خيرة “فواطم المغرب”: فاطنة المدرسي حفيدة فاطمة الفهرية

إعداد:عبد الرحيم باريج/منير حموتي

كان المغرب ومازال أرضا خصبة لميلاد نساء رائدات،استطعن لإيمانهن الشديد برفعة الوطن وغيرتهن على أبنائه صناعة التاريخ،منهن من شاركت في إدارة دفة الحكم باقتدار،وكانت وراء تعيين الأمراء والولاة.
ومنهن من ساهمت في تسيير شؤون الاقتصاد،أو برعت في نشر المعرفة والإنتاج الفكري والأدبي والفقهي وما إلى ذلك من العلوم.ونذكر في هذا الصدد على سبيل المثال كنزة الأوربية التي يرجع له فضل إرساء قواعد دولة الأدارسة،وزينب النفزاوية زوجة مؤسس الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين،والسيدة الحرة حاكمة تطوان..
وإذا كانت “فاطمة الفهرية” الملقبة بأم البنين اشتهرت ببنائها جامع القرويين بمدينة فاس،الذي يعد معلمة تاريخية في نشر العلم،فقد قامت امرأة أخرى تدعى “الحاجة فاطنة المدرسي” أطال الله في عمرها وهي أرملة المجاهد السي أحمد العربي المدرسي رحمه الله المناضل المعروف في المغرب الشرقي إبان معركة التحرير من الاستعمار الفرنسي في المغرب أو الجزائر الذي كان يسعى إلى فعل الخير من أجل الوطن وأبناء الوطن،(قامت) بالتبرع لفائدة جامعة محمد الأول بوجدة،بمبلغ 600 مليون عام 2003 للمساهمة في بناء المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير،كما لم يفتها أن تساهم في إحداث الصرح العلمي الكبير الذي اكتسب شهرة عربية وعالمية “مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية” بالمدينة.
وانطلاقا من قناعاتها الدينية وحرصها الشديد على المساهمة في كل المشاريع الخيرية التي تنال بها الأجر والثواب مع الله،لم تكن تتوقع الحاجة فاطنة المدرسي أن تخلف مبادرتها الصدى الواسع لدى المغاربة وأن يصبح عملها الإحساني مادة صحافية تتداولها مختلف المنابر الإعلامية الوطنية والعربية والأجنبية خصوصا وأنها لا تفضل بالمرة أن يتم تسليط الضوء على حياتها الشخصية على اعتبار أن العمل الذي قامت به تبتغي به وجه الله تعالى لا أقل ولا أكثر على حد تعبيرها.
وذكر الفاعل الجمعوي المعروف ذ.أمين خيري،أن “الحاجة فاطنة المدرسي الفيكيكية من النساء الرائدات في هذا البلد الطيب،اللاتي برهن على علو كعبهن في خدمة العلم والعلماء،وقد خلقت الحدث حيث تبرعت ببناء المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة والذي توالت أفواج المتخرجين منها الذين يحملون الآن شهادات عليا فتحت أمامهم آفاق الشغل والعمل القار.وهي المبادرة التي تنم عن الشعور العميق بروح المواطنة الصادقة والاعتزاز بالانتماء للوطن،وأعطت درسا بليغا لنساء ورجال الأعمال بعموم الوطن وجهة الشرق خاصة،الذين يرجحن كفة المصالح الخاصة على المصلحة العامة،غير مكترثات بالقضايا الكبرى للبلاد وهموم العباد.وهي التي كشفت للمجلس العلمي بوجدة عام 2003 عن نيتها إنفاق مالها في شيء يُفيد الإنسانية،وهو ما حدث فعلا،بعد أن تبرعت بمالها وقامت ببناء بنت المدرسة التي تخرجت منها أجيال متعاقبة”.
وأضاف ابن الفاعل السياسي والرياضي خيري بلخير،أن “الكثير من رواد المجتمع المدني جهويا ووطنيا ومواقع التواصل الاجتماعي تداول هذا العمل الإنساني بسعادة كبيرة،حيث عبروا عن فخرهم واعتزازهم بهذه السيدة،وعن جدارتها واستحقاقها.وكعربون وفاء ومحبة على مبادرتها التي ستظل شاهدة على كرم وسخاء عظيمين،قاموا بتخليد اسمها الى جانب فاطمة الفهرية.وبالفعل لقبوها بحفيدة فاطمة الفهرية الشخصية التاريخية الخالدة في ذاكرة مدينة فاس،والتي أنفقت مالا كثيرا في إعادة بناء مسجد القرويين،ليصبح أول وأشهر معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى”.

العمل الإحساني لا ينحصر فقط في بناء المساجد

توضيحا لكل لبس أو سوء فهم “نحن لا ننفي أهمية المسجد ودوره في الحياة العامة،باعتباره مركزا أساسيا للعبادة وموقعا للتفاعل،يمنح المصلين القدرة على التآزر ويعزز روح الجماعة لديهم،لاسيما بعد أن أصبح منبرا لتلقين دروس محو الأمية والوعظ والإرشاد،تساعد في حماية الشباب من التطرف.
غير أن ما يلاحظ من تسابق بعض المحسنين مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،الوصية على الشأن الديني بالبلاد والتي تحرص على تنظيم الإحسان العمومي في هذا الاتجاه،يثير الكثير من الاستغراب في ظل ارتفاع معدلات الأمية والبطالة.أليس الاستثمار في العنصر البشري،وبناء المدارس والمصانع والمستوصفات،أكثر نفعا وأجرا من بناء المساجد؟ ومن منا اليوم يجهل الدور التربوي والتعليمي للمدرسة،في غرس قيم الأخلاق وتعزيز المكتسبات وتطوير القدرات وتنمية المهارات…؟”.
ولأن الحاجة فاطنة “لا تجيد الحديث عن نفسها،وتختار دائما التعبير عما يخالجها من مشاعر بتوزيع الابتسامة والصمت،قرر ابنها مصطفى الحديث باسمها،وكشف أن والدته عام 2003 توجهت إلى رئيس المجلس العلمي في وجدة (هيئة رسمية تعنى بالشأن الديني)،والتقت العلامة د.مصطفى بنحمزة رئيس المجلس وأحد رموز العمل الخيري.وطلبت منه أن يدلها على مجال تنفق فيه أموالها،شرط ألا يكون هذا العمل هو تشييد مسجد،وهو ما سار عليه العشرات بل المئات من المحسنين في المدينة حتى أصبحت وجدة اليوم تحوي أكثر من ثلاثمئة مسجد،كثاني مدينة بعد إسطنبول من حيث عدد المساجد.وفي ذلك العام،كانت الحاجة ماسة لتشييد مدرسة للتجارة والتسيير أسوة بعدد من المدن المغربية التي كانت قد سبقت إلى تشييد هذه المدرسة،على اعتبارها واحدة من المؤسسات التي تحتضن نخبة من الطلبة الذين يدرسون التجارة والتسيير،فما كان من د.بنحمزة إلا أن وجهها إلى إنفاق مالها في هذا العمل.حيث كان الطلبة خلال مرحلة غياب البناية/المدرسة،يتنقلون لاكتساب المعارف بين عدد من المباني لتأمين دراستهم،من كلية الحقوق بجامعة محمد الأول إلى قاعات غرفة التجارة والصناعة والخدمات مرورا بقاعات المدرسة العليا للتكنولوجيا،لكن تشييد البناية أنهى الرحلة ومنحهم الاستقرار وتخرج منها أجيال متعاقبة “.

“فواطم المغرب”

نشر الخبير الدولي في مناهج التربية والتعليم وإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المنظومة التربوية،كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي ذ.خالد الصمدي،تدوينة عن قيام السيدة فاطمة المدرسي،من مدينة وجدة،بالتكلف بمصاريف بناء “مدرسة عليا للتجارة والتسيير” من مالها الخاص،وأشاد بها،مستحضرا ما قامت به فاطمة الفهرية.
وسلطت التدوينة المعنونة ب”فواطم المغرب”،الضوء على تبرع هذه السيدة بمالها من أجل بناء المدرسة العليا للتجارة والتسيير،عام2003.
وقال ذ.الصمدي “من يشاهد هذه الصور يخالها للتو تخلد لحظة عادية تشارك فيها ام ابنها حفل تخرجه،إلا أنها تخفي حدثا أكبر من ذلك بكثير،حدثا يثلج الصدر فيلهج اللسان بالحمد والثناء ويشعر النفس بالرضا والرضوان،فإذا كانت فاطمة الفهرية قد تبرعت بحر مالها لبناء جامعة القرويين،أول جامعة في الدنيا،فقد بزغ في فجر هذا القرن،نجم السيدة الفاضلة فاطمة المدرسي،التي تطوعت بدورها من حر مالها لبناء تحفة معمارية أكاديمية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة عام 2003،هي المدرسة العليا للتجارة والتسيير،من بدايتها الى نهايتها”.
وأضاف “زرت هذه المؤسسة خلال زيارة رسمية الى الجامعة،وحين سألت عن تكلفتها،فاجئني رئيس الجامعة بالخبر،فشعرت برغبة عارمة في زيارة هذه السيدة،والتعرف عليها،وشكرها،إلا أنني أخبرت بعدم وجودها ساعتها بمدينة بوجدة،وأنها امرأة لا تحب الظهور وشديدة الحياء،اكتفيت من الشوق بالدعاء لها بظهر الغيب،وهي اليوم في هذه الصور،تحضر حفل تخرج فوج من خريجي وخريجات هذه المدرسة،فكلهم تعدهم من أبنائها وبناتها،فاللهم كثر من أمثالها وتقبل منها،وانفعها بعملها هذا يوم تنقطع الأعمال،فلا تنسوها ومن سار على دربها من صالح دعائكم”.
وفي مبادرة خاصة من إدارة جامعة محمد الأول للاعتراف ولو قليلاً بما فعلته فاطنة المدرسي لتمنح الجهة الشرقية معهداً خاص بها،تم إطلاق إسمها على مدرج من مدرجات المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة وذلك تشجيعاً لآخرين بالمبادرة والتبرع من أجل العلم.

احتفاء الجامعة بها تطلق اسمها على مدرج
والوزارة تطرحها في موضوع امتحان البكالوريا

تزامنا مع حفل تخرج الفوج العاشر لطلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير عام 2018 في إطار حفل تخرج 748 طالبا،قامت المؤسسة بتكريم من نوع خاص،للسيدة الفاضلة “الحاجة فاطنة المدرسي”،حيث أصرت إدارة وأساتذة وطلبة المدرسة على تكريمها اعترافا بالجميل والعمل الإحساني الذي قدمته للعلم والمعرفة لما فيه خير الوطن،رفقة فضيلة العلامة د.مصطفى بنحمزة،الذي كان له الفضل في توجيهها من أجل التبرع لفائدة المؤسسة،وللأعمال الجليلة التي يقوم بها.وعرفانا لمكونات جامعة محمد الاول بهذا الجميل وهذه الخدمة الجليلة التي قدمتها هذه المواطنة الغيورة،لم تجد الجامعة شيئا أفضل ويليق بمقام هذه المرأة من إطلاق اسمها على إحدى مدرجات المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير،ضمن أسماء عُلماء أطلقوا على مدرجات مؤسسات جامعة محمد الاول التي أعرب رئيسها وقتها د.محمد بنقدور في معرض حديثه خلال الكلمة الافتتاحية بحفل التخرج عن تقديره وافتخاره بفاطنة المدرسي مشيرا إلى أنها “شرفت المرأة المغربية عامة،والمرأة الوجدية على وجه الخصوص،لأنها ثاني امرأة قامت بهذه المبادرة بعد فاطمة الفهرية التي تبرعت بمالها لبناء جامعة القرويين بفاس التي تعتبر أعرق جامعة في العالم”.
كما احتفت بها وكرمتها وزارة التربية الوطنية،في امتحانات اللغة الإنجليزية للمسالك التابعة للشعب العلمية والتقنية والأصيلة،ضمن الإمتحان الوطني الموحد للباكالوريا في دورته العادية 2019 بموضوع حول نساء مغربيات استأثرن باهتمام الرأي العام،بعنوان “ملهمات من المغرب”.وتطرق الموضوع إلى تبرع فاطنة المدرسي،ونجية نظير التي تبرعت لإنشاء مؤسسة للتعليم ودار للطالب بإقليم سطات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى