نضالات أساتذة المغرب.. أي إنجازات؟

عبدالنبي أشطبي

نضالات أستاذات وأساتذة الوطن الشرفاء أو “الهَبَّة التعليمية الوطنية” أو “الربيع التربوي المغربي” كما يسميه البعض كيفما كانت نتائجها المتعلقة خصوصا بمقتضيات ومصير النظام الأساسي لهيئة التدريس الذي نشرته الحكومة المغربية بالجريدة الرسمية بداية اكتوبر 2023 أو “نظام المآسي” كما يحب الأساتذة تسميته، حققت و لا زالت تحقق العديد من الانجازات على مستويات متنوعة، منها:

– على المستوى السيكولوجي: ارتفاع منسوب ثقة الأساتذة في ذواتهم و تجاوز أشكال الإحباط التي كانت سائدة لديهم خلال سنوات و عقود سابقة، فمنسوب هذه الثقة اتضح بالملموس من خلال أشكال الاتحاد و الصمود غير المسبوقة لازيد من شهرين متتالين من الإضراب، رغم كل أشكال التهديد و التخويف و اقتطاع الأجور و العنف المادي و الرمزي الذي تعرضوا له منذ بداية الحراك التربوي و أيضا قبله. إن هذه الثقة في الذات الأستاذية هي ما يُحوِّل ما “كان يقلق و يخيف” إلى “عنصر تحفيز جماعي” للمزيد من النضال و الصمود، فصار بذلك الاقتطاع من الأجرة و حتى التوقيف عن العمل رافدا مهما لرفع منسوب الثقة في الذات الجماعية التعليمية، و بالتالي المزيد من التشبت بالملف المطلبي للاساتذة و الاستاذات بجميع فئاتهم بكل ربوع الوطن.

– على المستوى الإجتماعي: إضرابات و نضالات الأساتذة و الاستاذات أعادت للواجهة الاجتماعية النقاش المتعمد نسيانه حول مآسي التعليم المغربي العمومي، و بالخصوص نقاش وضعية الأساتذة داخل نسق الحياة الاجتماعية، و الملاحظ اجتماعيا في هذا الحراك التربوي هو تضامن نسبة مهمة من آباء و أولياء التلاميذ، و جمعيات المجتمع المدني و أيضا المواطنين البسطاء مع الاستاذات و الاساتذة المضربين. و هذا يعبر عن إدراك هاته الفعاليات الاجتماعية لجسامة مهمة المدرسين و دورهم الحاسم في العملية التنشئوية و التربوية للأجيال الصاعدة. بهذا المعنى انتزع كفاح الأساتذة المزيد من مقومات الاعتراف الاجتماعي التي تعيد بناء نوع من المكانة الاعتبارية للاساتذة و التي تم تحطيمها و التقليل من شأنها طيلة السنوات و العقود السابقة نتيجة تداخل عوامل سياسية و ثقافية و اجتماعية متعددة.

– على المستوى السياسي: فضحت نضالات أساتذة الوطن هشاشة و فساد ما يمكن أن نسميه “بالمؤسسات الوسيطة” اي المؤسسات التي تلعب دور الوساطة بين الشغيلة بكل فئاتها من جهة و النظام السياسي القائم بحكومته و برلمانه و مؤسساته من جهة ثانية، الحديث هنا تحديدا عن النقابات و الاحزاب السياسية، حيث تبين بالفعل أن هذه الأخيرة،و بدون تعميم،  فقدت شرعية تمثيلية الشغيلة التعليمية، ما دام الجميع يعرف اليوم أن ما يحرك و يؤطر الحراك التعليمي ليست هي النقابات، بل إنما هي التنسيقيات التي طورت آلياتها في التنظيم و التواصل و النضال في الميدان بشكل فعال و سريع جدا، في مقابل ذلك صارت النقابات و الأحزاب في غالبيتها جهازا غريبا عن الأهداف التي تأسست من أجلها. هذا الوضع المزري الذي تعرفه هذه المؤسسات الوسيطة بشكل عام صار يفرض على السياسات العمومية بالوطن التفكير حاضرا و مستقبلا في كيفية تدبير القضايا الحقوقية للشغيلة بشكل عام و لهيئة التدريس على وجه التحديد، هذا طبعا إن كانت هذه السياسات العمومية تسعى الى حماية السلم الاجتماعي من خلال احترام فصول الدستور المغربي الذي يقول في  فصله الأول أن “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.”، و يوضح أيضا في فصله الثامن : “تساهم المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها.”

– على المستوى التربوي و البيداغوجي : إتضح من خلال الحراك التعليمي أن الأستاذ هو محور العملية التربوية، فإضراب هيئة التدريس عن العمل أصاب المؤسسات التعليمية بالشلل التام، و تبين أن حضور بقية الفاعلين التربويين داخل المدرسة( تلاميذ، إداريون، مفتشون، موجهون، تقنيون.. ) لا معنى له و لا قيمة له في ظل غياب الفاعل الرئيسي الذي هو الأستاذ. إن إدراك قيمة هذا الأخير يفرض اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الاهتمام، ليس فقط بالأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية لمدرسي و مدرسات الوطن، بل أيضا بتكوينهم المعرفي و البيداغوجي و بشروط عملهم و أيضا بصحتهم الجسدية و النفسية، لأن هذا الإهتمام هو المدخل الحقيقي و المركزي لتحقيق جودة العملية التربوية التي تحدثث عنها وزارة التربية الوطنية على مدى عقود و سنوات سابقة كشعار صحفي يُستهلك بداية كل دخول مدرسي لا كواقع يلمسه الاساتذة و هم يمارسون مهمتهم داخل الأقسام و الفصول الدراسية. إن هذا الاعتراف البيداغوجي بمكانة المدرس كمحور العملية التربوية هو أساس كل إصلاح منشود للمدرسة المغربية في الحاضر و المستقبل.

حاصل القول إذن يتضح بالفعل أن نضالات و إضرابات أستاذات و اساتذة الوطن حققت و لا زالت تحقق العديد من الانجازات في مستويات متنوعة قد لا تسعنا هذه الورقة البسيطة للتحدث عنها، غير أنه يظل الإنجاز الأبرز إلى جانب تلك المْتحدث عنها سلفا هو إعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين الاستاذ، باعتباره محور ارتكاز كل منظومة تربوية، و الدولة بجميع مؤسساتها و سياساتها و قوانينها. ربما يمكن أن تكون هذه المقولة الجميلة للمفكر التربوي الأمريكي “جون ديوي” هي ما ينبغي أن يؤطر باستمرار هاته العلاقة حتى لا نتيه عن رهان التنمية البشرية المتعثر عندنا: “التعليم ليس إعدادًا للحياة… بل هو الحياة نفسها!” 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى