لهذه الأسباب “جعر” الإعلام الفرنسي وتوحد في الهجوم على المغرب

مصطفى الفن

ماذا فعل الملك محمد السادس بعد فاجعة الزلزال العنيف الذي ضرب إقليم الحوز وضرب معه مناطق كثيرة بالمغرب؟

لقد قطع جلالته عطلته الخاصة وعاد، على عجل، إلى أرض الوطن وترأس “جلسة عمل” أولى كانت بمثابة “بوصلة” وخارطة طريق لبحث سبل وكيفية التعامل “الجدي” مع كارثة طبيعية حلت ببلادنا..

وهي الجلسة التي حددت فيها أيضا ليس فقط الحاجيات الضرورية والإجراءات الاستعجالية في الإنقاذ والإيواء والإطعام وإجلاء الجرحى خاصة في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب الوصول إليها..

هذه الجلسة الملكية حددت فيها أيضا حتى لائحة الدول المسموح لها بالانضمام إلى فرق الإنقاذ المغربية وفق رؤية روعيت فيها المصالح العليا للوطن وكرامة المغاربة أولا..

كما ترأس الملك جلسة عمل ثانية، بحضور كل المسؤولين على رأس القطاعات والمؤسسات المعنية، انتهت بقرارات “شبه ثورية” لعل أولها هو تخصيص إعانات مالية مهمة وصلت إلى 14 مليون و8 ملايين وثلاثة ملايين سنتيم ستستفيد منها الأسر المتضررة..

وربما لا أبالغ إذا قلت أيضا إن هذه الإعانات المالية التي خصصها بلدنا للمتضررين من زلزال الحوز لم تقع ربما حتى في دول عظمى شهدت مثل هذه الكوارث..

وبالموازاة مع كل هذا، تبرع ملك البلاد بدمه وتبرع بمليار درهم من ماله الخاص ثم قام بزيارة تفقدية لأحوال المصابين والناجين من الزلزال بالمستشفى الجامعي بمراكش..

وهذه كلها إشارات لها ثقلها الرمزي والروحي والمعنوي وتدعو الجميع، أثرياء وغير أثرياء، إلى إعطاء القدوة والنموذج في البذل والعطاء في مثل هذه اللحظات العصيبة التي يجتازها البلد..

ثم توالت القرارات والإجراءات إلى أن وجدنا أنفسنا، في أقل من أسبوع مع هذا الحضور الملكي الميداني، بأننا لم نعد نتحدث اليوم عن تزويد الناس المتضررين بالمؤن وبالأكل وبالماء الصالح للشرب وبالأغطية..

لا..

كل هذا أصبح ربما اليوم جزءا من الماضي لأن المؤن، التي نزلت كل جهات المملكة ونزلت من السماء على المناطق المنكوبة، تجاوزت كل التوقعات من حيث الكثرة ومن حيث الجودة أيضا..

بل إننا، في أقل من أسبوع، أصبحنا نتحدث اليوم عن “الإعمار” في هذه المناطق الجبلية التي دمرها الزلزال بدون سابق إنذار..

وفعلا فما بذله بلدنا من مجهودات استثنائية في هذا المصاب الجلل ليدعو إلى فخر الانتماء لهذا الوطن مهما كانت الملاحظات والمؤاخذات التي تبقى ثانوية أمام ما هو أهم وأمام ما أنجز..

كما ينبغي الاعتراف أيضا بأن جميع المغاربة، بمختلف أعراقهم وروافدهم ومكوناتهم، عربا وغير عرب، أبانوا عن معدن نفيس من خلال هذا التضامن الشعبي الواسع وغير التقليدي مع إخوانهم الأمازيغ في هذه الفاجعة التي كان لها ما بعدها..

وهذه مناسبة لأقول أيضا إن هذه الفاجعة أظهرت مدى “عزلة” وربما حتى مدى “تهافت” تلك الأصوات “النشاز” التي تتحدث عن “عرب غزاة” وعن “أمازيغ” مضطهدين في أرضهم بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد..

لكن علينا ألا ننسى أيضا العمل الجبار والحاسم الذي قامت به النواة الصلبة الجامعة والخيط الناظم لكل هذه الجهود والمساعدات الكثيرة الآتية من كل حدب وصوب..

وأقصد هنا مؤسسة القوات المسلحة الملكية التي تمثل تقريبا جميع أبناء المغاربة تحت الامرة والقيادة الفعلية والمباشرة لرأس السلطة في البلد..

طبعا أقول هذا وأنا أستحضر الدور الهام لمؤسسات أخرى وازنة كالدرك الملكي ووزارة الداخلية وما يتفرع عنها من مؤسسات وأجهزة أمنية كانت ولاتزال حاضرة بقوة في هذه الأحداث المؤلمة..

وعندما أذكر بالدور الطلائعي لمؤسسة الجيش في الوصول إلى أعالي الجبال..

وفي شق الطرق المقطوعة بسبب الزلزال..

وفي إنقاذ أرواح الناجين..

وفي رصد المناطق المتضررة والدواوير المحاصرة..

وفي توزيع المساعدات عبر مرواحياتها العسكرية..

قلت عندما أذكر بهذا، فهذا ليس بغريب عن مؤسسة مواطنة تمتلك أطرا بشرية مؤهلة واختصاصات طبية متنوعة وإمكانيات ولوجيستيك ومعدات متطورة..

كما أن هذه المؤسسة لها تجربة طويلة وخبرة كبيرة بامتداد دولي في نصب المستشفيات العسكرية الميدانية وفي نصب الخيام وفي تثبيت السلم في العديد من بؤر التوتر والنزاع في العالم..

لقد شاهدنا مثل هذا التدخل الإنساني والسلمي والطبي للقوات المسلحة الملكية في محطة الكوفيد هنا ببلادنا..

وشاهدناه أيضا في غزة وفي لبنان وفي الأردن..

وقبل ذلك شاهدناه في هايتي وفي الزايير أو الكونغو الديموقراطية حاليا وفي غيرها من مناطق النزاع في كل قارات الدنيا..

وهذا، في نظري، هو أحسن رد فعلي وعملي وميداني على خصوم المغرب الذي لازال بعضهم يتعامل مع بلدنا بعقلية المستعمر كما لو أننا جزء من ترابه..

والحقيقة على الأرض هي أن بلدنا نجح في الشوط المهم والأهم في هذا الامتحان الصعب..

نعم إن الأمر كذلك لأن بلدنا واجه كارثة طبيعية حقيقية لكن بإمكانياته الذاتية وبوسائله الخاصة وبسواعد خيرة أبنائه وبناته وقواه الحية..

حصل هذا دونما حاجة إلى أن يظهر بلدنا مثل أي دولة إفريقية “تتسول” المساعدات الدولية من الخارج كما لو أننا بلا تاريخ وبلا جغرافيا وبلا ماض وبلا حاضر..

وربما لهذا السبب بالتحديد، قامت الدنيا ولم تقعد إلى حد الآن في فرنسا الماكرونية وفي غير فرنسا حتى أن الإعلام الفرنسي بشقيه العمومي والخاص اتخذ لنفسه خطا تحريريا واحدا وهو الهجوم الكاسح على بلد ضربه زلزال ولازال لم ينته بعد من دفن موتاه..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp