هل يكفي أن تقدم الأحزاب تعهدات حازمةو دقيقة ومتماسكة لكي تتحقق الديمقراطية؟

د. محسن أفطيط

تعد وظيفة إعداد البرامج السياسية أحد الأنشطة الأساسية المميزة لعمل الأحزاب، فالبرنامج عبارة عن مجموعة من المقترحات المتماسكة والواقعية التي تعرضها الأحزاب على الناخبين، وتتيح لهم إمكانية الاختيار فيما بينها.

وبذلك، تسهم الأحزاب في توضيح العملية الانتخابية، فالمواطن لم يعد يختار رجلاً أو حزباً، وإنما صار يختار مشروعا مستقبليا. إنه مدعو إلى الإختيار بين برامج تهمه شخصيا.

في حين أن الأحزاب، بتقديمها برامج مفصلة وواضحة، تحترم الناخب، وتعامله كشخص بالغ ومسؤول، وليس كقاصر يجب إرشاده، وتوجيه، وتطلب منه ثقة عمياء.

إن البرنامج الذي يتبناه الحزب، باعتباره دليلا للمبادئ والنوايا والمقترحات الملموسة، يندرج ضمن منطق تعاقدي، يروم أن يصبح التزاماً تجاه الناخبين.

لكن واقع الممارسة السياسية يكشف عن صعوبة التطبيق التام للبرنامج؛ وذلك لاعتبارات، نجملها في التساؤل الآتي: هل يكفي أن تقدم الأحزاب تعهدات حازمة، ومجمَّعة في برنامج دقيق متماسك، لكي تتحقق الديمقراطية الكاملة؟

ومهما قيل عن البرنامج السياسي، فإن ذلك لا يقلل من أهميته؛ فوجوده يمنح المواطنين معالم ونقاط ارتكاز لم يكونوا ليمتلكوها دُونه. كما يترتب عن مناقشته وتبنيه آثارٌ رمزية مهمة؛ فهو يشكل، أولا، ميزة دلالية؛ لأنه يروم إقناع الرأي العام بالجدية التي ينظر بها الحزب إلى مطلب وصوله إلى السلطة.

ولهذا، فإن الإلتزامات التي يقدمها الحزب أمام الشعب، والإجراءات التي ترسخها مناقشات الخبراء، ترفع من مستوى سلطته لدى الرأي العام.

أما الميزة الثانية للبرنامج فهي بيداغوجية؛ لأن أعضاء الجزب ملزمون بتقديم رأيهم في توجهات البرنامج. وبقيامهم بذلك، يتمثلون القضايا الرئيسة فيه من جهة، في الوقت الذي يعمل البرنامج جاهدا لتعريف الجمهور الواسع بمشروع مجتمعي من جهة ثانية؛ وذلك من خلال إقامة جسر بين أفكار قوية؛ كالليبرالية والاشتراكية وحماية البيئة…وتطلعات يومية لمختلف الشرائح الاجتماعية.

وأخيرا، يشكل البرنامج ميزة استراتيجية؛ ذلك بأن كل فقرة من فقراته تميل إلى إغراء فئة معينة من المواطنين، عبر مقترحات تأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم، وتصيغ لها آمالا بتحسين وضعها؛ عن طريق التدابير القطاعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp