ربما خطيرة، عاشها صديقي الفأر. فطالما لم يوارى جسده التراب، بقيت روحه عالقة في الارض. هذه الروح لم تجد الا صديقنا الطموح لتسكنه و ترافقه في كل لحظات حياته من ساعة نومه حتى جرة قلمه على الوثاءق الادارية. ففي عشر سنوات، عاشت هذه الروح في كواليس المسؤولية. و عرفت كيف يصنع القرار في مجال الصحة. و كيف يتحول انسان عادي جدا لم يستطع حتى ان يدير مختبرا صغيرا الى مسؤول كبير عن صحة آلاف المواطنين و يراكم المسؤوليات.

كيف انظم اليه مجموعة من الانتهازيين كي يملو عليه افكارهم الشيطانة. كيف تنظم السيناريوهات من اجل التلاعب على الرأي العام. و كيف يصرف المال العام. و كيف تاخذ القرارات المصيرية بين اشخاص لهم كره شديد لهاذا الوطن همهم الوحيد هو الانتقام من البلد و المواطنين وولي الامر من اجل خدمة مصالحهم الخاصة. وكيف اصبح موظف القطاع العام يرى رصيده البنكي يتضاعف آلاف المرات دون ان يغادر مكتبة في المشفى.

وكيف اصبحت مؤسسة وضعهت فيها الدولة ملايير الدراهم عبارة عن مزبلة يبذر فيها المال العام، و يروج فيها الفساد المالي و الاداري و الاخلاقي، و يقتل فيها المواطن في واضح النهار وامام اعين المسؤول الطموح الذي تعلم أسلوب لغة الخشب والتكثل و تبادل المصالح والنفاق الاجتماعي كي يدافع عن سمعته.

مؤسسة اختلط فيها الدين، والجنس و السلطة و المال كي تصبح وكرا للفساد. بل و الخطير في الأمر ان مؤسسة الدولة اصبحت مصدرا لرؤوس الاموال التي اصبحت تستعمل من طرف موظفي الدولة، و بمباركة رجال الدين و شركاءهم، للاستثمار في القطاع الخاص و بناء مشفى يضاهي كبار المستشفيات الخاصة في المملكة و ذلك لاستقطاب مرضى القطاع العام الذي دمره عمدا و انتقاما صديقنا الطموح و شركاؤه.

وكل هذه الجرائم ضد الانسانية تقترف في منطقة حدودية تحتضر، بعيدا عن اعين السلطة المركزية التي لا يصلها الا جميل الكلام نظرا لتورط مجموعة من الخونة مستغلي المناصب و الثقة التي وضعت فيهم في خدمة مصالحهم الشخصية، و الانتقام من الوطن و الشعب و منافقة ولي الامر.

فالروح طاهرة، و لا تكذب. هذه الروح اطلعت على الظاهر و الخفي من جميع الوثاءق و الاجتماعات السرية و المكالمات المشفرة التي اجراها صديقنا الطموح. و من كان له شك في ما ستقوله الروح، فليقم بعملية تفتيش روتينية، و ليفتح الوثاءق و ليستمع للمكالمات. سيجد حتما بصمات الصديق الطموح و شركاؤه لانهم فعلا نسو ان يمسحو بصماتهم عن كل ما وضعو يدهم عليه.

فلننصت جيدا الى صديقنا الفار و ما علمته عشر سنوات في دهاليز المسؤولية رفقة صديقنا الطموح محب المخللات. وكيف شارك في أنزال الظلم و الجبروت على منطقة عرف اناسها بالكرم و التواضع و الحشمة و الاحترام، منطقة يشهد لها التاريخ صدقا بكونها أرض الجهاد من اجل استقلال البلاد، أرض التعايش الديني مع اليهود و النصارى، فليسافر حول العالم كي يرى كم من يهودي و نصراني ناجح يمتن شكرا لارض اجداده المقدسة و التي اصبحت و للأسف وكرا للوصوليين من اعداء الوطن .

فكيف يسمح لزنديق ان “يخلل” مرضاها تحت شعار تحقيق التوازنات و الامن الاجتماعيين و طاعة عقل مدبر يسيره كدمية لا شخصية لها، ناسيا انه في عشر سنوات، قد سخن بركانا سينفجر يوما ما انفجارا لا تحمد عقباه. لا لسبب الا لأن المسؤولية أسندت الى ثعلب استطاع الاحتيال على وطن كونه و رباه و توخى منه خيرا. ولولا روح الفأر المخلل الطاهرة، لما عرفنا كل ما يروج في مزبلة خلقها مجرم بشع لا روح له و لا مبادء ولا اخلاق. مجرم، رغم عدم كفاءته، فضل ان يضحي بنظام صحي استثمرت فيه الدولة الكثير و الكثير. فهل من التفاتة لوضع حد لهذه الجريمة البشعة المقترفة ضد الانسانية.

كل الوثاءق اصلية و مصادق عليها، وستهم صيدلية المشفى وما سخر لها من ميزانية و اجهزة خيالية، و تدبير الموارد البشرية و الشؤون المالية، والصفقات الصغرى و الكبرى، والمستعجلات، و تسيير المصالح الاستشفائية و المستشفيات واحدا واحدا، و مصلحة المركب الجراحي، و مصالح الانعاش و التخذير بسلطانها المتربع على العرش وما له و ما عليه، و الشكايات التي تقدم بها المواطنون من داخل و خارج المؤسسة، وما خرج من المؤسسة العمومية من ادوية وجدت في مصحات خاصة، و ما وجد في الرصيد المالي لمجموعة من رؤساء المصالح الذين اصبحوا طغاة لا حدود لهم، دون ان ننسى صفقات سيارات الاسعاف و الطائرة المروحية و صفقات الحراسة و النظافة و الحدائق.

ربما لن نتطرق الى مظاهر الفساد الجنسي و التحرش داخل المشفى حفظا لماء وجه ناس فضلو ان يلزمو الصمت الى حين.

فعلى صديقنا الطموح عاشق المخللات و كلمة “éventuellement” ان هذه “éventualité ” قد جاءت ساعتها، وانه حان الاوان كي يستفسر في كل شق على غرار، وان يعلل اخر سنتيم من المال العام الذي دبره من محض اختياره دون الزام. و ان الامانة هي ربط المسؤولية بالمحاسبة. فلقد حان وقت الحساب، فهدف العصابة هو تدمير المشفى العمومي لصالح ما تبني له من مصحات خاصة لتاكل لحوم الضعفاء دون شفقة ولا رحمة.
يتبع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp