الوسائط الاجتماعية بين التأثير على الفرد وصناعة التفاهة..

بقلم: د. محسن قضاض*

أريد من خلال هذه المقالة، أن أقارب موضوع شبكات التواصل الاجتماعي من الجانب التقني بحكم الاختصاص في مجال المعلوماتي، وليس من الجانب السوسيولوجي الاجتماعي والذي هو من اختصاص الباحثين في علم الاجتماع.
موضوع شبكات التواصل الاجتماعي هو مجال خصب في ميدان البحث العلمي حيث يتم تدارسه ومقاربته من مختلف الجوانب من طرف الباحثين في مختلف التخصصات السيوسيولوجيا، القانونية، اللغوية، التواصل، وأيضا في الشق التقني كالمعلوميات وغيرها من التخصصات الحية.
سأحاول خلال الفقرات الموالية المرور على مجموعة من النقاط؛ التعريف بهذه الشبكات الاجتماعية، مفهومها، أهميتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع، سأحاول فضلا عن ذلك سرد إيجابيات وسلبيات الشبكة، وأيضا سأتحدث بعجالة عن المحتوى الرائج “الطوندوس”، وأختم بتحديد المسؤوليات.
فمنذ ظهور نسخة الويب 2.0 سنة 2004 الذي سمي أنذاك بالويب التشاركي أو الويب الإجتماعي، وهو تحديث للويب يسمح للمستخدمين بالتفاعل وتبادل المعلومات بطريقة بسيطة وسلسة من حيث المحتوى وأيضا من حيث بنية الصفحات، وبالتالي إنشاء ما يسمى بالتفاعل الإجتماعي والذي جعل من المستخدم شخصا نشطا على الشبكة العنكبوتية العملاقة – الانترنيت-، هته الأخيرة أصبحت الآن تعج بمواقع من الجيل الجديد، تسمى مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد أتاح هذا التطور لشبكة الإنترنت بناء أنواع مختلفة من الشبكات الاجتماعية واسعة النطاق، والتي أصبحت معروفة الآن كوسيلة مهمة لنشر المعلومات ووسيلة للتواصل بين الأشخاص فيما بينهم وبين الأشخاص والمؤسسات، وتختلف أهدافها من موقع إلى آخر، حيث غالبا ما يتم تصنيفها إلى ثلاثة أقسام؛ المواقع الاجتماعية الشخصية والذي يعد موقع “الفايسبوك” أشهرها، والمواقع الاجتماعية الترفيهية التي تعتمد على نشر الصور والفيديوهات وأشهرهما على التوالي “إنستاغرام” و”اليوتوب”، وهناك أخيرا المواقع الاجتماعية المهنية، وهي المواقع التي تسمح للمستخدمين بوضع سيرهم الذاتية أو لعرض الخدمات من أجل خلق تجمع لتبادل المعارف والخبرات ويعد موقع “لينكد إن” أفضل مثال.
وعند الحديث عن المواقع الالكترونية الاجتماعية لا بد من تسليط الضوء على الموقع أو المواقع الأكثر تأثيرا في العالم، رغم أن التأثير يعتبر نسبيا حسب الأمكنة أو المناطق التي يمكن من خلالها زيارة تلك المواقع، وهنا يجب استحضار مثلا، أن موقع “الفايسبوك” ورغم كونه يحتل رتبة متقدمة على المستوى العالمي، فهو محظور في الدول العظمى كروسيا والصين أو الدول التي تربطها علاقة متوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية كدولة إيران لذلك لا يمكن الحديث عن تأثير ما يروج في “الفايسبوك” في تلكم الدول وبالتالي التأثير ينحصر فقط على الدول التي تسمح لمواطنيها باستعماله ومنها المغرب.
النمو المذهل لمشتركي وسائل التواصل الاجتماعي ينذر بالخطر، على سبيل المثال موقع “الفايسبوك” الذي نما خلال خمس سنوات فقط من 10.000  إلى أكثر من 800 مليون مستخدم، والآن أي مع انطلاق سنة 2021 إلى أزيد 2,8 مليار مستخدم فاعل، حسب منشور صادر عن إدارة “الفاسبوك”، لذلك يمكننا القول أن هذه الأرقام تظهر إلى أي مدى يتم زرع الشبكات الاجتماعية في أسلوب حياتنا، وبالتالي، يجب أن نكون قادرين على فهم الارتباط وتقييم هذا التأثير.
من الواضح أن استخدام الشبكات الاجتماعية يشمل العديد من المزايا المعروفة على نطاق واسع، فهو سهل الاستخدام، وغير مكلف، ومجاني بشكل عام، و يتيح التبادل السريع للمعلومات. بالإضافة إلى ما سبق، فلشبكات التواصل الاجتماعي فوائد صحية عديدة للناس على المستوى العاطفي، كالتعرف على أصدقاء جدد وربط أواصر الصداقة بالإضافة إلى تبادل الآراء، تبادل المعرفة ومساعدة الأخرين، فضلا عن مشاركة أفكار وآراء ومشاعر الناس.
ومن السهل عبر هذه الوسائل كذلك، نشر ومشاركة وتعزيز القيم والوعي والمعرفة، ومساعدة الآخرين وإقناعهم لإحداث التغيير وقيادهم نحو الأفضل، كما يمكن تقديم المساعدات الاجتماعية للمحتاجين ودعم كل الأشكال التضامنية، فقط من خلال الكتابات الحائطية أو نشر صور و فيديوهات ذات الصلة. كما يعمل العديد من الطلاب من خلال استعمال شبكات التواصل الاجتماعي على إنشاء مجموعات لتبادل المعلومات حول الدروس أو المشاريع التي تدخل ضمن مناهجهم الدراسية، وبالتالي المساهمة في بناء المجتمع المتعلم.
ومن جهة أخرى، وبالرغم من الإيجابيات الكبيرة لشبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنها سلاح ذو حدين، حيث ظهر مؤخرا جيل جديد من تطبيقات الالعاب يدخل في خانة التواصل الاجتماعي الترفيهي، حيث يسمح لفئة من المستخدمين وهم بشكل عام الأطفال والشباب اليافعين بتشكيل تجمعات عبر هذه الوسائط التي تمنحهم فضاء للعب وفي نفس الوقت التحدث المباشر بالصوت وأحيانا بالصوت والصورة. هذا النوع الجديد من المؤكد أن يشكل خطورة على المستخدمين ويؤثر سلبا على أهداف شبكات التواصل الاجتماعي الايجابية ويعمل على تطعيم وتوسيع دائرة السلبيات كالتسلية وضياع الوقت وربما في السنوات القادمة ستكون هناك صعوبة في توجيه الأبناء والتلاميذ، في ظل هذا النوع من الشبكات.
ومن السلبيات أيضا، استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، ولو عن غير قصد، في هدم القيم من خلال نشر “التفاهة”، حيث وللأسف الشديد أصبح المحتوى التافه يتربع على عرش ما يتابعه المغاربة من جمهور الويب بصفة عامة ومتتبعي شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، وهو أمر ينذر بالخطر ويعطي صورة منحطة عن المجتمع ويعكسها بشكل سيء على الأجيال الصاعدة ويساهم في هدم مرتكزات الأمة وتدمير هويتها، خاصة وأن المحتوى الذي يتم ترويجه يتضمن مشاهد مشينة وكلمات نابية أحيانا، وأحيانا أخرى إيحاءات ذات طابع جنسي، ونشر أشياء وأفكار غير أخلاقية ودخيلة على المجتمع المغربي الذي يعتبر مجتمعا محافظا، والهدف استقطاب أكبر عدد من المتابعين وبالتالي تحقيق الربح المادي على حساب الشرف الخلقي، وكنموذج مشاهد روتيني اليومي على اليوتوب وغيره من الفيديوهات الغريبة على الطقوس والعادات والتقاليد المغربية، واعتلائها قائمة المحتوى الرائج “الطوندوس”.
أود الإشارة هنا، أن “الطوندوس” أو “المحتوى الرائج”، هي قائمة تضم المنشورات الرائجة على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الدولة التي ينتمي إليها المستخدم، وحسب استراتيجية “يوتوب” الصادرة عن إدارته في وقت سابق، يتم تعديل قائمة الفيديوهات الرائجة كل 15 دقيقة تقريبا، حيث يتم الاعتماد على عدد من المؤشرات أو الإشارات منها على سبيل المثال لا الحصر: عدد المشاهدة، سرعة جذب المشاهدات إلى الفيديو، مصدر المشاهدات، تاريخ نشر الفيديو (مثلا: فيديو حديث ينال نقطة أفضل)، إلى غير ذلك، وعند الانتهاء بهذا الحساب الأوتوماتيكي على جميع الفيديوهات المنشورة يتم إعادة التصنيف ووضع الفيديوهات التي نالت أعلى النقاط.
وعودة للمنشورات التافهة، ولترتيب المسؤوليات، أظن أن المسؤولية مشتركة، فالدولة يجب أن تتدخل بدورها، بحزم وعقلانية في ما يتم ترويجه عبر شبكات التواصل الاجتماعي وما يقدمه “صناع المحتوى”، والاهتمام بالمؤسسات المعنية بالتربية والتكوين، وفي مقدمتها المدرسة التي تعرضت للإهمال منذ عقود، كيف لا ونحن شاهدنا كيف تتم الاعتداءات على الاساتذة وكيف أصبح المربي موضوعا للتنكيت وكيف يتم الحط من قيمته وكرامته، وكيف أن البرامج التربوية الهادفة غائبة تماما عن وسائل الإعلام ولا تواكب ما نعيشه في الوقت الراهن مع تحديات وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي إطار التقنين، لا يخفى على أحد محاولة الحكومة في وقت سابق، وضع مشروع قانون يؤطر استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، والذي للأسف ابتعد عن معالجة الوافد التكنولوجي الجديد واتجه نحو إجهاض الحق في حرية التعبير وإعاقتها، سماه ناشطون بقانون “تكميم الافواه” عرف رفضا واسعا وانتهى به المطاف إلى “ثلاجة” الحكومة.
نطالب أيضا الدولة بتطبيق القوانين، هناك قوانين قد تساهم في توقيف هذا العبث لكن للأسف لا تطبق، فمثلا في القانون الجنائي وبالضبط في الفرع السادس المتعلق بانتهاك الآداب: الفصل 483، يقول أنه من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الاشارات أو الافعال يعاقب بالحبس من شهر الى سنتين. وعرف الفصل أن الاخلال العلني هو متى كان الفعل ارتكب بمحضر شخص أو اكثر أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم، انتهى الفصل. لكن لم نسمع بهذا القانون قد طبق في يوم من الأيام على بطل من أبطال التفاهة في المغرب.
ومن جهة أخرى، لا يخفى على أحد أيضا أن لمتتبعي شبكات التواصل الاجتماعي ولجمهور الويب بصفة عامة، دور في نشر التفاهة من خلال تشجيعها، فما دامت المنشورات التافهة التي يتم ترويجها تلقى الملايين من المشاهدة والمئات الآلاف من التفاعلات، فهذا تحفيز مجاني لصناع التفاهة للإستمرار في نفس الأعمال وبالتالي لن ننتظر تغيير مضمون المنشورات التافهة بل ربما قد تزيد إلى “تفاهة” أشد.
وأيضا هناك، مسؤولية يتحملها أصحاب منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، من أجل الحرص على اختيار فيديوهات مناسبة للجمهور، وذلك مثلا باستخدام ” فلتر” للتأكد من عدم عرض فيديوهات تحتوي بشكل مفرط على لغة نابية مثلا، أو محتوى للكبار أو مشاهد عنف أو أي فيديوهات أخرى غير مناسبة لمستخدمي الشبكات الاجتماعية، وذلك على غرار المجهودات التي تمت من طرف المواقع الاجتماعية من أجل الاستجابة لقضية استعمال المعطيات أو البيانات الخاصة لمستعملي الانترنيت، الصادر عن البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي سنة 2016.
وفي الختام، أظن أن الخطورة تتجلى في كون أن صناع المحتوى “التافه” الذين أصبحوا نجوما ومشاهير بفضل “تشجيعنا لهم” سيصبحون وللأسف الشديد قدوة للأجيال القادمة، وكتنبيه لكل المستخدمين الذين يرفضون التفاهة، إنكم بمشاهدتكم لمنشور “تافه” أو بتفاعلكم عبر زر التعاطف أو من خلال وضعكم لتعليق ولو يتجه ضد المنشور، فإنكم بذلك تساهمون في ترويج المنشور وبالتالي تساهمون في نشر التفاهة. فضلا عن ذلك، نحن بأمس الحاجة وأكثر من أي وقت مضى، إلى قانون بنظرة شمولية، يحمي مستخدمي الانترنيت ويؤطر وسائل التواصل الاجتماعي ويحصنها من المنزلقات باعتبارها فضاء عاما للحوار والمناقشة حول القضايا العامة وقد يؤثر ذلك على الفرد والمجتمع آنيا أو على المدى البعيد.

  •  أستاذ المعلوميات بجامعة محمد الأول باحث في تحليل شبكات التواصل الاجتماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× GIL24 sur WhatsApp